طيوب عربية

ضد نسيج الحياة: شاب بنفسية كهل!

 

 

حازم خيري

“تتكلم الإرادة عندما تسكت الطبيعة”

                           روسو

 

       لثورات الربيع العربي فضل كبير في الكشف عن كومات العفن، من غير مراوغة، وما أكثرها في أرضنا. لاحظ مثلا بدائية دول العسكر والملكيات المستبدة في مقاومة الربيع الزاحف، هي أشبه برجل الكهوف يشهر هراوته – سلاحه البدائي – ضد نسيج الحياة، ذلك النسيج الرهيف لكن الثمين الذى يسهل تحطيمه والقادر بغرابة على أن يرد الضربة بطرقه غير المتوقعة، على نحو ما نرى جميعا.

       أتوقف كثيرا أمام بعض ما تقدم عليه هذه الدول المغادرة وفلولها من حيل ساذجة لتفادي الموت الزاحف، حيل لا تخلو من خطورة على البسطاء، ناهيك عن استماتة وإثارة للدهشة – من جهة التكبر والاصرار على صيانة الظلم والفساد -.

       التكتلات الحاكمة “القديمة” في منطقتنا تتشظى إلى تشكيلات وكيانات صغيرة، جيدة التنظيم والتمويل، تتصدرها شخصيات شابة، ليس لها من الشباب سوى الشريحة العمرية، مثقلة الوجدان بأفكار وأخلاقيات دول العسكر والملكيات المستبدة والتى جرى تسويقها لعقود، بتواطؤ غربي، قبل أن يخلى بينها وبين العفن.

الشخصيات القديمة بماضيها الملوث بظلم وفساد، تتمترس في خلفية المشهد، تحدوا هؤلاء الأبناء والأحفاد، ليس إلى شق السماء، وإنما إلى ترميم شقوق التمرد!

       شاب بنفسية كهل!! تستشعر هذا وأنت تجادل أحدهم، يثير في نفسك الرثاء والشفقة أكثر مما يثير الحنق عليه. هو ضحية لمجتمع مغلق لعقود وعقود، يرجع مزاجه الثقافي صدى قناعات مريضة: مدرسة الحياة، تربية الشارع، ذكاء ملتو، نفسية بلطجي..الخ! مجتمع لا يقيم وزنا لمعرفة أو فضيلة! دول العسكر والملكيات المستبدة أورثتنا جيلا من الشباب بنفسية كهول، وجوه نضرة ووجدان شديد العفن.

هؤلاء الكهول ذوو الأجساد الشابة يتشاركون للأسف مع العديد من شباب الثورة – خاصة شباب الاسلام السياسي – في الكثير، غير أن المأساة لدى شباب الفلول – ربما – تكمن في رفضهم المشئوم حتى لهذا القدر من التغيير – غير الكافي برأيي – الذى يعمل الاسلاميون على انجازه، كونه يكفى برأيهم للتمكين لدولتهم. رحيل مبكر على ما يبدو لربيعنا العربي، بمباركة غربية اعتدناها!

       يقرص البرغوث كلبا فيموت البرغوث لأن دم الكلب قد أصبح مسمما، يشبه هذا إلى حد كبير حال الربيع العربي، فثوريته الواهنة – على الأقل فكريا وحضاريا – لا تعدو قرصة برغوث لدول مسممة! ثوريته الواهنة لن تلبث أن يدركها التآكل والنضوب لأن دم الدول المغادرة قد أصبح مسمما. زعم يجد تعزيزا في سطحية وهشاشة التخوم الفاصلة بين الدول المغادرة وفلولها – وفي مقدمتهم شباب الفلول -، وبين القوى الثورية – وفي مقدمتها شباب الاسلاميين -. لا نكاد نجد القطيعة والشرف الثوريين كما في الثورات العظيمة، كما لا نستطيع أن نميز بين أطراف الصراع فكريا وحضاريا بدون استحضار المصالح الحياتية والشخصيات المحورية والولاءات..أمور كهذه لا تصنع ثورات عظيمة، وان كان بامكانها أن تصنع تغييرات في السلطة والولاءات، أن تغير موازين القوى على الأرض وربما إثارة الحروب الأهلية، فضلا عن امكانية تمهيدها لفتح المجتمعات وهندستها ثقافيا..

مقالات ذات علاقة

تكريمُ الأديبتين فاطمة ذياب وآمال غزال!

المشرف العام

إطلاق مهرجان طرابلس المسرحي الدولي في المسرح الوطني اللبناني بعد 28 عاماً

المشرف العام

“زايد للكتاب” تعلن القائمة القصيرة في “الفنون والدراسات النقدية”

المشرف العام

اترك تعليق