الذكرى الثالثة لرحيل الكاتب والديب الليبي الكبير علي مصطفى المصراتي
علي مصطفى المصراتي
كان يسوق القطيع الى المجزرة.. عرف طريقه ولا يتعبه هذا القطيع.. كان يتغنى مدندنا.. وهو يراقب بعينه وعصاه في يده يهش بها.. وعند اللزوم ينخس ويومئ وتغوص أقدامه في وحل الطريق المزدحم..
كيف يخلص من هذا الزحام. ويصل الى المذبح والمسلخة.. ويعود مطمئنا ظافرا بأجر يومه الضامن لخبز عياله، ومصروف غده..
وصدفة انفلت الجمل. هرب من القطيع..
هرب من الجزار وسكينه الذي كان يستعد لاستقباله مرحبا لتأدية عمله… انفلت من الساحة الواسعة في المدينة المزدحمة الصاخبة.. كان بجانب الطرف الآخر في الطريق الطويل المؤدي للمسلخ هناك قصر الحاكم الذي كان يحكم بالوراثة… كان القصر من الرخام والمرمر تحوط به الأسوار العالية، والأبواب البلوطية والحديدية الضخمة… والمزاليج والحجر الأصم.. والأشجار الباسقة والزخارف.. وحرس صاحب القصر.. والأبواب الموصدة.. والشبابيك الشاهقة.. لا يقترب أحد من الأرصفة فضلا عن الأسلاك من الطرف الآخر.. في طريق المسلخ كان يقع قصر الحاكم على بعد مسافة.. ووراء الأبواب وعند المسارب والمداخل والأسوار تعريشات من الزهور نابتة بطريقة صناعية يشرف عليها مهندس جلب من أوربا.. مهمته أن يقطف الزهور والياسمين والنوار قبل أن تتطاول على الأسوار.. وكان المهندس ذو المقص الطويل وصاحب اللكنة الغريبة مشغولا بقص الزهور.. وتشذيب أشجار اللبلاب التي كانت تحجب الضوء. وتعزل الرؤى.. وكان المهندس الآخر يلف الأسلاك ويمدها.. والصبيان الذين معه مشغولون بدق المسامير من طرف آخر.. والمهندس الثالث كان منهمكا في عملية تثبيت الألواح والأخشاب الضخمة، كان حارس الساحة والمنافذ يترقّب ساعته لإنهاء دورته ويغالب التثاؤب.. لم يأخذ حذره فالباب الخلفي واسع.. ودخل الجمل الهارب من القطيع الى الساحة باحثا عن منفذ…
وبادر الصحفي ينشر الخبر مسرعا قبل أن يتلقفه غيره من أصحاب الصحف المنافسة له. وتفنّن في العناوين:
– الجمل يلجأ الى ساحة القصر
– في رحاب مولانا الحاكم حفظه الله ورعاه وجد الجمل أمنا
– تعطف مولانا وأصدر أمره الكريم ألا يذبح الجمل
– الجمل يرتع بالحرية في ساحة القصر
وبادر المصور مسرعا بآلته الحديثة.. وهو يقود سيارته الفارهة يلتقط صورة الجمل الهارب إلى ساحة الأمن حيث وجد حريته.. ونجا من سكين الجزار.. وأثناء توجهه بسيارته المسرعة كاد يدوس طفلا رث الثياب حافيا.
واصطدم بشحاذة تمد يدها… وأطار عكاز عجوز كانت يده مقطوعة.. وهو يزمر مسرعا مخافة أن يسبقه غيره لالتقاط صورة للخبر الساخن الخطير.. وأسرع مبادرا الشاعر بعد أن تسقطت أذناه الخبر وانتشاره مشافهة وإعلانا.. بادر بنظم قصيدة عصماء وهز قريحته لتغطّي على كل القصائد.. إنها في نظره حادثة فيها شعور إنساني وجد الحيوان الأبكم في ساحة صاحب القلب الرقيق والمشاعر الإنسانية كل عناية ورعاية بتفضل مولانا الحاكم حفظه الله… بينما كانت بقية القطيع في طريقها الى السلخ والملخ.
وجاء مسرعا.. مهرولا.. ساعيا صاحب المجلة الملوّنة لإصدار ملزمة وملف خاص.. وأخذ يبحث بحكم مهنته واستنشاقه للأحداث.. عن صاحب القطيع ببسالة!
– كيف فلت منه ولجأ الى الساحة
وحاصره بالأسئلة المنوعة..
– ماذا كان غداء الجمل الهارب قبل حدوث الانفلات والهروب الى ساحة مولانا الحاكم في قصره..
وتنوعت وتفرعت الأسئلة
– هل أخذ طريقا معتادا!؟ هل أخذ قسطا من الراحة!؟
هل هذه أول مرة يفلت حيوان من عيون الحراس؟.. كيف ولج الباب في خفة ورشاقة!. ولم يلتفت أو يتردد فقد عرف طريقه؟.. وبادر المذيع، صاحب برنامج على الرصيف ومذيع حدث اليوم، لتسجيل لقطات من صوت الجمل الهارب ورغائه في ساحة القصر الذي هرب اليه محتميا.. وأخذ المذيع بصوته المدرب على التعليقات. والفرقعات الصوتية ويحاول في تمطيط ومدّ الكلمات أن تبدو في نبرات صوته وتهدج عباراته وتلون نغماته تأثر البهجة والاستغراب وإثبات الوجود في عمله.
سيادتي وسادتي.. تلاحظون أنّ رغاءه في هذه الساحة دافئ قوي في رحاب حاميه ومنقذه.. ها هو تسمعونه وتحسون به شبعانا.. ريانا.. مطمئنا.. ليس كصوت القطيع المذعور المساق الى المجزرة في المواسم والأعياد والولائم والعزائم.. سيداتي.. وسادتي إليكم فقرات ولقطات وهو يمشي على مهل.. وهو جالس.. ثاني ركابه الأربع.. وهو يحاول القيام على قوائمه الأمامية.. يعد عنقه ينظر بعيونه وفي نبرة صوته ما يميزه عنه القطيع الذاهب للمسلخة كأنما هو صوت ربيع مزدهر.
وتحدث المذيع عن نوع الأكل والأعشاب التي قدمتها له الأيدي الحنونة بتوجيه ورعاية صاحب القصر.. وخطف منه زميله [الميكرفون] حتى كاد يقع على الأرض ويتخرشم ويتكركب [الميكرفون] أراد ألاّ تفوته الفرصة والمناسبة السعيدة.. أراد أن يسهم ورفع صوته.. أكثر من صاحبه:
– سيداتي وسادتي! أمام الجمل علف وأعشاب من نوع ممتاز وقدامه الماء والهواء العليل وبفضل تكرم مولانا نجا من سكين الجزار الذي كان في انتظاره.. هالة من الاطمئنان والأمان بادية على وجهه.. يكاد يبتسم.. يكاد ينطق. أرأيتم في حياتكم حيوانا يبتسم.. ولعلكم بحسكم تلاحظون الفرق بين رغاء الجمل قبل أن يطمئن في رحاب مولانا حفظة الله ورعاه.. واقترب المذيع اللاهث.. المتصبب عرقا والمتهدج كلاما.. اقترب خطوات.. فكاد يعضه الجمل، وهرب منه ناجيا بجلده متعثرا في خيوط (الميكرفون) وكاد الجهاز يقع تحت خفه.
وكف عن الوصف والإرسال.. واعتقد البعض أنه خال فني أو تداخل الموجات المشوشة..
