المقالة

بين النص وصاحبه

من أعمال التشكيلي عبدالرزاق حريز

– 1 –

مجلة (لا) نفي، حلم، إبداع.

لكن هذا الحلم يبدو أنه [ومن خلال العدد الأول] سيقع في إشكالية شعار (الحرية) الذي أطل برأسه من بين السطور!!

لا أعنى بإشكالية الحرية، أنني ضد حرية التعبير، ولكنه قد (وهذا وارد) يساء استعمال الحرية بوجه آخر، هو نوع من ممارسة القمع على الاخرين!! وقد يبدو لنا الشرح مضحكا، لكن لابد من التفاصيل·

الحرية قيمة مطلقة مقدسة، وبدون شروط، لكننا قد نمارس حرية الرأي، في ذات الوقت الذي نمنع فيه الآخرين من ممارسة ذات الحرية. والامر يبدو أيضا موغلا في التعقيد، فقد نقرأ قصيدة رائعة تتغنى بالحرية في ذات الوقت الذي يمارس فيه كاتبها، أو شاعرها بالأحرى، القمع في أعمق معانيه.

ونعرف في بعض الاحيان هذا الشاعر جيدا من خلال ممارساته، أي على مستوى الشارع، فكيف يكون موقف المجلة هنا؟ إذا سمحت لقلم قامع بالكتابة عن حرية يمنعها هو أصلا عن الاخرين؟ ومن هنا وجب على أي قارئ عادي [بصرف النظر عن قيمة الحرية] أن يرمى المجلة جانبا، لأنه ليس مستعدا لابتلاع هذا التناقض المريع … وهذا الفصام المفضوح!!!

– 2 –

في لغة السياسة ليس هناك اعتبار للثورة، أو للأخلاق، باعتبار أن السياسة تخضع للمناخات المتغيرة، وتبيح كل قول وفعل غير أخلاقي، يستهجنه الفرد ويخجل منه، لكن على مستوى الدولة يكون الامر عاديا، وقد يشتم حاكم حاكما آخر ناعتا إياه بالتسلط والقمع، وكلاهما متسلط وقامع، ومن المقبول ان تتهم دولة ما دولة أخرى بالسحق والمحق والمعتقلات وكلتا الدولتين (قامعتان)، هذا في لغة السياسة أما في لغة الابداع.

فلا مجال للفصل بين النص وبين كاتبه، بين الممارسة وبين المبدأ، وحتى لا نبتعد كثيرا عن جوهر الموضوع، فان القمع برمته شيء مزر ومقيت، والقلم آياً كأن، هو معوّل حضارة وثقافة، وليس هناك علاقة بين الثقافة وبين القمع.

وما أسوأ ان يكون الانسان قامعاً، يصادر أحلام الناس، و[صحيح للغاية] ان الحرية لا تتنفس في مجتمع ظالم، وصحيح ايضا ان الديمقراطية هي انعكاس لعلاقات الناس بعضهم البعض – ومجتمع تسود فيه الشللية، ومحاسيب القبلية، لا يمكن بأي حال من الاحوال ان يتواءم مع أطروحات حضارية أساس الفلسفة فيها هو حرية الانسان من كل عوامل الاستغلال والسخرة والظلم … لكن الصحيح أيضا ان القمع ينطلق من أفراد هم أصلا ضد الحرية، ولا يستطيعون تحمل مسئوليتها لأنها تلقى ثقافة الاستبداد الذي هو اصلا من تركيبتهم النفسية. وهم لا يعرفون من الديمقراطية إلا أغلفة الكتب والعناوين البراقة والمفردات المنتقاة!!!

– 3 –

هذا النموذج القامع لا تعنى شيئا كتابته عن الحرية، ولن يقتنع الناس بما يكتبه وسوف يضحكون حتى اذانهم وهم يقرأون الغزل الرقيق في الديمقراطية، لكن الخطورة تكمن في تشويه القلم، ليتحول الى اداة لخداع الناس، ومن هنا لا ينفصل النص عن كاتبه [هذا هو الصحيح]، وإذا انفصل. فهو عبارة عن فصام يدعو للرثاء لا أكثر … ولكنك في ذات الوقت لا تستطيع ان تمنع مستبدا من التغني بالحرية لمجرد ان الناس لا يقرأون له.. بل لا إمكانية لمنعه. لأنه هو ذاته سيلوح لك براية الديمقراطية على الفور! وليس من حل الا المطالبة بقليل من الخجل وكثير من الالتزام وقد تحترم شخصا يعلن عن ديكتاتوريته قولا وفعلا أكثر مما تعبأ بغيره!

محصلة القول ان التمسح بأعتاب الديموقراطية لا يعنى شيئا إذا كان منفصلا عن الممارسة إنه يدعو إلى الضحك فقط!


مجلة لا | فكرية ثقافية، تصدر عن دار حلم للنشر والطباعة، السنة الأولى، العدد: 3، 1/3/1991م.

مقالات ذات علاقة

صراخ الصحراء الصامت

عبدالحكيم الطويل

كيف استقبلت بنغازي «فيروز» عام 1973؟!

سالم الهنداوي

كورونا وولي الأمر

علي عبدالله

اترك تعليق