الطيوب | متابعة وتصوير : مهنَّد سليمان
استضاف معهد جمال الدين الميلادي للموسيقى جلسة حوارية أقامتها اللجنة الثقافية -رواق الصحافة- التابعة للهيئة العامة للصحافة حول (القضاء الليبي بين تحديات التنفيذ وازدواجية القضاء الدستوري) بمشاركة نخبة من الأساتذة القانونيين وتولت إدارة دفة الحوارية مديرة تحرير صحيفة الصباح الكاتبة الصحافية “فتحية الجديدي” بحضور لفيف من المثقفين والمهتمين، وذلك مساء يوم الإثنين 20 يناير الجاري على مسرح الفنان كاظم نديم.


الإرث التاريخي للقضاء الليبي
واستهل الدكتور “مجدي الشبعاني” بالإشارة إلى أن وحدة القضاء تظهر كنموذج في القضاء الليبي لكن من الداخل يضم عدة دوائر كدائرة الأحوال الشخصية، والدائرة المدنية والعمالية والجنائية والدستورية أيضا، وتابع الدكتور الشبعاني بأن هذا النموذج الفريد تميّز به القضاء الليبي تاريخيا، وكذلك كان للمحكمة العليا دور يشار له بالبنان في تصديها للحفاظ على حماية الدستور، واستشهد الدكتور الشبعاني بالمرسوم الملكي الذي أصدره الملك الراحل إدريس السنوسي بحل المجلس التشريعي الطرابلسي لترفع أول دعوة دستورية أمام المحكمة العليا بعدم دستورية هذا المرسوم باعتبار أن الدستور الليبي لعام 1951كان يضع شروطا معينة حتى يمارس الملك هذه الصلاحية، وقضى حكم المحكمة العليا آنذاك بإبطال المرسوم الملكي، وأوضح الدكتور الشبعاني أن هذا الحكم يعد الأول من نوعه عربيا باستثناء دولة الكويت حين ألغت عام 2012م مرسوما واستندت في متن التسبيب إلى حكم المحكمة الليبية العليا الصادر عام 1953م، وأردف الدكتور الشبعاني بالقول : إن هذه الخطوة المُنجزة أعطت القضاء الليبي دفعة قوية وللمحكمة العليا وزاد هذا الأمر من ثبات السلطة القضائية على أن قانون إنشاء المحكمة ينص على أن مبادئ المحكمة العليا مُلزمة لما أدناها من المحاكم، وحسب تقدير الدكتور الشبعاني بأن لهذه المادة فائدة كبيرة إذ ساهمت في احتواء الانقسام السياسي بين المؤتمر الوطني ومجلس النواب، وأكد الدكتور الشبعاني في المقابل أن لثبات وتوازن المحكمة العليا وللسلطة القضائية ضمن الهيكل التنظيمي الإداري القانوني الفريد عامل جوهري وفريد علاوة على الإرث التاريخي المميز للمحكمة الليبية العليا بدائرتها الدستوري الذي ينبغي المحافظة والبناء عليه، وأضاف الدكتور الشبعاني أن ما يميز الدعوة الدستورية في ليبيا هو كونها تُرفع مباشرة من قبل أي مواطن ينبطق عليه القانون.
تعقيدات تنفيذ الأحكام القضائية
كما شارك الدكتور خليفة سليمان الأطرش بمداخلة أشار من خلالها إلى أن المحضرين ينبغي أن يكونوا رجال لديهم خبرة ودُربة والدراية الكافية بحكم أن تنفيذ الأحكام القضائية يمر بعدة صعوبات لا سيما حين يتعلق التنفيذ على العقارات فهذه المسألة تخضع لسلسلة طويلة من الإجراءات المعقدة والشكلية التي لابد أن يكون للمحضر على علم بها بل وحتى قاضي الاشكالات يفترض أن يكون مدركا للعديد من التفاصيل والخفايا، والجوانب العملية أثناء التنفيذ هي المحك، وبيّن الدكتور الأطرش أن التنفيذ القضائي مسؤولية جميعا تسري على المجتمع كله، ولضمان سلاسة إجراءات التنفيذ يجب أن تكون السلطة فعالة وقوية ومدركة ومتخصصة تنأى عن المجاملات، وأضاف الدكتور الأطرش قائلا : إنه من بين العقبات التي تواجه التنفيذ تتمثل في أن المحضرين يشتكون من عدم وجود الوسائل المادية وعدم وجود متخصصين في إجراءات التنفيذ، وكذا من بين العراقيل في تنفيذ الأحكام هي أن القاضي يفصل في مصاريف الدعوة، وأردف الدكتور الأطرش موضحا أن الأحكام التي تصدر عن الدولة لا يجوز فيها الحجز على أموال الدولة وهي إحدى العقبات المشار إليها آنفا أيضا ثمة مشكلة في الحصول على صيغة التنفيذية مما يزيد الأمر تعقيدا.