وجاء الرسام بألوانه وأدواته ليرسم الجمل في رحاب الحاكم… رسمه واقفا ومرتاحا على قوائمه كأنه يشكر رب السماء على نعمائه وآلائه، حتى وصل أمنا مطمئنا منفلتا من طريق المسلخة.
واقترح أحد أصحاب الاقتراحات المتفتقة في المناسبات أن تعمل جهات الاختصاص في ساحة القصر أثرا من الآثار تخلد هذه المناسبة وتبقى رمزا.. وشاهدا ومشيرا لهذه الحادثة السعيدة. وتبارى المتسابقون في الاقتراحات والتسمية.. هل يسمى الأثر (تمثال الحرّية).. تمثال الرأفة.. أو ساحة الرقة.. وتعددت الأسماء والمسميات قال أحد المخططين.. والمنتهزين لكل فرصة سائحة:
– فكرة الموضوع تريد تفرغا. وجوّ إلهام.. واعتكافا وتأمًلا. ولا بد من جولة للفنان المبدع لتهدئة الأعصاب وتقاطر الإلهامات من فيوضات الوحي والابداع الفنّي، وتتفتق القرائح.. وحتى الابداع والالهام أحيانا تكون لحظاته عنودة شموسة..
وتكونت لجنة فنية اقترحها صاحب الاقتراح.. هل يكون التمثال الرمزي الفني من مادة الجص.. أم من المرمر.. أم من عادة الصخور.. أم من التراب والاسمنت.. أم من الحديد والفولاذ.. أم من الزجاج الشفاف.. أم من الورق المقوى.. أو على هيئة وشكل دمية من الدمى.. لعبة أطفال.
قال أحد هواة الكلام من أصحاب احتراف التعليقات في الجلسات الخاصة أو العامة..
الورق تعصف به الرياح.. والحديد قد يصدأ..
الأحسن أن يكون من البلاتين.. والذهب الخالص لكن كيف ينجو من عيون وأصابع اللصوص.. وهم في كل دائرة متواجدون وإن كان صاحب القصر يغض الطرف أحيانا على بعض التصرفات.. وفكر المقترح المتفتق في الاقتراحات أن يحنط الجمل ويظل في ساحة القصر دليلا على سعة صدر الحاكم الذي حماه ورعاه وأبعد عن عنقه سكين الجزار..
ودارت تساؤلات.. هل يحنط الآن ليدخل التاريخ المحنط أم ينتظر حتى يفرغ من عمره.. ولكن حضرة الطبيب المختص بالتحنيط هرش ذقته.. وحك أنفه.. وهز وسطه. وقال بعد أن رفع إصبعه ورمش عينيه:
– ننتظر حتى يفرغ الجمل من عمره قد يطول.. والفكرة التحنيطية فورية خير من أن تبرد حرارتها.. والأحسن أن نعقره ونحنطه رمزا لإنقاذ حياته..
لكن الفكرة العبقرية التحنيطية لم تدخل في دماغ زميله الجالس معه وأخذ يسأل قائلا:
– كيف نعقره دليلا على حمايته.. ونحنطه ليعيش!؟
وقال آخر.. ويكاد منظاره يقع عندما اهتزت وجنتاه وأرنبة أنفه:
ومن الناحية القانونية الموضوعية إذا جاء صاحب الجمل وطالب برد جمله الهارب.. هنا نقطة قانونية هامة.. أولا الجمل طليق، حرّ، يقوم، يقعد، يرغي، يزبد.. يعض.. ينط على كيفه بلا شكيمة، ثانيا عندما دخل أسوار الحاكم فهو في رحابه حرّ.. طليق. يبرطع من غير قيد.. أنقذ من السلخ والذبح والملخ.. فكيف يطلب صاحبه تعويضا. أو يحتج ألا يكفيه شرفا.. وقرفا.. أنه غدا صاحب جمل في رعاية وحماية مولانا يقضم أجود أنواع البرسيم والصفصفة وأعلاف التبن!! الا يكفيه الشرف المعنوي التليد!؟
وقال عالم الاثار والمسؤول عن متاحف العصر الحجري وأنابيش ما قبل التاريخ:
– أرى أن ينقش على لوحة رخامية التاريخ الذي لجأ وهرب فيه الجمل إلى قصر مولانا حفظه الله..
وقال شاب ينكش ما تبقى من رماد (البايب):
– أنا مستعد لأسافر إلى أوروبا. وأشرف على إعداد، ونقش اللوحة.. أعرف مؤسسة يمكن الاتفاق معها على نقش اللوحة..
واعترض أحد المتريثين في مثل هذه الارتجالات:
– وهل هذه اللوحة في أسطر تستأهل كل هذا.. سفر.. ورحلة.. وزيارة.. ومؤسسة تتعاقد معها.. ونقش.؟
ورد عليه وهو يمدحه بعين فاحصة من أين برز هذا العائق المعوق الذي يحسده على سفرته هذه؟ هذا المتثبت بلا داع.. يظهر أن هناك معه خصومة مبطّنة.. وقال مدافعا عن اقتراحه وإثباتا لفهمه واطلاعه.. وطول باعه..
– هناك أمور أقل خطورة من لجوء وهروب الجمل إلى قصر الحاكم وهذا الحدث التاريخي الشماريخي وكانت لهما سفريات مع مؤسسات حتى في اليابان وما وراء المحيطات أنت نائم لا تشعر بتطور الحياة.
وبادر الزجال بدعوة زملائه لإقامة حفلة زجلية تلقى فيها على المستمعين المطولات والمسربلات من المنظومات اعتزازا بهذه المناسبة التي ساقتها المقادير. والعناية الالاهية هم كانوا يتصيدون أي مناسبة.. وأدنى مناسبة فهروب جمل من المسلخ واحتماؤه بساحة مولانا الحاكم فرصة لإبراز مواهبهم.. والتفنن في المديح والتسطيح.. وانتشرت أنباء نشاط هذه المجموعات في السوق وتبارى كل فريق بإظهار مشاعره.. وحمى السباق والتنافس.
واجتمع الجزارون.. والسلاخون.. والنفاخون. وأصحاب السواطير والقرمات.. وجامعو القرون في ساحة المسلخ وكل بمقداره وجهده وتبرع الجزارون للفقراء والمساكين وأبناء السبيل بإطعامهم وجبة ساخنة.. وتبرعوا بحصيلة يوم فرحا بهذه المعجزة التي حدثت للحاكم حيث ان الحيوانات عرفت قدره. وجاء الجزار الذي كان ينتظر الجمل الهارب وعملوا معه لقاء صحفيا.. وإذاعيا.. وقال بعد أن تلجلج وتململ وتنحنح.. وهو يشحذ الكلمات:
– إنه لم يهرب من الساحة الأخرى.. بل ظل يدور. ويدور في السوق حتى شاهد قصر مولانا الحاكم. وبابه الواسع في الطريق المظلم ورأى ضوءا من بعيد.. الظاهر أنه أعشى العينين.. وقد يكون عنده عمى الألوان.. ثم دار دورة أخرى على حين غفلة انفلت إلى باب قصر الحاكم وفضّله على غيره من الأماكن لأنه في طريق معتم مظلم.
وهنا أشار إليه الذي كان يأخذ معه الحديث:
– تقصد أنه دخل واختار الاحتماء واللجوء إلى قصر مولانا عن طيب خاطر.. ومن تلقاء نفسه..
