قصة

بـرتـقـالــي


“أنا لا أشارك أسرى جوانتنامو معتقداتهم ، ولكنني أرفض وبإصرار معاملة  حكومتي لهم وطريقة احتجازهم الغير إنسانية.”/ جيم شيدنهلم – كاتب أمريكي

تُناسبُ..

الأصفاد..

شباب…

شجعان..

أما….

الأساور…

للعوانس

أو….

الشابات…

الجميلاتِ.

“مسلم دوست عبد الرحيم ، شاعر حجز في جوانتناموِ “

 

عاد دوست.

لم يصدق أحدا في كل القرية نبأ عودته. لذا تقاطروا جميعا إلى بيت أبيه لرؤيته.

عاد دوست.

نحيفا..حزينا… واجما… زائغ النظرات. لا أحد يعلم لماذا ألقي القبض عليه..وبالتأكيد لا أحد يعلم لماذا أطلق سراحه.دوست لم يتحدث عن هذا الأمر مطلقا.  كما أن أحدا لم يتوجه إليه بالسؤال.  فقط تفحصته الأعين المذهولة. فقد الكثير من وزنه..امتقع لونه… وبدا شكله مختلفا دونما لحيته المعهودة. ما لفت انتباه الجميع هو حذائه البرتقالي الذي ضل مرتديه حتى عند أداء الصلاة. البرتقالي لونا غير معهودا في القرية ولا ينسجم مع الثياب التقليدية.

أثناء الزيارات كان أبيه يقوم بشكر الحاضرين وكل من بذل جهداً من أجل عودة ابنه.

مرت الأيام… قل عدد الزوار إلى بيت آل دوست… وشيئا فشيئا عادت الحياة إلى سوابقها. عاد دوست إلى العمل في حقل أبيه والى كتابة الأشعار…والى الجلوس طويلا عند نبع الماء. شيء واحد ضل يلفت الانتباه إليه..هو إصراره على حمله لحذائه البرتقالي أينما ذهب.

 

 

رسالة من (1)

عزيزتي أيمي…..

اعذريني لأنني لم اكتب لك منذ عدة أسابيع. فوضعي هنا مريع..لا يحتمل…

أتذكرين حماسي للقدوم إلى هذا المكان وكيف تطوعت…أنا الآن ابحث عن انتقال إلى إي مكان بعيدا عن هنا… الآن صار حلمي الخروج..الهروب..الفرار من قلعة الموت هذه….هنا للموت بيت وقلعة… للموت طعم ولون وصوت و رائحة…

أراه أينما سرت.

في الأحداق الغائرة..العظام البارزة.. أللحي الكثيفة.. في الأجساد الرثة..

أسمعه في الصمت الموجع..في اضطراب السلاسل والقيود…

تسألينني أن أصف لك المكان…!

هنا نحن بلا ملامح…

سجن بلا ملامح…

مساجين بلا ملامح…

وسجانون بلا ملامح… كيف لي أن أصف لك  يا أيمي..؟

أيمي… هذا الجحيم بعينه.

أمطرت البارحة بكثافة على غير عادتها..فزاد اكتئابي.هذا الصباح سألت السرجنت وولوورث…أن كان قد بت في أمر انتقالي… استمع صامتا…ثم تحشرج قائلا..”ما الذي استطيع أن أفعله لك.؟.”..يا…….”. “لا..شيء..لا شيء على الإطلاق”…

ثم أردف بنبرة استهزاء..”.أنت من فلوريدا أليس كذلك….؟؟”

 لم أرد عليه ، انطلقت نحو الباب لأسمعه يحدث نفسه بنبرات حادة…..

“.تبا لهم..!  لم لا يرسلون لي رجالا من وايومينج أو أريزونا”.

