رواية (غياهب الحي المقابل) للكاتب حسن أبوقباعة المجبري
سرد

رواية غياهب الحي المقابل – الفصل الخامس

مقاعد الدراســــة

*** تمر الأيام الدراسية الجامعية بلحظاتها الجميلة ، وأحداث رومانسيتها المشوقة والرائعة أحيانا .. تمر الأيام والأستاذ (ادهم) مثابر ومحافظ على نفس وتيرة التفوق تلك.

فقط .. أصبح حائرا جدا ، وعاجزا عن معرفة من تكون .. صاحبة الرسالة الرقيقة؟.

وبفطنته وذكائه أدرك الأستاذ (ادهم) أن هناك ثلاث فتيات فقط هن من سيحصر تفكيره يهن وسيراقب تصرفاتهن.

.. تدريجيا .. أيقن أن هناك عشرة طلاب هم محور الشك والذين ضمتهم خانة الآحاد في الرقم الدراسي والتي ألغيت بعلامة استفهام “؟”.

وكان سبعة طلاب من العشرة المذكورين هم من الذكور.

الثلاث المتبقيات هن من الطالبات الفاتنات ، وكنَ يحملنَ أرقاما دراسية كالتالي:

(3336) و (3339) و (3333).

إحدى تلك الفتيات كانت تضطرب حين تراه ، والأخرى أصبحت تزيد من ابتساماتها وتحياتها .. أما الثالثة فقد اختفت !! .. تلاشت . !! توارت عن الأنظار تماما ..!!؟

تمنى أن تكون هي .. لأنها بحق فتاة غير عادية ، فتاة راقية ، فتاة رائعة في كل شيء ، أنيقة حلوة ، وأنثى على درجة كبيرة من الجاذبية والذكاء والمثابرة والنشاط والحيوية ، كانت كاللهب الذي لا ينضب شعلة متوهجة لا تنطفئ .. قوية الشخصية ، محاطة بهالة غريبة من الموجات التي قد تكون سحريه ، تلحظها حين تمر من أمام زملائها الطلبة ، كانت تسمى (أصالة). “من الأفضل يا (ادهم) أن تبقى تصرفاتك طبيعية .. وان تتصرف بحكمة حتى يتضح لك الأمر جلياً ، فهذا المكان حساس جدا ، ووظيفتك مهمة ودقيقة جدا .. ولن ينتبه المسؤولون هنا إلى صغر سنك، بل سيحاسبونك فقط على المكانة العلمية التي تشغلها وأهميتها.” قال (ادهم) ذلك في نفسه وأطلق زفرة من بين ثنيات صدره أراحته  في تلك اللحظات.

أيام دراسية جميلة ومتعبة ، بامتحاناتها المتعددة والتي لن تعطى للطلبة الوقت الكافي ليعبروا لبعضهم البعض عن مشاعرهم وأحاسيسهم .. !

.. كان صديق الأستاذ (ادهم) وزميله الدراسي .. شابا على درجة عالية من الوسامة والجرأة كان يدعى (حكيم صدقي).

كان (حكيم) هذا دائم الرفقة لـ (ادهم) .. ولا تمضى فترة أو لحظه من لحظات الراحة إلا و يقضيانها سويا.

كان (حكيم) ميالا بشكل واضح للفتيات .. وبالتالي كان هو الاختيار الأنسب لشبح الممد الأخير للاقتران به .. ولان (حكيم صدقي) كان خبيرا بأحاسيس الفتيات قالها مرة صراحة عند مرورهم بأحد ممرات الكلية:

“ألا تخفى عنى شيئا يا (ادهم)؟ اخبرني”.

– رد (ادهم):

” عن ماذا تتحدث؟ !!”.

– قال (حكيم):

“الم تلاحظ يا (ادهم) إن هذه الفتاة ترتجف حين تراك؟ .. وكان هناك شيئا اوسرا .. متفقا عليه فيما بينكما .. ونجحت في إخفائه عنى.”

– قال (ادهم):

“ماذا؟ .. ماذا تقول؟.

لقد فاجتنى .. أتدعى أنها توليني اهتمامها وأنت موجود معي!؟.. ألا تلاحظ ياصديقى .. وياعزيزى الوسيم..  ألا تلاحظ منذ أن صادفتك أنى لم أرى اى فتاة تنظر إلى!؟. أنها تنظر إليك ياصديقى كغيرها من الطالبات المراهقات اللاتي يكدن يتخاصمن عليك علانية.”

