ولد العام الجديد ..
صرخ كأي طفلٍ يرى النور للمرة الأولى فرق له قلب القمر:
– سأُرضعك حتى تكبر.
لسعه البرد فصرخ مجدداً لكن الشمس تدخلت:
– إليك بعض الدفء.. إن لي قلباً على أي حال.
داعبته الريح وغنت له الطيور.. وعندما أساء له العطش تبرعت السحب بالمطر السخي.. صار يافعاً جميل الصورة:
– الآن ستقابل البشر.. ستعيش معهم.. تولد في السماء وتموت في الأرض.. هذا قدرك.
قالت له الدنيا وانصرفت دون وداع.
نزل من عليائه..
تجول في دروب الأرض.. أساء إليه غبار الأزقة ولوث دخان المصانع رئتيه.. كانت الحروب المتتالية تحرق كل يوم قطعة منه فيما كان الخونة يبيعون أعضاءه لهواة الآثار النادرة.. والفاسدون يزنون به لمجرد المتعة.. والتجار يقايضون به السلع النادرة.. والسفلة يشهدون ضده زوراً في المحاكم الشرعية وأنصاف المثقفين يغتابونه في الصحف الرديئة.. والجزارون يذبحونه على مهل.
عاد للصراخ..
مجدداً عاد يصرخ.. لكن أحداً لم يسمعه..
حتى هذه اللحظة لا زال يصرخ ويموت بعضاً منه كل يوم بينما يغزو الشيب رأسه ويأكل الصدأ صدره ويلوث دخان المصانع رئتيه.