وهز رأسه، وهز الجزار رأسه أيضا مؤكّدا ما قاله صاحبه ورفع أصبعه الذي كان قد ناشه الساطور وأطار جزءا من إبهامه وحمد الجزار الله على أنه ليس الأصبع الذي يبصم به وقال المتحدث مع الجزار:
– وبدون ضغط ولا تهديد.. ولم تكن وراءه عصا.. ولا صوت محرض بل هو الذي اختار ساحة مولانا الحاكم.. وتمسح بالقصر فحماه.. وسأل المحقق المذيع سائق الجمل وصاحبه.. عن سنه وفصيلته. وعن نوع تغذيته. وعن فقدان أمه.. وهل كما يقال يتيم.. وهل كان عنده ما يكفي من الاجترار بعد أن يأخذ حصته.. وهل سبق له أن فكر أو حاول الهرب أم هذه أول مرة اختارت قدماه.. أو أقدامه الأربعة هذا الطريق.. وسأل عن سعره عندما اشتراه!.. أم ولد في زريبته وقال صاحب الجمل مفاخرا:
– أنا مربيه على يدي.
وأجابه المذيع المحقق:
– تعيش وتربي..
وبدر منه سؤال آخر:
– وهل كان انفالته لأنه كان في آخر القطيع.. ولو كان في أوله هل كان يتعرف على طريق قصر الحاكم.
وأجاب:
– هذا سؤال يوجه إليه هو يعرف ما كان في خاطره.. نحن على حين غفلة وجدناه يتجه نحو الساحة ويحتمي في ظل مولانا ويهرب من المجزرة.. وأنقذ نفسه من المسلخة وجلده من المدبغة.
– إنه بلا شك إلهام ومعجزة.
كما مسح الرقيب الرسمي عبارة.. كان الطريق معتما.. مظلما. وكان سائق القطيع اجرب. أهرش لم يسأل أحد عن مرضه وكان يكح بين الفينة والفينة.. يبدو أنه من أثر برد مزمن ولم يسألوا عن سبب ذلك.. وهو يتلحف برداء مهلهل لا يقيه ولا يدفئه.. ولم يسألوا عن مسكنه في خص دشرة في أطراف قرية مهجورة لا تظهر في أية خريطة. وكانت الأسئلة مسلطة على هروب الجمل والعمل الرائع وكيف وقع الخبر على الجزارين الذين كانوا في انتظاره وأهل السلخ والملخ.
– وهل كان سائق الجمل والقطيع مهلوعا مقروعا خوفا من التقريع والتوبيخ عندما انفلت منه..
وبعفوية أجاب السائق للاظعان:
– أنا التفت فلم أجده.. وتخوفت.. وارتعبت.. أنا كنت خائفا سيغرمونني حقه. ربما أجوع عامين أو ثلاثة لأدفع حقه لصاحب الإبل البخيل الثري.. أنا خايف.. عندما هرب..
وهنا غمز الصحفي والمذيع صاحب المسلخ وسائق القطيع وأجاب مقاطعا وموضحا:
– بالعكس كان فرحا.. وفرحتنا جميعا لأن الجمل وقع في يد أمينة وهل هناك أمن من رحاب مولانا.. يا سلام هذا جمل لا بدّ أن تكون أمه راضية عنه..
وقال آخر، وهو يتجشأ الكلام ويقطع مخارج الحروف كأنما هو بلع ضفدعة تنق:
– كلنا تمنينا أن جمالنا تهرب اليه.. فرحنا.. حتى امرأتي زغردت..
وقال أديب مركون في أحد المقاهي:
– فرحنا ولا فرح السجين المطلوق.. أو التلميذ الذي أخذ إجازة.. أو الحامل عندما تلد وتتجاوز خطورة الاجهاض.. أو موظف حصل على علاوة.
وقال آخر من زملاء المذبح والمسلخ:
– ايه فرحنا والدليل على ذلك تبرعنا.. وتأييدنا.. وتهنئة زميلنا على هذه المعجزة.
قال هذا بينما هو كان قد أمسك سائق الجمل عندما أعلمه أن الجمل هرب عنه.. وتسلل منه.. فملص أذنه وشد شعره واتهمه بالتعاون وبصق عليه وركله وما خلصه بعض الطيبين إلا بعد جهد جهيد. وأسمعه فاحش القول. وبذئ الكلام وهدده لا بد أن يدفع ثمن الجمل الهارب.. وكان يفكر صاحب الجمل كيف يقدم شكوى ضده لجهات الاختصاص.. أو يعمل إعلانا في الجريدة.. من شاهد جملا هاربا يا أولاد الحلال.. أو يرسل مناديا في الأزقة والطرقات.. وله الحلاوة. وأجر البشارة.. بحث عن الدلال لكنه وجده أصبح مطربا في أحد مراقص الليل.
ولكن ما أن سمع أن جمله المحظوظ هرب الى صاحب القصر الحاكم حتى بادر بمعانقة السائق المسكين وهجم عليه مقبلا رأسه معتذرا ومهنئا.. وطالبا للسماح.. واستغرب. وذهب السائق المسكين من هذا التصرف المفاجئ الغريب.. من هذا السلوك المضاد.. وقف شاردا في دوامة الذهول.. ماذا جرى للناس. هل أصابت الرجل نوبة أو تدروش!
واللوثات قد تأتي فجأة.. ثبت الله علينا ما تبقى من عقولنا وأخذ يدعو في دخيلة نفسه: اللهم لا تخرجنا من هذه الدنيا الفانية مجانين.. ولا تخرجنا معتوهين.. وإن كان قد فرح في دخيلة نفسه من نجاته من الغرامة والشتائم ونفذ بجلده لاعنا أصحاب القطيع والجزارين والسلاخين وباعة روث الدواب.. وأعلن الجزارون بمناسبة لجوء الجمل المحظوظ إلى رحاب صاحب الشأن والأمر حيث ينعم الجمل بالرخاء والنعماء.. وبالمناسبة الكريمة سيذبح الجزارون خمسين قعودا ابتهاجا بالحادث السعيد. وستفرق لحومها على الفقراء والمعوزين من الرعية المخلصين دوما الداعين للذات العلية بالبقاء السرمدي والخلود والعيش الأبدي.
عنهم/ أبو ساطور القرماوي وجماعته
وتهاطلت الرسائل والبرقيات من كل لون وأسلوب سكان منطقة السلخانة، والشفخانة.. والكرخانة. وعش الوطاويط.. يباركون الخطوة الطيبة التي حمت الجمل اللاجئ الى رحابكم.. وفي كنف السدة العلية والحكمة الباهرة. في الحفاظ على جلده وعظمه وحفظ أنفاسه أطلتم رقبة الجزارين.. أطال الله رقبتكم. ودامت خطواتكم في سبيل حرية الحيوان الأليف. وغير الأليف. انقذتم الجمل المحظوظ من السلخ والنفخ.. وتقبلوا تحيات وولاء وتشكرات.. عنهم المقبل لأعتابكم. المتقوقع بين أياديكم رهن الاشارة العاجز عن العبارة.. صاحب السطور المترغ في بحابيح نعمائكم عبد المعز ماشي حاله.
