أواخر عام 2013 م صدر عن دار الرواد بطرابلس كتاب بعنوان «الفرعون الليبي شيشنق الأول وإمبراطورتيه الأفرو آسيوية» للدكتور عبدالعزيز سعيد الصويعي. ويروي سيرة شيشنق الأول مؤسس الأسرة الفرعونية 22 والذي بسط نفوذه إلى فلسطين، حيث قاد حملة شهيرة إلى هناك.
أفرد المؤلف فصلاً بعنوان “الليبيون يحكمون الشرق وينهون سيطرة اليهود عليه”، بالإضافة إلى فصول أخرى مثل: “المقدمة التي جاء فيها الهجمات المتتالية (لليبيين) وصدها بالقوة العسكرية، والتغلغل السلمي وقبول المصريين به، ومن الكهانة إلى سدّة الحكم، وكذلك شيشنق بين النظريات القديمة والحديثة، ووضع اليهود في فلسطين قبيل حملة شيشنق الأول.
وشيشنق بالنسبة لليبيين من الشخصيات المهمة، والمفتخر ببطولتها وجهدها ومثابرتها، هذا الكتاب حوله المؤلّف إلى عمل درامي من 30 حلقة، وهناك فكرة تحويره إلى فيلم سينمائي ضخم لو توفرت إمكانيات إنتاجية مناسبة، حيث يتوقع بعض النقاد السينمائيين للفيلم نجاحًا كبيرًا في حال تنفيذه بتقنية عالية وإمكانيات عالمية، كالذي حققه فيلما عمر المختار والرسالة للمرحوم مصطفى العقاد.
يقول الصويعي عن تعاطيه الدرامي مع الشخصية: “شيشنق شخصيةٌ ليبيةٌ لها خصوصيةٌ تستحق الذِّكر وقصةٌ تاريخيةٌ لها دلالاتٌ تستحق التوثيق، استهوتني فدرستُها معتمدًا على مصادر معظمها أجنبي إلى جانب التوراة وغيرها… ونلتُ فيها درجة الماجستير… وبعد أن صدرت المادة في كتاب أواخر العام الماضي، لم تغادر الشخصية مخيلتي فحولتها إلى قصةٍ دراميةٍ لا يخرج حوارُها عن إطارِها التاريخي الحقيقي وأحداثِها الواقعية إلاَّ فيما يتطلّبُه العملُ الدراميُّ من تحويرات طفيفة.. ورغم صعوبةِ المشروع إلاَّ أنني أوشكتُ، بحمد الله وعونه، من استكمال كتابة حلقاتها”.
وحول الجدل المثار حول شخصية شيشنق، حيث يعتبره الليبيون ليبيًا والمصريون مصرًيا يضيف: “هذا الكتاب أتى لتصحيح كثير من المفاهيم ودحض كثيرًا من الأقاويل حول هذه الشخصية، ليس تعصبًا لكوني ليبيًا وإنما إحقاقًا للحق وإعادة العناصر التاريخية إلى مفاصلها الأصلية حسب ما تُقره المصادر العلمية المحايدة وحسب ما يتيحه الاجتهاد المعترف به في مجال البحث العلمي.. فشيشنق الأول “المشواشي- التحنوي” من أصل ليبي خالص.. جده القريب “شيشنق الأكبر” وجده البعيد “بويوواوا” وجميعهم من مواليد شرقي الدلتا ومن رؤساء القبائل المرموقين والكهنة الموقرين وقادة الجيش المحترمين من قبل كافة الأوساط المصرية.. وجميعهم من الليبيين الذين توغّلوا في مصر سلميًا منذ حوالي القرن الثاني عشر قبل الميلاد، بعد أن فشل أسلافهم لعدة مرات في احتلال وادي النيل عسكريًا”.
أما عن الرقعة الجغرافية الفاصلة بين ليبيا ومصر، وكيف وصل الليبيون إلى ضفاف النيل، وأيضًا عن المزاعم التي يطلقها بعض الصحفيين المصريين مثل محمد حسنين هيكل بأحقية مصر في إقليم برقة (الشرق الليبي) فيقول: “المعلوم أنّ قدماء الليبيين في الفترة المتحدّث عنها لم يكونوا بعيدين عن الوادي، بل كانوا يتجولون في المناطق الرابطة بين وادي النيل (شماليه وجنوبيه) وبين برقة (الجبل الأخضر) ويعمّرون الواحات الصحراوية مثل: الجغبوب وسيوة والفرافرة والداخلة والخارجة وغيرها حتى بلاد النوبة جنوبًا، فيما كان يُعرف تاريخيًا باسم (الصحراء الليبية) التي تغيّرت مؤخرًا على الخريطة الجغرافية المصرية إلى اسم الصحراء الغربية”.
ويضيف الصويعي المتخصص في فلسفة الحضارة القديمة وصاحب كتاب التيفيناغ “رحلة الكتابة بين الكنعانيين والتوارق”: “إنّ الفترة الزمنية المتحدث عنها (أي زمن شيشنق الأول) هي القرن العاشر قبل الميلاد. وقتذاك لم يكن هناك دول بحدودها الإدارية التي عُرفت فقط عقب الاستعمار الأوروبي الحديث وتكوين عصبة الأمم.. بل كانت أفريقيا الحالية تُسمى (ليبيا) إلى جانب قارتي (آسيا) و(أوروبا) حسب تقدير (هيرودوتس)… وكانت الوثائق المصرية القديمة تصف الليبيين القدامى بحسب قبائلهم الشهيرة مثل (الليبو أو الريبو) القديمة و(التحنو أو التمحو) المتوسطة وأخيرًا (المشواش).. أما التوراة فقد أسمتهم بـ(لوهابيم) أي (ليبيين) باللهجة العبرية… والإمبراطورية التي أسسها شيشنق الأول فشملت (فلشطيم) أي فلسطين والشام، و(مصراييم) أي وادي النيل بوجهيه البحري والقبلي، و(بلاد الكوشيين) أي النوبة والسودان، إلى جانب الجزء الشرقي من ليبيا الحالية أي بلاد التحنو والمشواش أجداد شيشنق الأول بما فيها الواحات المشتركة بين مصر وليبيا الحاليتين. ولا أدري عن أي حدود يتحدثون حاليًا لأن ذلك ليس من اختصاصي إذ لا يدخل في مجالات التاريخ القديم الذي أهتم به دون سواه”.
سألته أخيرًا عن الزمن الذي أنفقه في تأليف كتابه الفرعون الليبي فأجاب: “فكرة البحث بقيت تخامرني وقتًا طويلاً لا أستطيع تقديرَه.. أما تنفيذُها وكتابتُها فقد استغرقت ليس أقل من سنتين بحيث كانت معظمُ مصادري باللغتين الإنجليزية والفرنسية… وكم كان شاقًا على النفس نقلُ النصوص ومصطلحاتها العلمية إلى العربية… إلى جانب تتبع الندوات التي تقيمها الجامعات ومراكز البحوث والمتاحف العالمية التي للأسف لم أتمكن من حضور أي منها سوى عبر المتابعة عن بُعد من خلال وسائل الاتصال الحديثة”.