المقالة

استعادة ليبيا المتحدة ضمان لليبيا الواحدة

ليبيا
ليبيا

لم يكن النظام الإداري الاتحادي الذي قامت عليه دولة ليبيا المستقلة في أربعينيات القرن الماضي، قد جاء عن مؤامرة استعمارية كما روجت بعض الأطراف السياسية التي صارعت على الحكم، بقدر ما كان عن واقع ساد الأقاليم الثلاثة المتمثلة في برقة وطرابلس وفزان، عندما خضع الأول والثاني للجيش البريطاني الذي جاء من شرق البلاد وغربها، ومكّن الولايات المتحدة الأمريكية من إنزال قواتها في قاعدتي الملاحة بمدينة طرابلس والوطية بغربها.

في حين كان لوصول القوات الفرنسية من تشاد وبرفقتها السيد أحمد سيف النصر، ومن معه من المسلحين الذين سبق أن نزحوا إلى هناك، عندما تمكنت القوات الإيطالية من احتلال ليبيا كافة، لتنشيء ما استطاعت إنشاءه، بعد أن قتلت من قتلت وسجنت من سجنت وفرَّ منها من استطاع الفرار.

فنتج عن ذلك كله الالتزام الدولي بتقرير مصير ليبيا وفقًا لأقاليمها الثلاثة وطبقًا لرغبات سكانها الذين مثّلهم أكثر من تيار وتحدث باسمهم أكثر من طيف، لتنتهي الغلبة لتيار الاتحاد الذي قامت عليه المملكة الليبية المتحدة، ويبقى الاتحاد إلى أن تدفق البترول واحتدم صراع المصالح لتأتي الوحدة في العام الثالث والستين من القرن الماضي، دون أن تجد صدى شعبيًا، ولم تنتج عند المراجعة الصحيحة سوى تكريس السلطة بيد الملك الذي أخذت الشيخوخة تؤثر في أدائه وتوفر الفرص للإجهاز على عرشه، حتى كان ذلك الخريف الذي ترك فيه البلاد لأشهر ثلاثة لم تُختتم إلا بمحاصرة ولي عهده ونائبه في ذلك الصباح.

ليذيع تنازله عن العرش وتعلن الجمهورية وسط تأييد شعبي عارم لا ينكره سوى من لا يحترم نفسه، فيقوم نظام يدوم أربعة عقود ونيف بدأت بتصفية القواعد العسكرية التي فقدت استراتيجيتها، ولم يعد أصحابها ليقبلوا ببقائها، اللهم إلا إذا سُدِّدَت عنهم نفقاتها، فلم يكن لخروجها من بريق سوى الضجيج الإعلامي الأرعن واستبدالها بالتسلح وتنامي النزعة العسكرية وإشعال النيران في أكثر من جبهة ولأكثر من دافع، حتى هبَّت زوابع الربيع العربي التي اقتلعت ضمن ما اقتلعت نظام الفاتح، ويتم التوجه إلى صناديق الاقتراع ويلوح ما يبشر ببلوغ شاطئ الأمان، لولا أن للمصالح سلطتها التي لا تقاوم، وشهوة التمكين لها العرف الذي يفوق كل الأعراف.

فتستعر نيران القبيلة والإيديولوجيات وتزييفات المحاصصة فتبدو العودة إلى النظام الاتحادي أبرز الخيارات التي قد تتكفل بإعادة العجلة إلى سكة السلامة، في حالة ما توفر للأقاليم الثلاثة قانونها الأساسي الموحد وحاكمها المنتخب، ومجلسها الرقابي المنتخب، مع توزيع عادل للثروة، وميثاق توزع بموجبه المناصب القيادية والمؤسسات السيادية بما يشيع الإحساس بالشراكة الحقيقية القادرة على تعميم المسرة بالحاضر.

والثقة في المستقبل، مما يجعل في العودة إلى الاتحاد أو الأقاليم الخروج من مأزق البلديات، وما أدى إليه من تخريب كل شيء وشعارات الوحدة الوطنية والاستقرار مجرد محاولة لإخفاء مسلسل النهب والإمساك بالسلطة وممارسة أحقر السياسات التي لن تؤدي إذا لم توقف إلا إلى اختفاء ليبيا من خريطة الشمال الأفريقي، وبالضرورة الوجود الدولي، فتكون استعادة ليبيا المتحدة هي الضمان الحقيقي لليبيا الواحدة.


بوابة الوسط: 5 ديسمبر 2022.

مقالات ذات علاقة

ملاحظة تفوق الاعتراف

شكري الميدي أجي

كِتَابٌ عَاصَرَ الطُّوْفَانْ

يوسف القويري

الصحف ودورها الريادي

سعاد الورفلي

اترك تعليق