ملاحظة: [هذا لقب العائلة المتوارث من قرون طويلة واللقب ماركة مسجلة وهو غير ماش حاله من أسرة أخرى وإن كان من فرع بعيد فالمرجو مراعاة ذلك للاهتمام]
وكانت العواهر تريد التبرع بدخل يوم وليلة في الحفل المقام لكن دار نقاش سري.. ان هذا سيكون فضيحة.. أو قد يتكاثر الزحام بشكل لا تؤمن عقباه عليهن.. خاصة انها ستؤدي الى أمور خطيرة. وقد يشمت بهن عواهر مناطق أخرى. لكن هؤلاء ايضا من الرعية كيف لا يقدمن مساهمة ويعبرن عن شعورهن.. ويكشفن عن أحاسيسهن.. خاصة ان عديدا من المترددين عليهن والزبائن من ومحسوساتهن حدثونهن عن الحادث الذي انتشرت بذكره الركبان وكتب عنه كل جرنان.. وقال أحدهم ناصحا.
– سرا لا علنا يكون التبرع وإظهار الفرحة.
– لكن البيوت السرية كثيرة.
– بدل ان نشير إلى المهنة ونذكرها نشير اليها بعبارة مستورة حتى لا يحرجن او يحدث اللغط بين العوائل.
هواة ما يطلبه المستمعون يعدون أسطوانة يا عمي يا جمال.. وأغنية جمل حمدان .. وأغنية ومنولوج .. اولع يا جمل على وش الميه .. وأغنية بيع الجمل يا علي، إلى زملائه من الجمالة.
***
* أساتذة الجامعة في قسم الحيوان بلغهم النبأ السار بحماية الجمل الهارب من سكين الجزار إلى رحاب القصر وحماية صاحب الدست والطشت للحيوان الأعجم الأبكم بمناسبة التعطف بحماية الحيوان. وجبر خاطره برفع قسم الحيوان عظيم إخلاصهم ويرونها ظاهرة إنسانية رفعت رؤوسنا عاليا في علم الحيوان.
عنهم رئيس القسم
الدكتور الجاموسي العكروت
والدكتور البرطوعي والدكتور المستشار العتروس
* عمال مطبعة جريدة (الأحوال) وهم يصففون الخبر بأصابعهم المرتعشة من الفرحة يؤيدون ويباركون ويفرحون بهذا التعطف السامي.. والتلطف الأبوي. والحنان والشفقة الإنسانية بالسماح للجمل بأن يمرح في رحاب قصركم العامر. وحماية الهارب من المجزرة. وهذا يدفعنا إلى مزيد من الاعتزاز برعايتكم وصيانتكم وعشتم نصيرا للضعفاء والبكماء وحاميا لكل هارب عنهم صفاف الحروف العبد المعروف.
حفظك الله من كل متلوف.. عبد المعطي السلهوبي
ومساعده عبد الطايع عبد المطيع..
صفاف الحروف في مطبعة كل الأحوال
* نزلاء مستشفى الأمراض الصدرية.. وقسم التنفس الصناعي وهم يستمعون للخبر السار، شرحته لهم كبيرة الممرضات فشرح صدورهم. وأثلجها رغم قشعريرة البرودة وأنزل عليهم المن والسلوى رغم أنهم محرومون من بعض المآكل للوصفات الطبية وهم فرحون لحمايتكم وإرادتكم. وتوجيهاتكم السامية التي انقذت اللاجئ اليكم من سكين المجزرة.
عنهم وعن رابطة قدماء المرض
ومؤسسة الشفاء من غير دواء..
طبيب الأنفاس الختروش المخترش
التالولي المفحج.
* فرقة الرقص والشطح الوطني والمزمار البلدي هز اعطافهم وهم يتمايلون طربا لسماع هروب الجمل الى رحاب القصر العامر ونجاته من سكين الجزار وساطوره.. والوسط الفني فرحان مزقطط وبالمناسبة التاريخية والقرار الحكيم سيسهرون برقصة ودربكة حتى الصباح ليفرح الناس. وسيقدمون رقصة جديدة للترفيه عن الشعب باسم الجمل المبحبح المرتاح وقد عملنا جهدنا للمتمرنين عليها ويطلبون من فخامتكم وسدتكم التكرم والتعطف بالموافقة على اسم وتصميم الرقصة الجديدة من وحي الحادث السعيد.. تقبلوا خالص الولاء مع دعوات وابتهالات.
المتمايل أبو خطوة
من عائلة الهزاهز المشهور بالهزهوز
* جمعية تربية الدواجن. وهواة أبراج الحمام
سرنا سماع النبأ وحكاية حمايتكم للجمل ولا نستطيع أن نقيم مباراة عالمية دولية لطيران الحمام واليمام وهش العصافير لضيق الوقت. والخبر المفاجئ وقد عمت الفرحة الأبراج وسائر المدربين للحمام.. وكان يدور علينا بالخبر الطيار الشيخ عصفور وزوجته يمامة هانم والأستاذ يمام المستشار وحتى الحارس مخبش افندي وفكرنا في جناح رحمتكم.. ومادام يا مولانا كل يظهر الفرحة بأسلوب بالمناسبة السعيدة والحادثة التاريخية سنطلق خمسين زوج حمام من الأبراج.. وأيضا سنقيم وليمة دسمة. وزردة هائلة.. مئة حمامة محشوة باللوز والجوز والزبيب والصنوبر.. ونقدمها زردة بالمناسبة السعيدة.. دمتم أمانا للحيوان الخائف.
مع تحيات وتبريكات وإخلاص
الجمعية ومجلس الادارة
عنهم جناح الطاير
من قبيلة المناتير فرع المخابش.
* تعطفكم ورأفتكم حمت الهارب من السكين والمصير المحتوم.. استكان عندكم وبالمناسبة جمعية الكيمائيين من خريجي أوربا وجامعات استراليا.. وما وراء البحار والقفار تشد على أيديكم وتنحني لكم إعجابا برفاهية المشاعر ومزيدا من الحس.
اعضاء الجمعية العلمية
للتحليل الكيماوي وعلماء
الاشعاع قسم الليزر عنهم
مفتاح جبر.. عجاج فتيلة
* جماعة الرفق بالحيوان وأصحاب المخابش المكسورة هالنا أن يكون الحدث منشورا في (البرافد)، و(التايمس) ومجلة بلاي بوس، وجمعية تربية دودة القز.. ونحن أعضاء جمعية الرفق بالحيوان نعتبر هذا تدعيما لرسالة جمعيتنا الانسانية.. وسيزيد عدد الاعضاء المنضمين الينا والمشجعين لنا… ويسعدنا أن تكون الرئاسة الشرفية لكم وسنجعل شعار الجمعية جملا هاربا يجد الأمن والاطمئنان في رحابكمز
عنهم.. عاطف عبدالعطوف الرهيف..
قسم الننفخانة / خلف الاصطبل الحكومي
* مدرسة اللغات الحية والميتة
أساتذة قسم اللغات المنتشرة والمنحشرة والمكتوبة والمكتومة.. والتي لا تكتب.. يا مولانا دام عزك بأي لغة نخاطبكم. وبأي لهجة نتراطن معكم.. سرنا انقاذكم للجمل وتحدثنا عنه في المدرسة وكان درسا في اللغة عند المساء. وبالمناسبة السعيدة. والحادثة المجيدة والصدفة الرائعة قررنا العطلة عن العمل يومين إظهارا للبهجة.
عنهم المتمتم لهجاتي
والصامت الوتواتي
* الجاليات الأجنبية
في رحابكم والمهندسون الذين يبنون السجون والقلاع يهنؤونكم بالمناسبة السعيدة التي فرح بها الناس. عظيم امتنانا.
