الكتابة النقدية بين شفافية النص الأدبي..وحسية العيش في تشكيلية اللوحات
رائد أبوزهرة – الأردن
1. 27 نافذة من لون وضوء.. تطل بنا على جمال منشود.. يزفها الينا أو يزفنا اليها.. صاحب ” مكامن الضوء ” في كتابه.. بعدما واصل ولم يزل يزف الينا النوافذ تلو النوافذ في صفحته في فضاء أزرقه الجميل… من حك سطوح الكهوف بحدة الحجر… عبورا بخبرات الإنسان من قديمه وحديثه.. وعبورا بخبرات مدارس التشكيل.. وذاتيات التعلم التشكيلي عند بعض الفنانين… إلى أقصى التجريب المضارع… في التجربة التشكيلية الليبية.. وما اختار منها في هذا الكتاب كنماذج وليس شمولا كليا – فيما أظن -.
2. قال له صديقه مصباح ذات معرض تشكيلي.. ” أعتقد أنه أصابنا هبوط مائي يا أخي عدنان ” ص42… وأحسني أقول… أعتقد أنك أصبتنا بتساميات المياه والالوان والأضواء يا عدنان.. وأكثر من 27 مرة.. أكثر من 27 نافذة… أكثر من 27 شراعا تشكيليا.
3. وقال أحد النوافذ المشرعة ذات حوار معه… ” هي هجرة إلى الداخل.. داخل النفس البشرية.. واقتناص فرصة القبض على المتبقي من الكلام والمشاعر.. وترجمتها إلى صور بديعة على أسطح يدركها الجميع “ص148.
4. كتابة تشكيلية.. تقارب النص الأدبي بشفاف مسها لدواخل اللوحات.. وبأثير تحسسها وحسها بتفاصيل النمنمات.. والتي عبرها يشجعنا كمتلقين أن نقول كل ما نحسه أمام كل لوحة وفيها.. طالما المقتدر فنيا حين يحكي اللوحة يكون مقاربا لما نحسه ونخاف ما زلنا نحن المتلقين ونرتبك ان نقوله…وبقدر ما يقارب بأدوات فعله استكشافا واستكناها أعمق وسبرا بتفاصيل الايحاءات والملامح وخفوتات اللون ونصوعاته.. وحدته وتكثفاته… يقربها اللوحات منا ويقربنا منها.. حد عيشها…فيمكننا ويدربنا على احتياجنا العلاقة مع اللوحات.. بحب كاحتياجنا الخبز والماء وتفاصيل البلاد واخضرار ارضها وازرقاق سماءها وبحرها….
كتابة تدرك واجبها الجمالي في الفن التشكيلي.. بأن تحيل علاقة الانسان العربي الموجوع من كل شيء…المرعوب من كل شيء… من حالة الخائف المرتبك أمام اللوحة.. الى حالة المعانق الحابب ل اللوحة… يحسها ويراها بهواه.. بنبضه.. بحرية بصره وبصيرته… وما هو بالتبسيط الذي يسطح المعاني.. بل هو التبسيط المحمول والمعجون بوعي جمالي وثقافة تشكيلية ذات إطلاع وتبصر وتبحر.. وقدرة حساسة على الممايزة بين أدق التفاصيل بتداخلاتها وتبايناتها.
5. كتابة يحملنا عبرها ويجوب بنا مبدعها عدنان معيتيق… في سبع وعشرين تجربة تشكيلية من وطنه ليبيا…كأنما ليقول لوطنه ومحبيه ولكل وطن…أجل قادرون أن ننهض بنا بأجمل ما نود.. وأجمل ما نشاء.. وسنستطيع ولو بعد حين… طالما نحوز كل هذه الرؤى وكل هذه القراءات وكل هذا الحلم…..
6. وربما – للأسف – من الطبيعي الان.. أن نستغرب الكتابة عن كتاب نقدي في الفن التشكيلي… فنحن كمجتمع عربي – ما زال متباعدا مذ ما قبل الكورونا بكثيير عن بعضه.. ولا ندري عن تجاربنا المدهشة ومدى اكتناز كل جغرافية بكم نوعي بديع من مبدعيها وحتى سحر طبيعتها وطباعها وخصوصية مذاقات كل ما فيها – لم نعتد بعد أن نتعامل مع اللوحة باريحية كسلوك معيشي يحفز فينا الحياة…ولم نعتد بعد التعامل مع كتب النقد التشكيلي على ندرتها.. كما لم نعتد بعد أن نتعامل مع ذواتنا على أننا أحرارا… ربما لأن ما أفهمنا اياه الغزاة والطغاة… أن الحرية تأتي حين نتحصلها من خارجنا.. ولم ندرك بعد أن حريتنا فينا.. وحين نشاء نوقظها فينا.. سنبتهج بأعلى الغبطة ونحن نراها تتجلى فينا كأجمل القيم.
