مملكة الحيوان بأقلام عربية وليبية
قراءات

مرحبًا بهذا التقشير الممتع

الأديبة السورية/ لبابة أبو صالح
الأديبة السورية/ لبابة أبو صالح

مجهود رائع و بداية نقدية وتفنُّنية.. أعتقد أنه سيكون لها الأثر الناهض على أدباء موقعنا الجميل بقيادة الأستاذ محمد البشير.. فشدوا الهمم أيها الناهِضون.. بداية موفَّقة ولفتة جميلة.. أما عن فتح باب النقاش.. فإنني غير مترددة في ذلك.

وفي البداية سأوضح سبيلي فيما سأبديه من رأي.. إذ سأقف أولا: عند رؤية الأستاذ/ محمد البشير في تحليله و رصده.. وثانيًا عند بعض النقاط النقدية التي أثارتها الدراسة.

أولاً: مآل الجوزة المكسورة… !!!

قدم البشيِّر في رصده الشامل عرضًا متكاملا.. تَبِـــينُ عنده ملامح القصة لدى العريبي.. ملامح مسلكه التقليدي.. وملامح نأيه المُستغرَب عن سلوك القص الحديث.. الذي صار الموضة الأخيرة في عالم الأدب.. وصار بالتالي منتخِبه ذا الباروكة الأجمل.. والسحنة الأبهى.

وقدم البشير في بداية حديثه، عرضًا سريعًا لسلوك الكتاب المحدثين في التعبير الخفي الغامض عما يخص دواخلهم هم.. كل على حسب طريقته.. وكأنه يقول بصيغة أو بأخرى عن نُدرة الإحساس بالهم الجماعي، والتعبير عنه بتجرد.. هو لم يخبر عن هذا صريحًا.. ولكن إشارته إلى ذاتية النصوص.. إشارة أيضًا إلى تساؤل خفي عن مصير الإحساس بالآخر فيما يبدعه الكثيرون.. وفي هذا ما يظهر أن البشير، ينهج منهج التلميح لا التصريح، في التعبير عن رؤيته الذاتية للأمور.. وكأنه يمسك بحزمة ضوء.. كل ما يفعله أنه يلقيها على ساحة ما ولنا بعدها طويل نظر وتسلل إلى نظرته هو.. !!!

وإن هذا النهج إنما هو الأكثر جدوائية من فرض الرأي أو التصريح.. إذ لم تعد رغبة القارئ أن يملأ جعبته بآراء غيره.. ليجمع بعدها بقايا ما تبقى في ذاكرته ويؤلف بها رأيًا ما هو إلا كومة آراء لم تخلقها تجربته.. أو توجدها حاسته الباحثة والفضولية والمكتشِفة.. !!!

وأن تلمِّح لرأي تراه.. فإن هذا أدعى لأن تعين قارئك بأن يُنتِج رأيك أنت وهو مقتنع كليا به إذ أنه من أوجده.

بينما يعيش القارئ العربي – عادة – حالة تحليل ورفض أو تمنطق (من باب المخالفة اللا منطقية والبحث عن الثغور التي تُبرِزه مختلِفًا).. فمن الصعب على العربي أن يقول نعم للكل إلا حين يقرر بأن يُفرِغ (سلة المحذوفات) في حاسوبه.. من كل ما رماه فيها من مخلفات ثرثرته.. !!! وهذا ما سأطلق عليه الأداء الذكي في الإيصال والإقناع.. !!!

وبهذا يُصبح مآل الجوزة المكسورة.. هو التلذذ بطعمها رغما عن الأنف.. !!!

ثانيًا: وقفات قصيرة:

قال البشير في تعريةٍ نقديةٍ لأسلوب العريبي ِفي القص:

(وغالباً ما يزدري المتذوقون هذا التكلف، لخلوه من مقومات الإبداع، وللأمانة هذا النوع من القص يستهوي عامة الناس.. ويجد مكاناً في نفوسهم، ويحل محل الترحاب، وهذا ما لا يجده الإبداع النخبوي في نفوس العامة).