عن الجاليات الأجنبية
الخواجة برطلو كعفصيان، كرافكو ناتشيان
والمهندس للمجاري خرابولو فسيان
* القسم الرياضي من أبي النوادي الحائز على كأس الكؤوس وفأس الفؤوس.. لقد سرّ اللاعبين والمتلاعبين والأعضاء وكافة المشجعين اختيار الجمل عن طيب خاطر رحاب مولانا ليجد مرتعا.. وبالمناسبة أظهرنا مشاعرنا والفريق اللاعب الآن في الخارج لمباراة الموسم وإلاّ لكان عمل فعلا لائقا. ولكن عند عودته سيقيم مباراة وحفلا سيكون دخلها طعاما للحيوان اللاّجئ إلى رحابكم وتقبلوا تحياتنا شوطا وراء شوط.. لقد أصاب الجمل هدفه ولا شك انها كرامة.. ومعجزة حيث عرف طريق سلامته.
عنهم عبد الكريم العلاف
وشوطة الهادف
والمشجع صفارة الجدع
* الجمعية النسائية
تزغرد من كل ألسنتها وتواصل الزغردات وتبارك المناسبة ودامت زغراداتنا من حلوق الفرحانين.. تحياتنا ومية فرحة.
جمعية تحرير المرأة.. وحمايتها من عبودية الرجل والصبيان المعاكسين
والبصاصة.. والبصباصة
***
ودب النشاط في الجمعيات والمؤسسات على مختلف أنواعها كان من بينها جمعية المحاربين القدامى والمجندين الأشاوس والشواشن في الحرب العالمية الذين حاربوا مع الأنكليز وحاربوا مع الفرنساوين.. وحماية اللفيف الأجنبي وبقايا الباندات والمرتزقة وكانوا عونا للسلطات الأجنبية تنادوا فيما بينهم ومسحوا معاطفهم القديمة ولمعوا أحذيتهم وبعضهم علق أوسمة صدئة فيها الصليب ومداليات صفيحية كانت تعطى للمجندين من المستعمرات وأعجبتهم أنها لا توجد إلا عندهم.. علقوها على صدورهم ولها خشخشة عند ما يمشون وتصطك أطراف الحديد والنحاس والصفيح.
وصبغ بعضهم رأسه وما تبقى من شعره المنتوف ولحيته بنوع من الصباغ عثر عليه بعد لأي في صيدلية ومخزن مهجور وذهب بعضهم إلى الحمام ليتدلك وان كانت رائحته تزكم الأنوف وبعضهم تعطر وتبختر.. وتشاجر مع زوجته لأنه اختلس من زجاجة الصنة وقالت له:
– يا فضيحتك هذه صنّة نساونية.
وقال لها في صوته الأجش:
– وما الفرق بين النساء والرجال.. ألا تريدون المساواة المهم يشموننا..
وجمع هؤلاء وتنادوا ولبسوا قبعاتهم وقفافيزهم وتمطنقوا بسيورهم الجلدية التي كانوا يخنقون بها اطفالهم عند اللزوم، وعندما ساروا في موكبهم ظن بعض الأطفال والشبان أنهم عمال في سرك متجول، أو إعلان عن فرقة فنية قادمة للمساهمة في مهرجان فلكلوري هرعوا لأداء نمرة من النمر. واجتمع هؤلاء المتكوكبون اجتماعا فوق العادة وأرسلوا برقية الى قصر مولاهم الحاكم.. ولم يجدوا من يصوغها لهم بالعربية الفصحى إلا بعد جهد جهيد.. وخافوا ان تفوتهم الفرصة والمناسبة. ومهرها وأمضاها عنهم وتقول صياغة البرقية:
فرقة الذين حاربوا في صف ثلاث دول مستعدة لحماية الجمل اللاجئ إلى رحابكم وحمايته من الذبح والسلخ وتحميه ولو بساطور والأمر لمن له الأمر.
عنهم.. الشاوش مرزوق
عبد المقصود ابن حاضر باش افندم
* شيخ مشايخ الطرق الصوفية وضاربو البنادير وبالعو السكاكين وكل من ينتمي الينا في حلقات أذكارنا، وليالينا الهنيئة التي نحييها بالأذكار والأوراد.. نذكركم ويرد ذكركم في هذا التعطف والتلطف وسخنا البنادير وأعددنا الشكاشك.. وسنقيم حفلات نطوف كل الشوارع والأزقة.. ولا بأس إذا تكرم وتعطف مولانا بأن نبارك اللاجئ اليكم فلا بد أن فيه سرا من البركة. وألهمه الله لمعرفة طريقه إلى رحابكم. ودمتم للحيوان حاميا. وللمساكين حنونا عطوفا ولرجال الطرق سندا.
عن مشايخ الطرق والفرق البنادرية
عبد المتولي المكرش
عبد الوالي الماسك
وهناك امضاءات وخربشات صعبت قراءتها وتعذر فرزها ومعذرة ان كانت بعض الأختام لا تعرف فهي قديمة من كثرة الاستعمالات انطمست وتهرأت حروفها.. ومعذرة يا مولانا ان كبرت البصمة وكانت مفرطة بعض الأصابع فقد كانت مرتعشة من شدة الفرح والابتهاج.. عن الطرق.
الطريق اللولبية.. والدولارية.. والطريقة الفرنكية.. والرصدية.. والطربيقية.. والطريقة الشيكية، والدرهمية والكاشية.. ولا صلة لها بالطريقة البكتاشية من قريب أو بعيد انما هي من (الكاش) كلمة دخلت في لغة التعامل في عصرنا الحديث وهضمها أصحاب المعاملات.. والطريقة الصالونية والبارطشية والعياشية والمعايشية.. والمتفرع منها المعوشية والبلعية. والطريقة الوظيفية والقولية. والرغائية، والأمطاطية والركوبية.. والموجية. والشمشمية الخ.. الخ.. وسنطلق البخور والجاوي والفاسوخ بالمناسبة العامة الطامة.
* نقابة الاسكافيين لترقيع الأحذية والمداسات والشلايك نتابع باهتمام خطواتكم.. ونحن ماشون على الطريق خطوة خطوة. كانت لفتة مولانا الكريمة ورحمته التي شملت الحيوان الأليف وغير الأليف لها أثرها في أوساطنا.. ورأينا أن نظهر فرحتنا وبهجتنا جعلنا نلمع في مزيد من مآثركم التي هي درس نتبع خطاه وبهذه المناسبة قررنا الا نتخذ من جلد الجمال أمدسة ولا بلغا تقديرا.. هنيئا لمن في رحابكم.
عن الاسكافيين القدامى وماسحي الأحذية
المرقع القوالي المشهور سير
ملاحظة: لا صلة له في اللقب الإنكليزي انما هي مكتسبة من المهنة. وهي محملة دلال غطت على الاسم الحقيقي
* جمعية الرفق بالحيوان.. ورئيس شرفها واعضاؤها والمنتمون اليها في الداخل والخارج. كانت شفقتكم وتعاطفكم موضوع الجلسة الطارئة وفوق العادة وألستنا تعجز عن التشكرات.. وبالمناسبة السعيدة واللفتة الكريمة أضربنا عن الطعام وخاصة المرق من اللحوم وسيطول عزوفنا اسبوعا كاملا.. لا لحم ولا مرق من اللحوم.. احتراما لمن هرع الى رحابكم عشتم يا مولانا رفيقا وشفوقا بالخير دفوقا…
عنهم – حنا عبد الحنان
ولد شفيق
* جمعية النباتيين
وقع علينا الخبر كالمن والسلوى وعصير الأناناس وقد كسبنا معنوية.. وارتفعت اسهم العازفين عن اللحوم لفتة كريمة أن يرتع الحيوان في رحابكم.. وقررت الجمعية النباتية في جلستها الطارئة جعل هذا الموضوع محور النقاش.. وكيف يجد الحيوان من يحميه.. ولو كان الناس نباتيين لما هرب أمثال هذا ولولا بعد نظركم وسعة صدركم لما وجد حماية ورعاية. ونحن مستعدون أن نسهم بإرسال حيوانات اليكم لتؤنس هذا الحيوان الوحيد في رحابكم.
