حكايات وذكريات – سيرة قلم 49
ثم لا ينسى النيهوم أن يوصنا وبإصرار مستعينا بمعادلة إيمانية خالية من أي شرك.. كي نفتح عيوننا جيدا.. ونرى الله الكامل الذي لا نستطيع أن نضيف إليه شيئا.. أو ننقص منه شيئا دون أن نخدش كماله.. انظروا ماذا يقول:
(واحد + واحد = واحد .. أقول لك.. ولكنك تضحك بملء شدقيك وترفض أن تصدقني.. فانظر بنفسك.. وافتح عينيك مرة واحدة لكي ترى الله بنفسك.. مرة واحدة لا غير.. فأنت تعرف أنه واحد وتعرف أنه كامل.. أعني ما دمت تؤمن بوجوده فلابد أنك تعرف ذلك كله.. ولابد أنك لا تستطيع أن تضيف إليه شيئا.. ولا أن تنقص منه شيئا دون أن تخدش كماله.. فهل تعلمت الحساب جيدا).
هذا هو النيهوم الذي كان فعلا يحاول الصعود.. والخروج من حواجز واقعه المادي.. مستخدما امكانات عقله البشري.. لاستكناه خبايا وخفايا منطقة التجريد الإلهي المطلق.
الجحود والهروب.. والعودة المحزنة إلى تراب الوطن
إن أسوأ شيء على الإطلاق في رأي النيهوم.. هو ذلك الجحود والنكران الذي يواجهه الكاتب.. وأخطر أنواع الجحود على قلب الكاتب.. هو تجاهل الجميع لأفكاره ووصاياه والضرب بها عرض الحائط.. وكأنها لا تعنيهم.. لقد عبر النيهوم عن ذلك بوضوح تام في قوله:
(إذا كان هدف الكاتب أن يجعل مجتمعه يمشي خطوتين، بدل خطوة واحدة.. فلا بد أن أسوأ مشكلة تواجهه في بلد متخلف، هي أن أحدا من حوله.. قد لا يرغب في المشي على الإطلاق).
لقد باءت كل محاولات النيهوم من أجل الإصلاح والنهوض بشعبه المتخلف إلى الفشل.. فكان أن تركنا ومضى ليعيش هناك في ديار الغربة غريبا كأفكاره تماما.. وهناك في ديار الغربة صدم بالعالم الآخر.. وصدم مرة أخرى ببنغازي حين عاد إليها:
(وكما صدمت بالعالم الآخر حين تركت بنغازي، صدمت – أيضا – ببنغازي حين عدت من العالم الآخر . كتب علي أن أنشطر نصفين حزينين يائسين.. غريبين.. وأصبح من الواضح أن أختار… فأنا نكرة في بلدي.. كما في هذه المدينة الصاخبة فرانكفورت.. وأنا غريب في ليبيا.. كما أنا غريب في هذه الدولة الكبيرة ألمانيا.. وأنا في بنغازي أعيش في مجتمع مادي.. غريب الطباع.. قاسي الملامح.. فاقد الأصول.. ولكنني في ألمانيا لا أرتبط بأي مجتمع.. وهنا ثقلت كفة الميزان.. واخترت الغربة الاسمية لأنها أخف وطأة من الغربة النفسية وأنت بين أهلك وأصدقائك).
أحب النيهوم الغربة وأحبته
ففضل العيش فيها ما يقرب من أربعة عقود.. ولم يغادرها متوجها إلى الوطن.. إلا محمولا على الأكتاف.. وهناك في ديار الغربة تغير وتغيرت بالتالي أفكاره ومفاهيمه.. التي كتبها خلال عقدي الستينيات والسبعينيات.. وعرضنا جزءا منها في هذا الجزء والذي يليه.. وهي بطبيعتها غير الأفكار والمفاهيم التي نشرها خلال العقدين الأخيرين من حياته.. والتي أثارت الكثير من الجدل.. وتخاصم حولها المثقفون بين مؤيد ومعارض.. ورغم ذلك كله.. يظل النيهوم ــ كما قلت سابقا: (أفضل من التقيت من أدبائنا علما وتواضعا وثقافة واسعة).. يرحمه الله تعالى رحمة واسعة.
مقالات كتبتها ونشرتها عن النيهوم:
1. النيهوم.. إنسانا وأديبا ومفكرا كبيرا.
2. الإنسان في اعتقاد النيهوم.
3. النيهوم وحرية الرأي التي يؤمن بها.
4. أدباؤنا إلى أين.. ؟
5. قصة هذا الكتاب: مقدمة لكتاب النيهوم: (بين حين وآخر ومقالات أخرى).
6. النيهوم والنداء من أسفل المئذنة.. تحليل لمقالته: صوت من أسفل المئذنة.
7. ذكريات وحكايات مع الأديب صادق النيهوم: (9 أجزاء).
الصورة المرفقة: لمقالتي: (الصادق النيهوم.. إنسانا وأديبا ومفكرا كبيرا): صحيفة الميادين: العـدد: 157: (13 ــ 19 مايــو 2014).