ولعلي أرى أن مقصد (السهل الممتنع) الذي تبناه ابن المقفع سابِقًا.. هو اللازمة الأولى التي تقترن بدهيا في عقول الكثيرين.. ممن ينوي أن يجري الأحداث على ألسنة الحيوانات.. صحيح أنه بالإمكان جدا، أن تدخل الأدبية والتكلفية البديعية والبيانية، في مثل هكذا إجراء أسلوبي.. بيد أن الرغبة في إحياء فن ابن المقفع والرغبة في إبقاء هذا النوع من الكتابة.. الذي صار تراثًا بعيدًا كل البعد عما تعيشه حالة الأدب الحديث اليوم.

هذه الرغبة هي الداعي الأول لأن يترك (العريبي) صبغة جديدة لن تتضح فيها ملامح رغبته.. وإنني أرى أن تجديد التراث، وظهور مجدد لما قرأناه ونقرأه دائمًا باستمتاع من تراثنا.. هو نوع من أنواع الصمود، في وجه العولمة والحداثة، التي أخشى أن تنأى بنا بعيدًا عن شاطئنا الذي تعودنا مرساه.. !!! في حين أن الكثير من النقاد، يزدرون بساطة السرد و يُطالبون بفنية مبهرة.. لا يطالب بها العامة.

أشد أنا على يد واحد من مئة يحيي تراثًا أصيلا.. على أن يبدع فيه.. وينجح فيه.. وكما هو واضح.. إن هذا النوع يعتمد على الرمزية.. وعلى هذا فإنها مربط الفرس في الحكم.

أما عن قوله:

(ولقد توجهت بالسؤال لأحد نقادنا حول الرمز وعرقلة وصوله لذهن المتلقي، وتأثير ذلك في انتشار النص ، فأجاب: أي رسالة توجهت للرمزية، خشية الرقيب مصيرها الموت وعدم الوصول.. وهذا ما لا يتفق من وصول رسالة ابن المقفع وانتشار فكره).

فلعلي أخالف هذا الناقد منطلقة من مقولتنا.. التي أعدها حالة من الديمقراطية النادرة في عالمنا العربي: (لا يصغر صغير على أن يَنقُد.. ولا يكبر كبير على أن يُنقَد).

لأنه من المعروف جِدًّا، أن الرمزية في فن القص، هي شمعة صغيرة قادرة أن تضيء ما تضيؤه خمسون (لمبة نيون) ..لأنها تأتي مختصِرة الكثير ومؤدية الكثير.. وما أجمل التوغل في النص الإبداعي، بغية الوصول إلى المعنى الغائر.

ومعروف جِدًّا أن احتمال الرمز لدلالات عِدة، هو المنشورية الأكثر آداءً في عالم النقد الإبداعي.. وأقصد بعالم النقد الإبداعي.. نقد المجتمع و تسليط الضوء على زوايا مدينة منسية أعني بها مجتمعنا.. ولا أظن بأن الرمز حبل لا نهاية له.. فالحبل المتدلي في بئر عميقة هو الذي يملأ القربة بالماء.. وهو أداة للارتواء.

ثـم إن التصريح.. وحدوي الوجهة وساذج الآداء.. إذا ما قورن بالرمزية ، وعلى هـذا.. فإن الذي زاد رصيد ابن المقفع رغم أسلوبه السهل البسيط.. هو أداؤه الرمزي اللاذع.. وتعبيره المستطير عن وجهة رأيه.. كل هذا رغبة في التأثير على سياسة الدولة التي كان يخالفها.. فأي إعجاز هو ذا.. !!!

أعتقـد أني أطلت في ثرثرتي كمـا هي عادتي ..فأعتـذر جِـدًّا أن أزعجت رؤوسكم أيهـا الأعزاء.

مقالات ذات علاقة

يكفي الشعر أنهُ شعر

ناصر سالم المقرحي

أهل الله…محاولة فهم معرفية لليبيا والليبيين

مهند سليمان

العاشق: رحلة العمر عبر الثقافة والإعلام والإذاعات

يونس شعبان الفنادي

اترك تعليق