عنهم.. المترعرع في نعمائكم
نائب رئيس جمعية النباتيين
والأعشابيين.. كلية الحصاري
ومزروع المتلبلب
* جمعية دفن الموتى الخيرية
حاجة ترد الروح. وتبعث موات الأمل في نفوسنا.. ودلالة على إنسانية يظل مداها الى يوم الحشر والنشر.. واختيار الهارب لقصركم دلالة على جهة حظه.. ونحن نتفانى في تقديرنا وحبنا ونفديك بأرواحنا.. ونموت ونحيا ذاكرين فضلكم عن الجمعية.
عبد الحي التابوتي..
زقاق المصلى قرب القبة السماوية
* جمعية قراءة الكف. وشوف البخت والفنجان.. وخط الرمل كان حظه سعيدا.. وعمره مديدا. وطالعه من برج الخير إذ توجه اليكم فحميتموه ولم تخذلوه.. نتطلع الى حسن طوالعكم
عنهم.. أبوكف الطوالعي
* نادي الكلمات المتقاطعة ومجلتها واسعة الانتشار وكل المنسبين والهواة والغواة.. اهتمت كل هذه المجموعات بالحدث التاريخي وأدخلت في ورقات المسابقات والجوائز كلمات وحروف متقاطعة تتصل بالموضوع وبهذه المناسبة سنصدر من مجلتنا عددا خاصا.. ولو تسمحون لنا بأخذ صورة تذكارية مع الذي شمله عطفكم لتكون في النادي. وهذه أول مرة في تاريخ البحر الأبيض والأسود يهتم سلطان حاكم بحيوان يلجأ اليه من هذا الطراز.. حكى التاريخ عمن حمى عصفورا.. أو حمامة.. أو كروانا.. ولكن جملا هاربا من سكين جزار وهو في طريقه الى المذبح يعتبر أمرا خارقا في رحاب التاريخ.
عن مجلس إدارة الكلمات المتقاطعة
والمتشابكة والمتداخلة
ملاحظة: لم يكن الامضاء واضحا وظهر منه حرفان متقاطعان من ناحية افقيا.. وعموديا
* نادي هواة الطوابع والملصقات سرّها ما سمعت وقرأت.. وتقترح أن يعمل طابع بريد بالمناسبة وتصدرها بطاقة خاصة. وتطرح في مسابقة أو مزاد ومن ثمن هذا الطابع التذكاري تبنى حظيرة خاصة لراحة هذا اللاجئ لحماكم. ويكون الطابع ملونا ونرسل وفدا لأوربا للاتفاق مع رسام ونتفق مع مطبعة في باريس أو لندن. أو فينّا لدقة الطبع هناك دامت فضائل مولانا وتعطفاته.
***
وبمناسبة هروب الجمل من المجزرة ولجوئه إلى القصر ذهب المتمول صاحب الجمال والبعائر وسجل اسمه في سجل التشريفات بمناسبة حماية صاحب القصر للجمل وإصدار الإرادة السامية والهمة العالية بعدم تسليمه للسلخانة وقدم التاجر الثري تباريكه هو وافراد عائلته كبارا وصغارا نسوة ورجالا.. وأقارب واصهارا وهم مستعدون عربونا للولاء والوفاء أن يقدموا من عندهم وجبات عشائية وغدائية له طيلة بقائه حيا حتى تنمو وتترعرع الجهود الانسانية.
واقترح صاحب عمود صحفي أن تسمّى الساحة التي هرب الجمل اليها واحتمى بقصر مولانا.. ساحة الجمل.. أو ساحة الرأفة والإحسان.
* وفد من سماسرة التجار جاؤوا راجين التعطف والتفضل من مولانا أن يكون هناك شعار لماركة تجارية جملا هاربا أمنا وقولبوه في تمثال صغير يمكن أن يحرك ذيله ورقبته في لعبة للأطفال يقدمها ((باب نويل)) في أعياد الميلاد وتكون هدية بالمناسبة السعيدة.
* وكان موضوع الأنشاء في المدرسة في الاسبوع الأول.
– كيف احتمى الجمل عندما هرب إلى قصر الحاكم؟ أذكر شعورك وتصور إنك جمل هرب من القطيع المساق.
وكان التلامذة الأشقياء العفاريت قد أحدثوا صوتا في نفس واحد.. باع.. باع.. بع.. بع بـ.. ع.. بـ.. بوع.. بع.. أع.. وظل المدرس والموجه التربوي يضرب بعصاه ضاربا غاضبا شاتما ،، مستفزا
– ما هذه الفوضى.. سكوت.. قيام.. جلوس.. قيام.. سكوت.
وقال بعضهم:
– نحن ساكتون.
– زيدوا سكوتا.
وصدرت أصوات من طرف التلامذة:
– بع.. بع.. بوع.. بعو.. بع.. اع..
وصرخ المدرس وهاج المعلم الحليم الكظوم:
– ما هذه الفوضى هل نسيتم انكم في مدرسة؟! والبلد في حاجة اليكم.. هل انتم في زقاق تعبثون.. أو حومة تبرطعون سكوت.. سكوت.. اذا انفلت النظام من المدرسة فلا علم ولا أدب.
وهنا قال تلميذ جرئ ورفع صوته بدون أن يرفع أصبعه:
– أستاذ، أنت طلبت أن نتصور أننا جمل والجمال تحدث صوتا هكذا.. من طبيعتها الرغاء.. كما أن من طبيعة المرء الانسان الثرثرة والرغي.
– بع.. بع.. باع.. اع.. اع..
– هذه النعاج يا مغفل
– النعاج لم تهرب إنما الجمل وصوته هكذا…
وأصدر التلميذ المشاكس العفريت صوتا قلد به رغاء وبعبعة وهدير الجمل الهارب من قطيعه. وضحك تلميذ وتبعه تلامذة وانفرط خيط النظام في الفصل. وفقد المعلم صوابه عندما وجد نفسه هزأة ومسخرة بين التلامذة.. وضرب التلميذ الذي أهانه لأنه ضحك أثناء تأدية الواجب.. وعمّ الصمت أرجاء المدرسة
* وعازف الموسيقى صنع لحنا وأدار اسطوانة سجلها وسماها (الجمل) طالبا من وزارة الثقافة.. ووزارة التربية تعميمها وتعويمها في السوق لا في البحر. وتشتري الوزارة وجهات الاختصاص خمسين ألف اسطوانة.. ولم يوزع (بتهوفن) ولا موزارت فى حياته مثل هذا العدد من الاسطوانات. وعندما قيل له هذا.. وذكروا اسم «بتهوفن» تساءل في عجب من هو.. هل هو خواجة صاحب دكان اسطوانات!؟
* وجماعة صيادي السمك وهم على صفحة البحر بلغهم خبر التجاء الجمل إلى قبلة العدالة والأصالة وهروبه من المسلخة فقرروا التبرع بحصيلة يوم رغم أنه عاصف – من صيد السمك.. وإن كان الجمل لا يأكل سمكا بل عشبا وكلأ لكن سيفرقون السمك على الفقراء.. أو سيبيعونه وثمنه يشرون به كلأ وطعاما للجمل تبرعا وتيمنا باليوم الكريم.. وبالمناسبة.. ولد لرئيس الصيادة توأمان.. سبحان الوهاب الرزاق.. سمى أحدهم جميّل.. بالضم والتصغر.. والأخرى بنت سماها جميّلة.. على هيئة التصغير على وزن هبيلة..
