عبدالرحيم بوحفحوف
بوثائقه ومحتوياته وأجهزته وأثاثه وكل ما فيه.. وبعد عمر ناهز 40 عاماً انتهى ما كان يسمى بمركز كمبوت الثقافي.. هكذا.. دونما مقدمات تذكر ، ودونما دمعة حزن واحدة.. انتهى وانتهت معه قصة أكثر من 6000 كتاب من أهم أمهات الكتب والمخطوطات العربية والليبية النادرة.. إضافة إلى المئات من الموسوعات والإصدارات والدوريات والفصليات المختلفة.. انتهى خلال ساعة زمنية وسط معاول وفؤوس وآلات حفر متوحشة وثلة تمتهن الهدم من عمالة وافدة بإشراف محلي.. من أولئك الذين يعتقدون بأنه بالخبز وحده يحيا الإنسان انتهى إلى زمن غير معلوم.. فصار هباءً بين الثرى والنجوم وكأنه لم تضج ردهاته بالحيوية ذات يوم. انتهى دون أن يقم على موته مأتماً وعويلاً.. وغدا خبراً بعد عين.
كأنني لم أجلس بين جنباته في صباح جميل أو أمسية بهية !! و كأنني لم ألتق في زواياه بالمتنبي ولم أحاكِ المعري ولم أعجب بالهمذاني.. أو أهمس إلى الجاحظ أو أضحك مع أشعب أو أنبهر بفلسفيات النيهوم.. أو لم أغازل بنت المستكفي أو تماضر.. و كأني لم أتجاذب أطراف الحديث مع الكوني.. هاهنا.. وسط هذا المكان المدمر الآن.. أخذتني ذكريات وبدايات تعلقي بهواية المطالعة والشغف بالكتب منذ ما يربو عن ربع قرن.. هاهنا أتذكر جيداً تفاصيل دردشتي المتواصلة مع الأستاذين: عوض راقي اكريم وخطاب الهاين مكائيل.. وكيف كانا يحافظان على هذا المرفق ويحرصان على إدارة شئونه بمنتهى الأمانة رغم بساطة الإمكانيات وضيق ذات اليد ؟ وكيف كانا يهتمان بكل تفاصيله وكنوزه ومعاجمه وكتبه ومجلداته الفريدة.. إلى أن انتهت فترة عملهما به في وقت سابق.. لكن.. ربما لا ينفع مع الأمور التي تدبر بالليل تدبيراً.. لأنها تأتي كما سيول موسم الصيف !! ولكن الأمر الذي زاد من دهشتي واستغرابي.. مرور الأمر مثلما الكرام أو كما سقوط خيمة في ختام عرس.. مر هكذا دون توابع أو أي ردة فعل ودون اهتمام من أحد.. سواء كان جهة اختصاص أو محب للثقافة أو لهذا الوطن العزيز.. مر.. دون أي ضجة أو مشادات أو إمكانيات كتلك التي نشهدها حول الكثير من الأمور التافهة في حياتنا اليومية.. وقفت مشدوهاً.. فاغراً كل حواسي !! أأبكي ؟ أأصرخ ؟ أم أعوي كالذئاب ؟ أين المؤسسة العامة للثقافة ؟ أين المثقفون والمتشدقون ؟ أين الأمناء والمسئولون.. أين أدعياء العشق ؟ نعم.. هنا لايوجد مستخلصات ولا زقوم ولا هبرات ولا مال عام سائب كما في أماكن عدة.. ولا توجد ميزانيات.
لكن هاهنا والشمس في حالة السطوع.. تم اغتيال مرفق ثقافي عام أمام الجميع.. هنا اقترفت الأيدي العابثة حادثة إزالة مركز إشعاع مهيب.. دون تحقيق أو معرفة للأسباب.. هنا قضى المركز الثقافي كمبوت نحبه في بداية العرض.. وأسدل عليه الستار.
02.08.2009