(1)
هو الليل.. مرفأ الحلم.. وعجين السر والآثام.. كلما أوغل في ظلمته كمم فم الريح لئلا تبوح.. الجميع يجرون عربة أحلامهم.. المثقفون والفلاسفة.. والكارزميون.. والجنرالات… والكناسون.. والأطباء.. والأميون.. ورجال الأعمال.. والإسكافيون.. والباعة المتجولون.. والعتالون.. مباح للجميع أن يحلموا.. مباح لي الحلم كالماء والهواء.. لن أخسر شيئا من مالي لأشتري أحلاما طازجة أو معلبة..أطفأت النور ..وشرعت أجر عربة أحلامي.
(2)
في الصباح طردت بقايا الكسل..رشقت وجهي بحفنة ماء بارد..وانطلقت إلى لزوجة الهواء..تدهسني الهواجس فأركلها وأمضي..قلب مشرع..وأمنية تعبّد الطريق بسذاجة ..وساعة في يدي أمتلكها ويفر منها الزمن..فألاحقه بصدق يقارب الغباء..حتى يتفصد العرق مني.
في المحطة التقيت صديقي المهووس بأقراص ال CD والبرمجيات..متقد وله حيوية نحلة..وشعره اللامع مدهون بزيت (سبع زيوت)..تبادلنا الأحاديث..ومر الموظفون الذين خانهم بندول الوقت..اهتزت الأكتاف وحثت الأرجل الخطى..وصاح بائع الصحف اليومية..
(أخبــار بنغازي..أخبــار بنغازي )..وقال صديقي وشعره يلمع تحت ضوء الشمس:
لاعاصم من شبكة المعلومات….
أطلق شرطي المرور صافرته..ومرت الحافلات المكتظة والعربات الطائشة..واقترحت على صديقي أن يرافقني إلى مقر الشركة لأستفسر عن قرار تعييني..وصاح الشاب الذي يخرج نصف رأسه من نافذة الحافلة البركة..بوهديمة..البركة..بوهديمة..قفزنا إلى الحافلة..غرقنا في الأنفاس..وقال صديقي :
إن في مدينة سايبرآباد عقول تطور البرمجيات..
الحافلة تمضي مثل كائن كسول..السائق يدس الكاسيت في الجهاز..وصوت نانسي عجرم يسبح مع العرق والأنفاس.. حبيبي قرب..بص بص..زعلان ازعل..نص..نص ..
صديقي يسهب في الحديث عن البرمجيات..وأنا أميل إلى افتراض وجود سكرتيرة مكتنزة في مقر الشركة..تحمل الملفات إلى مكتب المدير..تنشر أنوثتها وعطرها ( مدام رشا ) أمام أناقته فيمهر الملفات..ويمهر معها قرار تعييني.
(3)
أمام المدخل الرئيس للشركة انتظرنا..وقال موظف الإستعلامات بعد أن وضع سماعة الهاتف..إن قرار التعيين لم يصدر .. غام الشارع في عيني..وقفلنا راجعين..صديقي يحدثني عن فيروسات الكمبيوتر..وأنا أقيس بمسبار خيبتي عمق بالوعة معتمة تنشق لها أحشائي..
مضينا إلى منزل صديقي..جلسنا أمام شاشة الكمبيوتر..ووضع صديقي أحد أقراص ال CD في الجهاز..شرعنا نلعب..لعبنا وربحنا وخسرنا وفي كل مرة كنا نعاود الكرّة مع قرص آخر .
(4)
في غبش الليل كنت أجر عربة أحلامي وسط مكتب شاغر بمقر الشركة..وكان صديقي يجر عربة أحلامه المليئة بأقراص الCD..في غبش الليل كان الجميع يجرون عربة أحلامهم .
13. 6 . 2004