حوار: هناء نصر
سراج الدين الورفلي، شاعر ليبي شاب عرفه الكثير من الشعراء والمثقفين المصريين وتابعوا قصائده الغزيرة على موقع فيسبوك، وازداد عدد متابعيه عقب إعلان فوزه بالمركز الأول في المسابقة الشعرية التي تحمل اسم الشاعر الراحل محمد عفيفي مطر عن ديوانه “كاريزما الموت”. تتجاور مشاهد الحب والحرب في أشعاره، كما في اللوحات والصور الفوتوغرافية التي ينشرها بكثافة على حسابه الشخصي في فيسبوك، والذي ساهم بلا شك في خلق تواصل غير مسبوق بين الشعراء من كافة البلدان العربية.
حالت ظروف الحرب المؤسفة الدائرة في الأراضي الليبية دون استلام سراج لجائزته في القاهرة صيف العام 2018، لكن الدعوة وجهت له لحضور معرض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته الاستثنائية هذا العام، دورة اليوبيل الذهبي للمعرض الأعرق في المنطقة العربية.
– هل ستستطيع المشاركة في فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب؟ وماذا تعني لك المشاركة؟
نعم سأحاول أن أشارك في معرض القاهرة هذه السنة، وخاصةً أنه ربما يصدر ديواني (كاريزما الموت) الفائز بالترتيب الأول في جائزة عفيفي مطر لعام 2018، وخاصة بعد أن وجهت لي الدعوة من قبل هيئة الكتاب. الحقيقة معرض القاهرة حدث مهم سواء للقارئ أو الكاتب، وخاصة أن هذه السنة ستكون استثنائية. إنه أكبر حدث ثقافي في المنطقة، ولا يجب على أي مثقف أن يفوت فعالياته.
– هل عدم قدرتك على تسلم جائزتك، الجائزة الأولى في مسابقة عفيفي مطر المطر الشعرية، والمشاركة في مؤتمر قصيدة النثر المصرية، لأسباب أمنية، كما قيل، وراء إحساسك أنك مكبل؟
لا أظن أن عدم ذهابي يرجع لأسباب أمنية هو فقط عدم تنسيق من وزارة الثقافة الليبية التي وعدت بتسهيل الأمور. ثم لم تولي الأمر اهتماماً .. لم أكن أستطيع أن أذهب إلى القاهرة مرتين، فكان علي أن أختار أن أمثل بلدي في قصيدة النثر أو اذهب لاستلام جائزتي الشخصية. وككل الأخطاء التي لا نتعلم منها، قررت أن أذهب لأمثل بلدي. ولا أعتقد أني أحس بأني مكبل جراء ذلك.
– تبدو وكأنك تكره الصحراء وتحسها بمثابة سجن للجسد والروح ؟
إن ظروف عملي تحتم علي الذهاب للصحراء والبقاء فيها لأسابيع. هذه تجربة فريدة ومهمة. وإذا أخذنا مقولة الكاتب إبراهيم الكوني “الصحراء فردوس من عدم” على محمل الجد، سنجد أن هذا التناقض الموجود في الجملة هو ذاته الموجود في الصحراء. إنها واسعة وضيقة في نفس الوقت، وهي تبدو كشيء حدث مرة واحدة بشكل لانهائي. ليبيا معظم أراضيها تقع في الصحراء، ومهما كنت بحري الهوى، فأنت تشعر بالانتماء بشكل مبهم إلى ذلك التيه الذي تمثله الصحراء.
أنت مهتم جداً بالنص البصري، ويبدو هذا جلياً في شعرك.
نعم أنا مهتم ليس بالتصوير الشعري فحسب، بل مهتم أكثر بتكثيف هذه الصور الشعرية. إن من يعش حالة الحرب، يفهم هذا الشغف والقلق. إنه كالركض هاربًا من الرصاص والانفجارات حاملاً كاميرا. إنك تعتقد أنها النهاية حتماً _ وربما كانت كذلك _ فلا تستطيع التوقف. لا تستطيع إلا أن تستمر حتى نهاية النص.
– هل تجربة الثورة وما تلاها جعلتك مهتماً أكثر باستجلاء الحياة والموت كتجربة؟
ليست الثورة بقدر ما هي الحرب. الحرب_ وأنا لا أستطيع قول ذلك بشكل مباشر_ مفيدة لأي فنان. إنها عصف ذهني، وعصر أحاسيس، وتداخل عدة مشاعر في نفس الوقت؛ إنها انفجار هائل في الوعي الإنساني. تعرف حينها بأن كل شيء هراء، فلا الجمال ولا الأخلاق ولا الأعراف ولا الدين استطاع أن يوقفها. إنها تجعلك عنوة عنك تقف متشككاً من كل المنظومات القديمة التي سيرت حياة الناس؛ إنها تعرينا أمام أنفسنا؛ تخرج لسانها أمام كل ما نظنه مقدس.
– بات معروفاً أن قصيدة النثر منشغلة بـ”اليومي والمعيش”. لكنك في قصائدك مشغول بأفكار فلسفية ووجودية، كالحياة والموت، الآلهة وما يرضيها… إلخ، فما رؤيتك لقصيدة النثر ؟
في الحقيقة لا أعرف ما هي قصيدة النثر. إني لا أميز بين الأصناف الأدبية. أكتب كما أرغب بأن أكتب، بكامل قلقي وانفعالاتي وعرقي ومخاوفي. لا أفكر حتى فهل ستعجب أجد أم ستغضبه. إني أفعل هذا الفعل، والذي مازلت أظن أنه غير صائب، اقصد الكتابة. إنه نوع من الضغط الداخلي لطرد العالم الخارجي. لا توجد لي رؤية محددة وواثقة أو واضحة؛ إني أتسكع أكثر من كوني ذاهب باتجاه ما.
– لم تبدو مشغولاً بالثنائيات والمتقابلات، الضوء والظلام، التعري والتخفي، السماء والأرض، الروح والجسد، السكون والحركة، الموت والحياة ؟
لأني أظن أننا نقع تماماً بين هذه الأشياء، لسنا في الأطراف؛ نحن نتاج تفاعلات مربكة ما بين مواد العدم والوجود. لسنا أشرار بالكامل، ولكن أيضاً لسنا أخيار بالكامل. إننا نتاج عمليات معقدة من التراكم المعرفي. نحن معجونون ومتداخلون، الحياة كلها هكذا. لذلك أحاول التفكيك وهي ليست محاولة فهم بقدر ما هي محاولة تركيب وخلق عوالم أخرى.
– تبدو قصيدتك انعكاسًا لجملة للكاتب إبراهيم الكوني، اقتبستها ذات مرة: “الحرية ليست ملاذاً، لكنها صليب”.
ربما، في الحقيقة لا أعرف. لكن جملة الكوني فاتنة ومخيفة. ربما لا توجد حرية من الأساس؛ ربما هي شعار مزيف. منذ فجر الكون وهذا البائس المسمى إنسان يحلم بالحرية، ومنذ فجر الكون وإلى هذا اليوم وهو يجر سلاسل عبوديته أينما ذهب.