المقالة

دور المثقف

متابعة لحديثنا السابق عن المثقف، سنتوقف في هذا المقال عن دور المثقف، في حاول لإكمال الصورة التي بدأنا في رسمها في مقالنا السابق.

يرى الكثير؛ إن المثقف هو صوت الأمة ولسان شعبها، والعين التي يرى من خلالها المجتمع ما يحدث في العالم من مجريات وأخطار، بكافة أشكالها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

وبالتأسيس على تعريف الفيلسوف الإيطالي “غرامشي” للمثقف، والذي أوردنا في مقالنا السابق، فإن دور المثقف ومسئوليته تجاه المجتمع؛ هو أن يكون المثقف لسان حال المجتمع والناطق باسمه، وصداها الإعلامي الداعي لأفكاره، والناشر لمبادئه، أي انتمائه لمجتمعه.

في ضوء ما سبق، يتضح جلياً، الدور المهم للمثقف، وعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه، والتي تجعل منه قائداً، وهذا يذكرني بكلمة السيد “عمرو موسى”؛ الأمين العام لجامعة الدول العربية عندا قال: (المثقفون اليوم هم جنرالات المعركة المقبلة وقادتها ومحددو نتائجها، لقد بات عليهم من الآن فصاعداً القيام بدور محوري في معركة الدفاع عن الأمة وحضارتها).

ولكي يقوم المثقف بدوره الكامل، عليه أن يؤمن برسالته، وألا يكل أو يمل من أجل المضي فيها، وتبصير المجتمع بحقوقه وتعريفه بواجباته، وعليه أن يدرك، أن طريقه ليست دائماً مفروشة بالورود، وأنه سوف يمشي على الشوك، وأنه سيتعرض للهجوم، والمقاومة؛ مِن مَن؟

من أي جهة ترى إن ما يقوم به المثقف، ويبشر بع يتعارض مه مصالحه. والمصلحة هنا تعبير مجازي عما يمكن ان تكونه هذه المصالحة، والتي يمكن تصورها كتيار أو اتجاه، أو نظام.

يقول سارتر: مهمة المثقف إزعاج السلطة!!!

قد يسأل سائل: لماذا الحديث عن السلطة، والزج بها، في موضوع يختص بدور المثقف؟

سيكون من الصعب الحديث عن دور للمثقف، دوم الحديث عن السلطة؛ فالمثقف ليس وحده من يرتبط بالمجتمع، فهناك السلطة، وغيرها مما يرتبط بالمجتمع.

تنشأ علاقة المثقف بالسلطة عن ضرورة إنتاج كل مجتمع لنظام ما، قد يكون قيمياً أو تشريعياً أو رمزياً أو سياسياً، ويتكون هذا النظام بهدف ضبط مفاصل تشكيلية اجتماعية معينة، واحتواء ما يستجد داخلها. ولكي يكون هذا النظام ناجحا ويقوم بدوره لابد أن يقوم على معرفة، فوراء كل نظام مهما كانت طبيعته ومقوماته معرفة ما، أي ثقافة. والسلطة من هذا الباب هي أيضاً، والمثقف كيفما كان مجال اختصاصه، هو الذي يزود النظام بوسائل الضبط بواسطة المعرفة التي ينتجها.

إذن؛ فالمثقف يقف بين المجتمع والسلطة، وفي معيار الثقافة، فإن المثقف يعمل بين ثقافتين؛ ثقافة المجتمع، وثقافة السلطة. وهذا مؤداه إن العلاقة ما هي إلا علاقة ثقافية، أو صدام ثقافي، أيهما يصعد على الآخر، المجتمع أم السلطة؟، والمثقف هنا هو القائم بدور القائد للمجتمع.

نعم، السلطة هي أكبر عائق لدور المثقف، ولهذا قال “سارتر” بأن: مهمة المثقف إزعاج السلطة، وهذا الإزعاج ليس إزعاجاً مقصوداً لذاته، إنما إزعاج مقصود للمصلحة، غايته تنوير المجتمع، وتوعيته، وهو ما يجعله على درجة الند من السلطة، خاصة في الأنظمة الديكتاتورية، التي لا تريد للمجتمع إلا أن يكون عبداً لرغباتها، وفأر تجارب لما تفرزه من أفكار وتنظيرات، لأن وعي المجتمع يكشف لعبته، ويعريه، ويجعله عالماً بحقوقه، التي سلبه إياها النظام الحاكم.

وكون السلطة عمل الحاكم، فإن عمل المثقف سيكون ضمن دائرة الحكم، التي تسيطر على المجتمع، وسيخضع هذا العمل لتقييم الحاكم، ومدى موافقته لمعاييره.

وهذا ما يجعل العلاقة مضطربة بين المثقف والسلطة في الأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية، والعقائدية، على العكس منها في الأنظمة الديمقراطية التي تعلي من شان الفرد، ودوره في المجتمع. وبمعنى آخر؛ تعكس درجة تقدم الشعوب درجة قيام المثقف بدوره.

في لقائنا القادم سيكون حديثنا عن المثقف المبدع.

مقالات ذات علاقة

مجلة المؤتمر.. عندما رفعت ألوية المعرفة .. من عرين الأسد

زكريا العنقودي

الوسطيّة المفترى عليها

المشرف العام

استعادة ليبيا المتحدة ضمان لليبيا الواحدة

أمين مازن

اترك تعليق