تتجدد الأرض، وتنهض الطبيعة من سباتها العميق مع أولى زخات المطر، كأنها تغسل وجهها المتعب بعد موسم طويل من الصمت. تنحني السماء لتهمس للأرض، وتمد يدها عبر الغيث وكأنها تقول: “لا تخافي، فقد جاء وقت الحياة من جديد.”
تنبض الأشجار باللون الأخضر، وتتفتح الزهور كما لو أنها تنشد أنشودة الحياة، وكأن كل ورقة وزهرة تروي حكاية انتظار وصبر. الأرض العطشى تحتضن قطرات المطر بشغف، وكأنها طفل يستقبل عودة أمه بعد غياب.
رائحة المطر الأولى، تلك الرائحة التي تحمل عبق الزمن القديم، تمتزج بأنفاس الأرض وتوقظ في النفوس مشاعر دفينة. هي ليست مجرد رائحة؛ إنها لغة الأبدية، صوت الماضي الذي يعانق الحاضر ليبشر بالمستقبل.
المطر، هذا الزائر السماوي، لا يسقط عبثًا. إنه وعدٌ بالخلاص، نداءٌ بأن كل ما ذبل يمكن أن يزهر، وكل ما مات يمكن أن يعود للحياة. تنساب قطراته كرسائل مكتوبة بحبر النقاء، تُقرأ في صمت، وتحمل معها أسرار التجديد لكل من يصغي.
ثم تأتي القطرة الأخيرة، تلك التي تنزلق على وجنة زهرة، وكأنها دمعة فرح أو صلاة خفية. لا تزال الأرض تحتفل في صمتها، والنفوس تتأمل في انعكاس هذا المشهد السماوي، فتتطهر القلوب، وتُغسل الأحزان، ويبدأ كل شيء من جديد.