قصة

مـسـعــود

اختطف مسعود صحيفته من يد المدرِّسة بلهفة .. وقبل أن يغادر مكانه ظلَّ يفتش بفضوله الطفولي عن مكان التقدير.

لم يكن صعباً عليه – وهو في الصف الرابع – أن يتهجأ تلك الكلمة.

إنها ما لم يكن يتوقعه .. وهي تماماً ما هددته وحذرته منه أمُّه.

قرأ الكلمة بصوتٍ اختلط فيه الخوف بالحزن .. عاد إلى البيت وهو لا يفكر في شيء سوى إقناع أهله بأن تقديره ليس (مقبول ) كما زعمت الصحيفة

ولكن أنَّى له أن يقنع أهله في مواجهة الصحيفة التي تكاد تصرخ بكلمة (مقبول) .. كادت تدهسه سيارة وهو يعبر الشارع شارد الذهن.

في البيت كانت كلمات الأمّ قاسية قساوة الإسفلت الذي كان يمشي عليه.

في هذا الجو المشحون لم يجد مسعود سوى جملة واحدة .. هذا كل ما أسعفه به قاموسه الطفولي        – أقسم لكم أنني (جيد) ولست (مقبول).

كان كلما قالها يُواجه بالصحيفة

–         وهل نصدّقك أم نصدّق الصحيفة ؟؟ّ!!

سوف نكسّر ألعابك ونرميها في القمامة .. ولن ترى الشارع بعد اليوم.

دمعت عيناه بينما ظلَّ يردد جملته الوحيدة ..

لكنه هذه المرة جُوبه بسؤال :

–         كيف عرفت أنك لست (مقبول) ؟؟!!

–         زميلي في الفصل أقلّ منِّي في المجموع وتقديره (جيد)

–         وهل تريد مني أن ألاحق زملاءك في بيوتهم لنثبت أنك صادق؟؟

نهضت الأمُّ بعد أن قالت جملتها الأخيرة

ظلَّ مسعود واقفاً مكانه يحدق في اللاشيء .. شعر بمرارة الظلم .. خانته المفردات المحدودة .. تبعثرت كلُّ الكلمات التي كان يحاول لملمتها.

عيناه البريئتان تستنجدان بلا أحد.

انكسرت كل تحدياته ، وثقته في نفسه.

في الصباح دخل على مدير المدرسة

–         سيدي أريد أن أعرف تقديري

–         أنت مقبول .. مقبول .. ألا تعرف القراءة .. أنظر (م . ق . ب . و . ل)

–         ولكن يا سيدي هل هذا المجموع لمقبول.

نظر المدير إلى المجموع .. اتسعت حدقتاه .. صار يقلب نظره بين المجموع في أعلى الصحيفة وبين كلمة مقبول في أسفلها.

وبعد برهة ..

صفع المدير جبهته .. يا إلهي .. كيف حدث هذا ؟؟!!

التفت إلى مسعود الذي بدأ لون وجهه يتغير من اللون الهزيمي القاتم إلى اللون الانتصاري الزاهي.

ودون أن يبدي أي نوع من الإعتذار لمسعود قال المدير بلهجة يحاول فيها إظهار نوع من الثقة الزائفة : تعال بعد الاستراحة وخذ صحيفتك الجديدة.

وعند وصوله إلى البيت كان وجه مسعود قد امتلأ تماماً بذلك اللون الانتصاري الزاهي.

ابتلعت الأمُّ ريقها وهي تنظر إلى الصحيفة الجديدة .. تظاهرت بأنها تدقق في النتيجة في حين أنها كانت تفكر في مبرر يحفظ لها ماء الوجه.

ثم …..

–         نعم .. ولكن (الجيد) أيضاً ليست بعيدة من (المقبول).

مقالات ذات علاقة

جدار ناري

سعاد الورفلي

أحاديث ليلة صيفية

خديجة زعبية

القرار

عوض الشاعري

اترك تعليق