إبراهيم الصادق شيته
الرسالة:
إلتقاها صدفة بأحد الاسواق الشعبية تشتري ما يلزمها من الخضر والفاكهة وبرفقتها صبي يميل إلى الهزال وإن أخذ منها الكثير من تلك التقاسيم والملامح التي تعكس جمالها العربي الاصيل فالبشرة بيضاء يشوبها إسمرار محبب والشعر أسود فاحم وتينك العينين نجلاوان بل أن الغمازة عند ضحكه هي نفسها .
رنت إليه تحمل الكثير من الشوق والحب مادةً يداً مرتعشة قائلة بما يشبه الهمس :
– كيف حالك ياستاذ صالح ؟ وأين أنت طوال السنين الماضية ؟
أبتلع المفاجأة بصعوبة بالغة وبصعوبة أكبر مد يده مسلماً ومتحسساً يدها التي كثيراً ما كانت تجد طريقها إلى يديه الغليظتين في خلواتهما في ما مضي .
لم يدر ماذا يقول أو بماذا يجيب فسؤالها يدل على جهل مُطبق بما حصل معه ، بل يبدو أنها لم تكلف نفسها عناء السؤال عنه بعد أن تركته تتقاذفه الأقدار وتزوجت بآخر مدعية بأنها لم تجد مفراً من الموافقة ، فقد وافق اهلها جميعهم سيما وأن العريس ذو منصب كبير ولديه من الاموال ما تعجز عنها النيران كما قال أحد إخوتها في معرض حديثه عن العريس .
كان ذلك أخر عهده بها فبعد زواجها لم يتمكن من تجاوز الأزمة خاصة وأن الكثير من الاماكن التي كان يرتادها كانت تذكره بها فلم يحتمل البقاء ولم يجد مفراً من السفر خارج البلاد ليتجاوز المأساة ويتمكن أيضا من جمع المال الذي كان سبباً في فقد حبيبته .
لام نفسه كثيراً وكان يقول في قرارة نفسه لو علمت بصورة أفضل أو إنتهزت واستغليت كل تلك الفرص التي أُتيحت لي لربما جمعت ثروة جعلت مني نداً لهذا العريس الجاهل لأنه لا يعلم بانه تزوج من امرأة لا تكن له مشاعر الحب وانما أراد فقط ان يضيفها الى مقتنياته الثمينة ليس الا .
إنتبه إلى أنها لا زالت تنتظر رده على سؤالها فقال :
– لقد كنت خارج الوطن منذ مدة طويلة ، أنت تدركين بلا شك أن ما حصل معي كان أكبر من إحتمالي ولم أطق المكوث فأثرت السفر إلى الخارج وابتعد عن كل تلك الاطلال التي تزيد من عذابي ثم رمق الطفل بنظرة فاحصة تحمل الكثير من المودة مردفاً :
– أهذا أبنك انه يحمل الكثير منك ثم أضاف بنبرة أقل حدة كان يمكن أن يكون ابننا هل لك من الأبناء غيره ؟ .
أشاحت بوجهها إلى الناحية الاخرى حتى لا ير إنفعالها قائلة بصوت مرتجف :
ليس لي غيره فقد وافت المنية زوجي بعد أن أنجبته بفترة قصيرة وأنت ترى الآن كيف أني خسرتكما معاً وقد سألت عنك بعض المعارف وقيل لي أنك لم تعد موجوداً في البلاد ، كنت أريد أن ندفن الماضي معاً وننطلق من جديد لنبدأ حياة نعوض بها ما فاتنا .
– قال وهو يحاول أن يكظم غيضه :
الحقيقة أن ما فات لن يعوض بأي حال من الأحوال وخسارتي كانت كبيرة فأنت قد عشت حياتك مع زوجك المرحوم كيف ما اتفق ولابد أنه كانت لك معهأياما بهيجة ولك منه طفل سيحمل إسمه إلى الأبد وسيكون عوناً لك على الحياة أما أنا فقد ضقت المرارة ولم أتزوج لقناعتي بأني لن أكون سعيداً مع غيرك ولا أريد أن أظلم من سأتزوجها لأني متعلق بغيرها والأن لن يكون لي سند حتى مع ما جمعته من الأموال لذلك أشعر بالأسى على نفس وعلى ما أهدرت من سنين عمري ، أنت أنهيت حبنا مرة وأنا أنهيه مرة اخرى والأن الوداع ثم التفت إلى الناحية الاخرى منطلقاً في حال سبيله تاركاً إياها ودموعها تنهمر مدراراً شاعراً بانه قد رُد له إعتباره .