بالحديث عن أهم رموز الأغنية الليبية، نجد اسمًا تردَّد صداه ولَمَعَ نجمه في في بداية الخمسينات من القرن الماضي.. إنَّه الفنان محمد الفر جاني، والذي لا يعلمه الكثيرون، إنَّه الأخ الأكبر للفنان خليفة الفرجاني المعروف باسم «نوري كمال»، وللأخ الأكبر الفضلُ في تدعيم موهبة أخيه الأصغر بحثِّه على الدراسة الأكاديمية، فلم تقف الإعاقة البصرية عاجزًا أمامه حتى صار «نوري كمال» من أهم الأسماء الفنية الليبية وأيقونة من أيقونات الفن الليبي.
وشكَّل الأخوان انعكاسًا لواقع الفن في ذلك الوقت، إذ كان محمد الفرجاني من أتباع المدرسة «الوهابية» وهو مصطلحٌ في الفن يُقصَد به مدرسة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، فكان معجبًا به ومتأثرًا به كثيرًا، أما الفنان «نوري كمال» فكان منجذبًا جدًّا للفنان فريد الأطرش ومتأثرًا به صوتًا ولحنًا وغناءً، لهذا كان لكل من الأخوين لونه الخاص الذي تميَّز به وعُرِفَ من خلاله، الفضل الأول في تدعيم موهبته الفنية بالدراسة الأكاديمية يرجع لشقيقه الأكبر وهو الفنان محمد الفر جاني، وكونهما شقيقين فهو أمرٌ لا يعرفه كثيرون.
بدايته وسيرته الفنية
محمد الفرجاني من مواليد مدينة طرابلس، بشارع ميزران، زنقة النعوش أغسطس 1929، ترجع أصوله إلى منطقة سيدي المرغني في سوق الجمعة، كان منذ صغره عاشقًا لآلة البيانو، كما دَرَسَ بالمدرسة الإسلامية العليا، حتى أصبح من رواد الغناء والتلحين وبرع في العزف على عدة آلات منها البيانو والأكورديون.
إضافة لمشاركته في بعض الأعمال المسرحية منها «عدالة السماء» وهي مسرحية من ثلاثة فصول شاركه التمثيل فيها عبد الغني دريبيكة ومصطفى الزنتوتي ومصطفى الأمير وعبد الهادي المزداوي وحسن الشغيوي وشعبان القبلاوي وسعيد السراج.
ويعتبر الفرجاني من الرواد الأوائل في قسم الموسيقى في طرابلس، وقد تولى رئاسة فرقه الإذاعة الموسيقية، ومن بين المناصب التي تقلدها، إلى جانب عمله الأساسي، رئاسة ميناء طرابلس البحري منذ العام 1954، ورئيس قسم التراخيص بمديرية المتابعة لشؤون الموانئ العام 1959، كما وَضَعَ ألحان عدة مسرحيات مهمة من تأليف رواد المسرح الليبي: سعيد السراج ومصطفى الأمير.
أيضًا تحصَّل على عدة دورات دراسية في بريطانيا وإيطاليا، الأمر الذي ساعده في أعمال الترجمة باللغتين الإنجليزية والإيطالية، أيضًا يعتبر الفرجاني من أوائل الفنانين الليبيين الذين تعلموا النوتة الموسيقية، فقد تتلمذ على يد الفنان الأستاذ رمضان الأسود، وهو أحد الرواد الذين أسَّسوا قسم الموسيقى في الإذاعة الليبية.
أثناء دراسته في إيطاليا حرص على أنْ يتعلَّم العزف على بعض الآلات الموسيقية على يد بعض الفنانين الذين كانوا يعزفون في أحد مقاهي مدينة روما، وحرص على توفير المال ليشتري به أول بيانو لايزال موجودًا حتى هذا الوقت في منزل عائلته، كما شارك في كثير من المهرجانات المحلية والعربية، وهو أيضًا من الأوائل الذين ساهموا في تأسيس «فرقة المالوف والموشحات » بقيادة الراحل حسن عريبي.
علاقته بالمطربين وشعراء الأغنية الليبيين
في رصيد الفرجاني أكثر من 150 عملاً غنائيًّا، بين عاطفي واجتماعي. قدَّم الفرجاني ألحانا مهمة لجُل الأسماء الفنية المعروفة في تلك الفترة والدين كانوا أسماء مهمة ونجوم غناء صف أول منهم الفنان خالد سعيد والفنان عبد اللطيف حويل والفنان أحمد سامي و الفنان لطفي العارف والفنان راسم فخري والفنان محمود الشريف والفنان محمد مراد والفنان نوري كمال والفنان علي القبرون ، كما قدَّم ألحانًا مهمة ومتميزة لفرقة «طلائع النصر»، كما تَعَاوَنَ مع كبار الشعراء مثل أحمد الحريري ومسعود القبلاوي ومحمد الكور وأحمد الفقيه حسن وعبد الحفيظ قنابه وعبد الهادي المزداوي.
علاقته بعبد الوهاب
لأنَّه كان عاشقًا لألحان الفنان محمد عبد الوهاب، حرص الفرجاني على أنْ تربطه به علاقة صداقة، حتى إنَّه كان يحرص على التردُّد عليه فبمنزله في للقاهرة، كلما كان يزورها لتسجيل أغانيه.
أهم أغانيه
قدَّم الفرجاني مجموعة أعمال عاطفية واجتماعية ووطنية ناجحة ولازالت محفورة في الذاكرة ويرددها الكثيرون حتى بعد مرور أكثر من نصف قرن على إذاعتها ومنها «حاير في أمري» و«سمحات فاتو» و«خيره جواب الغالي عطل» و«عيونك حلوة وجذابة» و«حبيبي غالي عليا» و«المسايرة» و«حبيبي غالي»، و«يا أسمر يا خمري».
هكذا تحدَّث عنه زملاؤه
وكَتَبَ الموسيقار والملحن، عطية محمد، عنه ذات يوم فقال: «محمد الفرجاني الإنسان كان طيب القلب، حنونًا، مرهف الحس منظَّمًا جدًّا، مرحًا مرح العاقلين، إضافة لكونه مثقفًا ويجيد اللغة الإنجليزية والإيطالية قراءة وكتابه، أيضًا كان يهوى قراءة الكتب التي تختص بعلم الفلك، إلى جانب شغفه بالموسيقى، فقد أحبَّ التصوير الفوتوغرافي والسينمائي».
أما الشاعر الغنائي والكاتب والصحفي أحمد الحريري فكتب يقول: «الفرجاني سكن وجداني، نغمة ما تتكرَّر ثاني، دوسات على معزوف سحري، فيها الإبداع الإنساني، عيونك يا حلوة جذابة ساكنها السحر الرباني، والفرجاني رفيق الرحلة لما غادرني وخلاني، حسيت بغربة أعماقي، وبديت في رحلة أحزاني، وقعدت اندور من بعده، عن اسمي ورقمي وعنواني، ولقيته واضح في الآخر، سطر في تاريخ الفرجاني».
مشوار استحق التقدير
كرِّم الفرجاني بمنحه «وسام العمل الصالح»، كما صَدَرَ طابعٌ بريدي يحمل صورته، تقديرًا لما قدَّمه في سبيل إثراء الحركة الفنية الليبية، واستمر في عطائه حتى توفى في 2 فبراير 1990.
____________________
نشر بموقع بوابة الوسط