خلال الخمس أشهر الماضية.. شاهدت تسعة حالات جنون و ثلاثة حالات انتحار… كان أغربها انتحار ذاك..الذي كنا نسميه “الصخرة”…قيل لي أنه لم ينطق بكلمة واحدة منذ إلقاء القبض عليه… أخيرا انتحر..خنق عنقه بحزام..وانتهي أمره..رجل مقيد بالسلاسل..ولم يتحرك من مكانه منذ أشهر..ويرفض الطعام ينتحر بهذه الطريقة..ألا تجدين ذلك غريبا…. ولكن لا غرابة في الجحيم.

اعذريني لأنني لم اكتب إليك منذ عدة أسابيع.

 فالوضع هنا مريع..لا يحتمل…

اعذريني لأنني لم أسألك عن حالك وكيف أنت…هل نجحت في امتحان الترقية؟..هل تمكنت من دفع أقساط.البيت والسيارة..؟..وكيف أهلك والأصحاب والجيران..؟

آه..يا أيمي… سبعة أشهر ثم نكون معا… هل حقا سنكون معا..!.لا أعلم…

..لقد تغيرت في أشياء كثيرة ، ولكن حبي لك لم يتغير…

فقط لم أعد أطيق السكون..والبؤس..والحزن المتيبس في العيون..

لم أعد أطيق اللون البرتقالي… لن أتمكن من أكل برتقالة واحدة ما تبقى لي من عمر….

أتساءل…..كيف لي أن أعيش في فلوريدا  بعد الآن *……

قبلاتي…وسلامي.

قبل أن أنسى…ابعثي لي صورة بقصة شعرك الجديدة…أراهن أنها تلاءمك جداً.

……………..

رسالة من (2)….

روزا الغالية…..

كيف أنت يا حبيبتي..وكيف أولادنا…كيف حال أهلي وأهلك؟.

شاهدت صوركم  التي بعثتيها لي…. الشقي ” جو” يبدو أطولا الآن مما كان في السابق…أما الصغير ستيف فلم يتغير..شعر كثيف على رأسه وابتسامه حلوه على محياه….أما أنت… أنت تبدين أكثر نحافة..هل هي من الحمية أم من اشتياقك لي؟….. يا ألهي كم أشتاق إليكم…بلغي الأطفال أنني سآخذهم في رحلة بالصحراء لأيام عدة…ربما نصطحب معنا العم دوين…ما أخبار ذاك السكير…! لقد اشتقت إليه والى كرشه المتهدل كشفة زنجي..!…… بلغي ذاك اللعين سلامي.

أرجو أن تهتمي بصحتك ووزنك. كيف حال القس كونراد. بلغيه كذلك سلامي وبلغيه لبقية المترددين على الكنيسة ، هل لازلت تواظبين على أخذ الأولاد معك في الآحاد. ؟

أنه خير ما تفعلين.

عزيزتي روزا….أنا هنا بخير. أحب عملي في معسكر الأسرى هذا. وأنهك نفسي في أداء واجبي. نحن هنا  نؤدي واجبنا لنحميك وأمريكا من هذا الوباء ونعامل هؤلاء المرضى كما يجب. لقد ازددت احتراما لبلدي ولديني عندما تعاملت مع هؤلاء الشياطين. كم أتمتع بالبصق في وجوههم؟ وقهر نفوسهم المسكونة بالحقد. لقد كلفني السرجنت وولورث بالتحقيق مع أشرسهم ، هذا المسمى “الصخرة”…هل تعلمين ما جرى له..ولكن كيف لك أن تعلمين ؟ دعينا من ذلك.

أنا فخور بدرجات جو في المدرسة ، وإن كان يضايقني عدم التحاقه برياضة ما. أقنعيه بذلك لا بد لنا من أن نكون أقوياء لنحمى أنفسنا فهذا العالم كما تعلمين ملئي بالأشرار الذين يكرهوننا.

قبلاتي لك..وللأولاد…وليحفظ الله بلدنا من هؤلاء الأشرار.

* فلوريدا هي عاصمة البرتقال في القارة الأمريكية.

مقالات ذات علاقة

خثارة بلل

آمال العيادي

خُبز يابسٌ

علي باني

حوار ليبي ليبي .. بدون تدخل خارجي!!

إبراهيم حميدان

اترك تعليق