* جماعة الكباريه الشرقي والفن العصري وفرقة [هز يا وز] بالمناسبة امتدت السهرة.. وزادت الرقصة.. وتخفيض سعر التذكرة طيلة أسبوع.. حتى يتمتع الشعب ويحس بما جرى.
* وبلغنا أن مدرس رقص الباليه.. ابن الإيه.. وهو ممصوص كالعود.. يتمايل كمروحة.. يجرى كفرارة.. يدور كفراشة حائرة.. لا يعرف الاستقرار.. فهو حركى.. بركى.. وهذا الفنان المتفنن مصمم رقصات. ومبدع حركات ومتخرج من جامعات أوربا صمم رقصة على المسرح استوحاها من رقصة هروب الجمل من قطيع المسلخة.. وأراد أن يبادر بتسجيلها قبل أن يلطشوها. كما سبق أن لطشوا رقصاته في إحدى الكبريهات.
* وقال عالم الحيوان الدكتور (بريطع شكيمة):
– أود أن اتي بطلابي وطالباتي ليدرسوا هذه الظاهرة عن هذا الحيوان الذي فضل وأثر الحرية على سكين الجزار كيف ألهم وحده من دون القطيع.. هل بالحس.. أم بالتعود والمران.. أم بمجرد الصدفة.. كيف اختار ساحة قصر مولانا ليحميه.. أم هو إلهام.
قال زميله الدكتور (برتع):
– هل حاسته الادراكية لأنه شعر بأن الحاكم في سموّه وتساميه شفوق.. فهنا تبدو الشفافية من الحامي والمحمي.. من التجارب بين الانسان السامي والحيوان في سمو إحساسه..
وهنا قال أحد الشباب المتنورين:
– زودتوها يا جماعة.. لا تهولوا الشيء أكثر من اللازم هناك العقل والمنطق وقانون الوجود. وسنة الحياة هناك.. دوافع الغرائز.. هناك حدود للمسألة علميا.. صدفة هرب.. كونوا موضوعيين.. هذه مجرد صدفة.. الحيوان خاف من السكين.. لأنه. شاهد عمليات ذبح وسلخ وهرب.. لينجو.. وليس أول حيوان يهرب من أصحاب السكاكين.. حتى الفراريج والعصافير تهرب.. صدفة.
– صدفة كيف يا أستاذ
– صدفة حيوان خائف يجري وجد مكانا هرب إليه قد تكون خربة من الخرائب.. أو مدخل قصر أو بيت باشا.. أو كرخانة.. أو مبولة.. أنتم تضخمون الأشياء أكثر من اللازم.. صدفة.. لا كرامة ولا يحزنون.
وهنا قام أحد المشايخ لسانه طويل سليط.. ورجله أسبق إلى التركل من الحوار والمنطق.. لسان طويل وباع قصير.
– أتقول: إن المعجزة والإلهام صدفة.. لا تؤمن بكرامة وإلهام الجمل الذي حماه مولانا صاحب القصر.. لا بد أنك يساري.. لا تؤمن إلاّ بالمادّة.. والواقع.. لا بد أنك شيوعي تؤمن بالعلم والمادة المجردة.. لا بد أنك عقلاني ترهاتي هذه امور هذا يا ملحد.. يا مادي.. لا بد انها ايادي اجنبية لتخريب الثقة بيننا وبين مولانا الحاكم الذي احتمى به الجمل..
وسكت الجميع لكنه سكوت المضض.
وأستاذ مادة الاصغاء والتصنت وما يسمّى.. قياس الرأس.. عمل في قسم المقايسة والتصنت فرقة سريعة لحبس الرأي العام نحو هروب الجمل من طريق المجزرة وحماية مولانا الحاكم له.. وإثر ذلك عند الناس في أحاديثهم وسمرهم.. وتعلقاتهم.. العفوية أو غير العفوية والبريئة أو الخبيثة.. وحتى التعليقات ذات النكت والفكاهة أو القرص اللاذع.. ومدت أجهزة الالتقاط والحساب والذبذبات والحبس أذنيها الطويلتين. ونطقت معامل الرّصيد.. والتخزين.
* وخطيب الجمعة جعل موضوع خطبته، الرأفة والحنان والشفقة عند مولانا السلطان.
وسأل أحدهم سؤالا ماكرا أو عفويا:
– يا جماعة هب أن كل الجمال والحيوانات هربت ولجأت إلى ساحة الحاكم ونامت ورتعت هناك.. أين نجد اللحم الذي ناكله. أو ما نمتطيه ونركبه..
وأجابه أحدهم:
– يظهر أنك قرمان.. هناك لحوم أكثر تؤكل.. دجاج.. أرانب.. عصافير.. خرفان.. أنت لا تفكر في هذا.. اللحوم متوفرة وطلب مدرس الكلية عبد الواصل عبد الراضي من عميد الجامعة أن يهتبل الفرصة وأن يسمح للجمل بان يأتوا به الى ساحة الكلية.. وقال العميد.. ولم يفاجئ بمثل هذه الاقتراحات وهو يحك أرنبة أنفه ويصمت لحظات وهو يرمش بعينيه.. كأنما هو سيتردد فيما يقول.. أو كأنه يبحث عن عبارات تائهة وملائمة
– يا استاذ.. لماذا نتدخل في أمور شائكة متشابكة!؟
– أي خطورة في حيوان أليف يجلب إلى ساحة الكلية.
– هذا قبل أن يكون له شأن.. هو الآن عهدة في القصر لا بد من استشارة أصحاب الاختصاص.. وهذا طلب غير لائق يا دكتور عبد الواصل.. كيف ينقل جمل من ساحة قصر مولانا لا بد من مخاطبة رئيس الديوان والتشرف بالكلام مع التشريفات.. واستشارة المستشار وان تكون معه سيارة توصله وليست سيارة عادية.. وافرض أنه هاج وانطلق في الساحة عند نزوله، فيزعج الطالبات والطلاب.. وربما تكون طالبة حاملا فيزعجها على حين غفلة كل هذه أمور لم تكن في ذهنك يا عبد الواصل.. فكر شوية.. وما الفائدة.. وقد ينفلت إلى جهة أخرى وقد يقع فى يد جزار.. وما عاد تطوله وقد أصبح عهدة كما قلت لك.. كلها أمور متشابكة. انا لا أسمح لنفسي أن أتدخل وأحشر أنفي وعيني وأقع تحت طائلة.. أنا أرى أن تذهب أنت وطلابك وتتفرجون عليه.
– ليس تفرج يا استاذ بل دراسة.
– تدرسونه هناك ان سمحت لكم جهات الاختصاص.
واقترح أحد العقلاء أن يباع في مزاد علني ويسهم بثمنه في مشروع خيري.. ما دام صاحب الجمل تنازل عنه ولن يطالب به.