– قال (حكيم):

“قسما بالله أنها لا تعيرني اهتمامها البتة..  بل أنها شديدة الإعجاب بك..  اجل..  هذا مايظهر جليا في عينيها حين تراك صدقني ياصديقى ، صدقني.”

.. كانت هي نفسها الطالبة (أصالة) حاملة الرقم الدراسي  (3333) والتي ظلت متوارية عن الأنظار في الأيام السابقة.

.. ولان .. والان فقط تأكد (ادهم) من شخصية صاحبة الرسالة الرقيقة تلك.

“يا الهي”.

رددها (ادهم) في جنبات قلبه..  وتسربت منه إلى خارج هذا الجسد النحيل..  ثم استدرك وجود (حكيم) بقربه ، ولكنه أكمل بداخل نفسه:

” لقد وقعت على الكنز الثمين..  والياقوتة التي لا تقدر بثمن..  أنها (أصالة) محط إعجاب الطلبة والأساتذة جميعهم..  فكلهم سارعوا لطلب ودها ولكنها أبت احتراما ، واعتذرت منهم بعفوية وشفافية صادقة..  فاكتسبت صداقتهم وإخوتهم وأيضا احترامهم.

– قال (حكيم):

“قسما بأنك ستكون الغبي الوحيد..أن تركتها وتركت هذه الفرصة, ولم تتعرف عليها.. ولان فعلت ذلك اعلم بأنك ستكون الأحمق الكبير في هذه البقعة من العالم..أتعرف.. أتعرف أنها في بداية قدومها إلى هذه الكلية.. أرسل إليها الطالب (وليد) لكسب ودها.؟”

– قال (ادهم):

“وليد من يكون هذا الوليد؟”

– قال( حكيم):

“(وليد فتحي) ابن الدكتور(فتحي) احد كبار أساتذة هذه الكلية”

– قال (ادهم):

“هل تعنى انه أرسل إليها لكسب ودها!” وماذا كان ردها؟ هيا أسرع بأخباري؟.”

– قال (حكيم):

“رفضته ولم توله اى اهتمام بعد ذلك”.

– قال (ادهم):

“ماذا ؟ ماذا؟ ماذا حدث بعد ذلك!؟”

– قال (حكيم):

“تأثر وليد جدا ورسب تلك السنة.”

– قال (ادهم):

” لا . لا . لا أصدق ذلك لان المدعو (وليد) تلتف من حوله العديد من الفتيات الجميلات.. وكذلك اعتقد انه متعلق بتلك الفتاة (هناء) ابنة المستشار (حمدي).”

– قال (حكيم):

“نعم ارتبط بهذه الفتاة لرد اعتباره إمام الجميع وحفاظا على ماء وجهه, لان كبرياءه قد خدش ولم يرتض أن يظهر بدون رفيقة تشاركه العاطفة أيام الدراسة, وبالتالي يظهر عجزه عن تكوين علاقات رومانسية..فسارع إلى فتاة بديلة . وكان له مااراد.”

– قال (ادهم):

“ترفض وليد (ابن الذوات), وترتبط بى انا الأستاذ المجهول الهوية فى هذه البقعة..! فمن أكون أنا!؟”

– قال (حكيم):

” لا تبخس نفسك قدرها.. نعم أنت و(وليد) من نفس السن, ولكنك تفوقه بعلمك وما وصلت إليه بمثابرتك إلى هذه المكانة العلمية, وأيضا هناك صفات رجولة واضحة لديك, وتميزك عنه, فهو لايزال في مرحلة الصبا , ويعيش أيضا في مراحله الدراسية.”

– قال (ادهم):

” اعتقد باني فهمت لماذا ارادتنى أنا بالذات؟”

– قال (حكيم):

“لماذا..؟”

– قال (ادهم):

” لقد خدش كبرياؤها أمام الفتيات عندما أيقنت أن (وليد) انصرف عنها بــ ( هناء فتحي) فسعت بسرعة إلى البديل واختارتني انا..!”

– قال (حكيم):

“لا تظلم الفتاة .. أظنها قد رأت فيك فارس أحلامها”.