7. أجل نستغرب هذا.. فأن نكون وسط كل هذا الوراء المتوارىء… كمجتمع عربي وسيع… ويأتي فنان وناقد حالم… ويفعل بأدوات البساطة الجمالية.. وادواته البصرية والحسية والادهاشية كل هذا الجمال وكل هذه الغبطة…. ولا يفعله بالحد الأدنى أو بالتدريج…. فتلك أو بالاحرى.. هذه دهشة تستحق التوقف التأملي.. وعند حجم ومديات هذا الحلم الذي يراهن عليه فنانا مثل معيتيق… في ظل كل هذا الخراب الذي يحيا بنا أو نحيا فيه كبشر….
ومن ليبيا تحديدا…بكل ما تحمله وتحتمله من خصوصية توجع وتذابح وتفرق.. وخصوصية تغييب من المشهد العربي…الذي ما زال يحاول تغييب كل المدن الجميلة بالتتالي….أجل من حقنا أن نستغرب.. في ظل كل هذا القهر… أن يطل الحالم بالفن والكتابة التشكيلية وعبر 27 نافذة شراعية الجمال…. يزفنا اليها ويزفها الينا… بالجمال الحالم.. ونحو أيام أتية أكثر جمالا…
8. وإبتهاجا بكل ما منحني إياه هذا الكتاب… أزف هنا الأن اسماء الفنانين.. مع العناونين التي قرأهم عبرها الفنان عدنان معيتيق… غير متناسيا.. جمالية المقدمة التي بقلم الجميل…محمد المزوغي.. وجملته الأثيرة ” عدنان معيتيق يرسم وجهنا المضيء “……
1.رمضان نصر أبو راس..” لوحة فرح مؤجل ” 2.حسين ديهوم “التخلي عن وميض الضوء ” 3. رضوان أبو شويشة ” أشياء غائرة في ذاكرة الوطن ” 4.علي عمر الرميص “الرسم بروح الحرف ” 5.القذافي الفاخري “التلوين والتدوين في عتبات الجمر ” 6.محمد العارف اعبية ” توقيعات على جدران طرابلسية ” 7.مصباح الكبير ” براح الوجدان وحيطان العقل ” 8.محمد أبو ميس “الهوية وحاسة ادراك المكان ” 9.معتوق أبوراوي ” تأبين الضوء والاحتفاء بالعتمة ” 10.يوسف فطيس ” أجساد منغمسة في عتمة الوقت ” 11.الطاهر الأمين المغربي “مواعظ تشكيلية ” 12.علي العباني ” الرسم وطن للحلم ” 13.نجلاء الفيتوري ” اللعب في حدائق الضوء ” 14. عمر جهان ” ايقاظ الحواس لقراءة كهفيات ” 15. عادل الفورتية ” اللوحة : استحياء الشكل واللون ” 16. علي الزويك ” مفردات تشكيلية من قاموس البهجة ” 17.محمد الخروبي ” بهجة النظر في اللهجات المرسومة ” 18. توفيق العويب ” تنويعات الخط واللون ” 19.خالد الصديق ” صراع النور والعتمة ” 20. محمد الغرياني ” ألوان تبدي رغبتها الاقتراب من الناس ” 21.مرعي التليسي “من الواقعية الى الواقعية السحرية ” 22. حميدة صقر “خطوط لا تكاد تستقر على اسطح اللوحات ” 23.محمد بن لامين ” بلاغة تشكيلية لتوصيف الألم والفرح ” 24. أحمد الغماري ” في محاكاة الطابعات الرقمية ” 25.يوسف سيفاو ” تجارب فنية في أكثر المناطق أصالة ” 26.عبد القادر بدر ” قوارب متعانقة وبيوت متراصة ” 27. علي المنتصر ” البحث عن الطمأنينة في أشد المناطق عتمة “.
9.وكأن الفنان عدنان معيتيق أراد أن يقول عبر هذه الكتابة الجمال…. ما أصغر الأرض التي يحتاجها حلم ليبدأ….وما أوسع الأفق الذي يحوزه كل واحد فينا حين يشاء أن يفعل الجمال الضروري في الحياة….فشكرا وشكرا وشكرا….جميعكم… فنانين وفنانات ليبيا… لكل هذا الماء الجميل في هذا الزمن العطش.