لكن انبرى له أحدهم قائلا:
– برجوازي.. امبريالي.. رأسمالي.. لا بد من ورائه دسيسة وجهات خسيسة يريد أن يضيع ويفرط في شيء له أهميته.. بركة.. ويصبح في يد غرباء محتكرين.. يباع جمل هارب عرف طريقه واحتمى بسيده وتقول نبيعوه أصبح من التراث.. آه لو سمعك الشيخ [جلول المصلول] يكفرك.. ويجعلك تتوارى لا تطلع من الحوش..
جمل له كرامة يباع ويشترى يا زوفري.. أنت خلبوص.
واقترح أحدهم اقتراحا وجيها في نظره تفتق به ذهنه ألاّ يحرم المواطنون في أنحاء البلاد من مشاهدة الحيوان الذي هرب ولجأ إلى ساحة مولانا الحاكم. وتكرم بتركه في ضيافته وحوزته فبدل أن يأتي المواطنون والمواطنات زرافات ووحدانا.. ومشاة وركابا.. ويكلفوا خزينة الحكومة مالا. أو يكلفوا انفسهم مشقة السفر والتذاكر والسيارات وترك الأعمال وزيادة المضيعة توفيرا لهم يطوف الجمل الهارب على المواطنين في المدن والقرى والدساكر والمداشر حتى ينعموا بمشاهدته…
وتكونت لجنة وتفرعت عن اللجنة لجنة من خيرة العقول الراجحة المتواجدة عندهم لمصاحبة الجمل في تطوافه ليراه المواطنون بالعين المجردة حتى يصدق الناس بالحس والمشاهدة هذه الكرامة.. وهذه الأعجوبة.. وبعض القرى تستضيف الجمل الطائف والمجموعة التي تكون معه.
وحمدوا الله أن الهارب من فصيلة الحيوان المتواضع الأليف. الالف. فلو كان الذي لجأ الى سدة مولانا نمرا أو سبعا يكون الطواف معه أكثر تعبا بل وأشد خطورة لكنه وديع هادئ يستمرؤون لحمه ويتذوقون مرقه وقد يستعملونه للركوب والوصول..
هو هادئ وديع صبور إلا إذا أوذى. أو غاب عنه الطعام ولهذا عينوا له من يعنى بهذه الشؤون حتى لا يثير غبارا ولا يزعج سكان القصر.
وكان درس اليوم في الثقافة العامة.. وكان يطلق عليه ويسمى علم (الأشياء) أو منوعات العلوم والاستاذ المدرس رغم كبر سنه ونصحه وتجاربه وخبرته الا أنه كان موجه الاختيار حبك الدرس في هذه المناسبة.
– الجمل يجد في رحاب الحاكم رعاية وحماية.
وارتبك الاستاذ عندما سألوه في براءة:
– نجا جمل من القطيع وبقية الجمال ما مصيرها يا استاذ؟
وكان الطلاب في المدرسة إزاء هذا الدرس الثقيل والالحاح من المدرس تمنوا أن يكونوا هم الهاربين من هذا الواجب الثقيل والمدرس الثقيل بحركاته وصوته.
كما أن مدرس الرسم شغل أذهان التلاميذ بالجمل الهارب ارسمه هاربا.. وارسمه مقعى وهو في رحاب الحاكم مطمئن بعد ذعر.. وعندما رسمه أحدهم حمارا أخفاه المدرس وطوى الورقة بسرعة خوف أن ينتشر الخبر فيظن أنه يسخر بسلطة الحكومة في البلاد.. ويجدها المدرس المنافس له أو المفتش وسيلة وفرصة..
وهذا التلميذ الشقي ألا يفرق بين صورة الحمار والجمل.. رسم حمارا عند سور قصر الحاكم.. هذا التلميذ الملعون أحيانا يرسم المدرس حمارا وكان عند ذاك يتقبلها من زميله يراها موهبة فنية أو دعابة مرحة في محيط المدرسة.
وهل الحمار أسهل في الرّسم من الجمل؟.. وقد تعرض رسوم التلاميذ من معرض المدرسة فلن يعلن هذا الرسم؟! مار يجد رحابة من الحكام.. لا شك إزاء العيون الفاحصة والهمسات والوشايات سيواخذ عليها ويحاكم.. لن يقولوا عفوية من تلميذ.. بل مدرس مكار وستكون هذه العملة مؤخرة للدرجة التي طال انتظارها ولا يدري فداحة العقوبة الا من ذاق طعم التأويلات وطعم المطاردات وملص أذن التلميذ ووبخه.
– يا ابن الكلب ألم تر جملا في حياتك ترسم لي حمارا!؟
– رأيته
– أين!؟
– في حديقة الحيوان
– لا.. في هذه المرة في قصر مولانا الحاكم هاربا من سكين الجزار والسلخ.. ولماذا رسمت الحمار ولم نطلب منك رسمه.
قال الطفل في عفوية:
– لأني سمعت أبي يقول هناك في بعض القصور ثيران أو حمير.
وارتعب المدرس من الجواب المفاجئ.. قال له مشفقا عليه:
– هكذا يا ولدي تؤدي أبوك في داهية.. ومتى سمعته يقول هذا؟
– زمان..
– لن يعيده.. لن أخاف على والدي..
– لماذا لا تخاف عليه؟
– لأنه كما حدثتني أمي اختفى من زمان.. لا أخاف عليه أخذوه ولن يعود..
– اجلس.. وليس لابد أن ترسم مع زملائك.. سنعتذر عن حضورك..
– لكن أنا أرسم جيدا أحب الرسم.
– لكنك يا ولدي لم ترسم المطلوب.. ارسم لوحدك ولا تحدث زملاءك عن اختفاء والدك.
ومسح التلميذ دمعة من عينيه لم يلحظها إلا المدرس الذي غلب عليه الصمت وهو ينظر من النافذة والباب.
***
وعارضة الأزياء في محلات الأناقة والرشاقة بالمناسبة السعيدة على باب مصنعها ومحل تصميمها للتهنئة رسمت رسوما بهيجة ومزجت الاعلان بالتهنئة.
وقدمت مشروعا فستانيا للسهرة وتصميما لمعطف وإن كانت سرقته من إحدى مجلات الأزياء وإن كانت أضافت إليه شيئا من وبر الجمل وعلى هيئة سنام وقوادم وخطوط متداخلة وقد يكون في طرف الفستان ذيل صغير. وحقيبة تلائم لون الفستان.
ويسمون هذا التصميم والطراز من الأزياء اسما لائقا لكن بعد أن تتعاقد مع المؤسسات على توريد هذا اللون من الفساتين والحقائب وقد يكون منها سراويل داخلية.
جماعة السباحة والغوص تحت الماء ومعرفة التيارات وقياس الأنواء.. والرماية والقفز.. والنط الرياضي.. والتشعلق على الحبال.. لتقوية العضلات في منتدياتهم أيضا اثبتوا وجودهم.. وذهبت مجموعة من المدربين والهواة للمشاهدة والتبريك بالمناسبة التي شغلتهم وأهمتهم..
الشيء الذي سكت عنه الجميع ذهلوا له. لفهم الصمت الكئيب عندما تسلل الجمل فارا هاربا وانطلق من القصر والتحق بالقطيع في طريق المسلخة وفرك المسؤولون عنه أيديهم.
مجلة قصص | رقم العدد: 97، 1 يوليو 1992م.