– قال (ادهم):

“لا.. لا.. اعتقد اننى فارس كوابيسها وأوهامها .. وليس أحلامها، أنها تريد محاربة (وليد) بشخصي ..وسأصبح الضحية العاطفية”

– قال (حكيم):

” لا تفكر هكذا ياصديقى.. انتبه إليها وتعرف عليها.. ولا تفوت الفرصة.. وان لم تروق لك، استبدلها .. مثلما افعل انا في كل مرة..هه ها .. هه ها”

– وأضاف:

” هؤلاء الفتيات خلقن لهذا الغرض , للتعارف لا للارتباط”

– قال (ادهم):

” لا ياصديقى (حكيم).. لا ياعزيزى، انك مخطئ في وصفك لأفضل مخلوق في هذا العالم ان هذا المخلوق الادمى يحتاج إلى التقدير والاحترام في التعامل معه.”

– قال(حكيم):

” نحن متفقان إذا .. استعمل معها هذا الأسلوب، ولا تظلمها قبل أن تتأكد من مابداخلها تجاهك.. لأنها  فتاة تدعو إلى التأمل والإعجاب”

– قال (ادهم):

” نعم انه لاشى يدعو إلى التأمل .. صدقت يا(حكيم) صدقت”

ردد الأستاذ (ادهم) هذه الكلمات واخذ مقعده الدراسي.. وجلس في انتظار الأستاذ المحاضر لأخذ دروسه المقررة في ذلك اليوم.

في المساء انتاب(ادهم) شي من الأرق.. واخذ يفكر في (أصالة).. تلك الفتاة التي بدأت تلتهم مساحات واسعة وكبيرة من تفكيره.. أظنها سلبت فؤاده بعد أن شغلته عن مثابرته في هذه الأيام ، لم يأته النوم فنهض من فراشه واخذ يفكر.

“اعتقد أن قوة تأثير القلب والعاطفة  اقوي من تأثير العقل والحكمة.. ويا للمفارقة عندما أريد المذاكرة اشعر برغبة قويه في النعاس  وتاتينى رغبة جامحة في النوم والهرب من الصفحات والأسطر الدراسية المتعبة.. أما الآن فللقلب تأثير وأيضا له وجهة نظر.. لقد طرد النوم من عيوني واجبرنى على السهر.”

ماذا يفعل .. أظنه محتاج لأغنية معبرة من إحدى شرائح الغناء لأحد المطربين.

.. أظنه يحتاج لسماع ( العندليب الأسمر) أو (كوكب الشرق) أو( كاضم الساهر) في أغنيته ” زيديني عشقا زيديني”.

.. لا . لا أظنه اهتدى إلى الشريط المناسب انه للمطرب الراحل(عبد الحليم حافظ) والذي يحمل اسم (فاتت جنبنا).

اجل (فاتت جنبنا) هو اسم تلك الأغنية والتي عكست الصورة الحقيقية لما حدث في هذا الصباح.

..اخرج الشريط من مكتبته وفتح جهاز التسجيل الأنيق.. ووضع الشريط في داخله بلطف.

..وبدأت الموسيقى تنساب من بين جنبات الجهاز وخرجت كلمات الأغنية سلسة عذبة ، تقول:

“فاتت جنبنا أنا وهو                     وضحكت لنا أنا وهو

رديت وكمان رديت                    وفضلت أرد لحد مافاتت

ونسيت روحي وصحيت                        اتاريها خدت الشمس وراحت

اعرف منـــين أنها                  قصداني أنا مش هو

واعرف منــــــين               أن الضحكة لى مش له هو

ولــــــيه انا مش هو

… إلى أن اكتملت كلمات الأغنية و(ادهم) كان بين أحداث معانيها .. قد داهمه النوم العميق.

..وفى صباح اليوم التالي نهض .. فوجد الجهاز قد انطفأ تلقائيا.

“اجل انه الشريط المناسب”

قالها(ادهم) ناهضا ..متكاسلا ومتثائبا في نفس الوقت.

                                          ***

مقالات ذات علاقة

رواية الحـرز (32)

أبو إسحاق الغدامسي

شفرة لوتوفاجي (5)

المشرف العام

رواية الفندق الجديد – الجزء الأول

حسن أبوقباعة المجبري

اترك تعليق