الأوامر الولائية
من جانب آخر أوضح الدكتور عمر الحبّاسي خلال مداخلته بأن الأوامر الولائية ينظمها قانون المرافعات المدنية والتجارية وهي جُعلت للتخفيف على المواطنين في اقتضاء بعض الأمور بطلب على عريضة يُقدم لقاضي الأمور الوقتية أو رئيس المحكمة المختصة لاستصدار الأمر، وتابع الدكتور الحباسي أن هذا الأمر الولائي لا يفصل في الحقوق ولا يؤدي إلتزامات بقدر ما يؤخذ به في إجراء معين يكون سابق لرفع الدعوة ففي غضون ثلاثة أيام من تاريخ إعلان الأمر يتم التظلم منه إذا كان صادرا من قبل قاض من قضاة المحكمة فإن التظلم يتم أمام رئيس المحكمة الإبتدائية أما إذا كان الأمر صادرا من رئيس المحكمة الإبتدائية فإن التظلم منه يكون منعقدا لمحكمة الاستئناف لتفصل فيه، وأضاف الدكتور الحباشي أن هذه الأوامر الولائية في الآونة الأخيرة تم التوسع فيها نظرا لضعف بعض مُصدري هذه الأوامر من القضاة لدرجة أنها جاءت في بعض الأحيان مخالفة لأحكام قضائية مما أثار ظلال كثيفة من الشك والريبة على إصدار تلك الأوامر التي من شأنها إعطاء حقوق لم تصدر بحكم بات حتى يمكن تنفيذها والاهتداء بها.
عدم قانونية إنشاء محكمة دستورية في بنغازي
بينما تطرق الكاتب والمحامي مفتاح قناو إلى الواقع الراهن الغير قانوني للمحكمة الدستورية في مدينة بنغازي معتبرا بأنها بحكم البُعد الجغرافي لا تستمع إلى كلامهم وتحكم بما تراه مناسبا ما دفع بالفرقاء السياسيين لإعادة إنشاء جسم قضائي جديد يخضع إليهم ويحقق رغباتهم ومكاسبهم، ويرى قناو أن المحكمة الدستورية المقامة في بنغازي اليوم لا تستند على شيء مطلقا، وكان أجدر وأولى بالبرلمان أن يقر الدستور أولا ومن ثم يستطيع لاحقا الاستناد إلى أن الدستور ينص على المحكمة الدستورية، وأردف قناو أن القسم اليمين القانونية الذي أداه الأساتذة القانونيين أمام مجلس النواب يعد باطلا فهو لم يكن أمام الجمعية العمومية للمحكمة العليا، وأشار قناو إلى ما سماها بالمهزلة هي من ستقود البلاد نحو الانقسام الكامل.
التباس التداخل في الاختصاصات
بدوره أضاف الكاتب عبد الرزاق الداهش رئيس الهيئة العامة للصحافة أن ثمة تداخل كبير في اختصاصات السلطتين التشريعية والتنفيذية، موضحا بأن السنوات الماضية حاول القضاء الليبي النأي بنفسه عن التورط في الخصومات والصراعات السياسية، وبيّن الداهش حجم الاستهتار واستغلال سلطة القضاء في إصدار الأحكام فضلا عن تخبّط الأحكام القضائية بين المناطق الليبية نظرا لغياب الاختصاص الأمر الذي يساهم بصورة مفزعة في إضعاف المؤسسة القضائية بجعل الكثير من الأحكام غير قابلة للتنفيذ كما أشار الداهش إلى أن الأحكام المرفوعة ضد أجهزة الدولة الكثير منها مبالغ فيها ولو خضعت للفحص والتدقيق ستُفلس هذه الدعاوى بالدولة إذا ما حُكم لكل مدعى بتعويض لجبر الضرر بمبالغ طائلة، وتوقف الداهش عند جزئية عدم إحترام القضاة أنفسهم للقضاء.


