من أعمال الفنان محمد الشريف.
قصة

مفتاح

مفتاح يشعر بضيق شديد، فالوقت جاوز منتصف الليل، ولاشى يلطف هواء غرفته الواسعة بعد ان تعطل مكيفها منذ يومين، وزاد من همه وضيقه، كدس أوراق الأجابه الذي لم ينته من تصحيحه، فجاءة رمى بالقلم، ثنا ورقة من منتصفها وبدأ في محاولات جلب الهواء اللطيف لوجهه، شعر بجدوى ما يفعل لثوان، ثم ألحق الورقة بالقلم وحاول أن ينام.

مفتاح معيد بقسم اللغة العربية في الجامعة، ومع بداية الامتحانات النهائية، يصبح شخصاً مهماً على غير العادة، ومحط اهتمام زملائه حملة الماجستير والدكتوراه من جميع الأقسام، فيتسابقون على مكتبه، فيما يشعر هو بالحرج منهم ولا يرفض لهم طلب.

اللغة العربية مادة عامة، ومقررة على كل الأقسام في الجامعة، وبعد أن يتم نزع قسيمة أسم الطالب وقسمه ووضع رقم الجلوس، يستلم كل أستاذ في ظرف مغلق أوراق مادته لتصحيحها، وهنا يرفق كل زميل لمفتاح، رزمة أوراقه بنموذج إجابة ويربطها بخيط ويشرع في البحث عنه.

في هذه الأيام تعودت والدته عليه، وهو يركل باب الشقة بقدمه، وينتظرها لتفتح، لان الأوراق تحجب صدره وبعض من وجهه وتمنعه من فتح الباب بالمفتاح، يرمي بها في ركن غرفته كيفما أتفق، ويهرع مسرعا لباب الثلاجة يفرغها من كل ما يجده ماء.. عصير.. برج دلاع.. طماطه.. المهم شيء بارد. ثم يمضي بقية مساءه كالمعتاد، وبعدها يتفرغ بكل فتور لتصحيح الأكداس حتى وقت متأخر من الليل.

لم يستطع النوم فعاد لتصحيح ما تبقى من الاوراق ولفت أنتباهه ورقة أجابه في نهايتها سطور مكتوبة بلون مختلف وبخط مائل ردى وإملاء ركيكة . (الأستاذ المحترم أرجوك تتصل بي ضروري، (جدن) أنا عندي مشكلة، والحل عندك وهذا رقم الهاتف 903288) انتهت الرسالة. راجع الورقة من جديد، وتعذر عليه معرفة أسمه وقسمه، ركنها بعد أن رصد درجتها، والتقط التي تليها، لكن فضوله غلبه فقرر أن يعرف صاحبها.. فأتصل. ثواني سريعة ورد عليه صوت أجش أزعجه

– الو نعم

ارتبك مفتاح وأخيرا نطق:

– أهلاً … (ألقيت) رقمك مكتوب في ورقة الإجابة

سادت فترة صمت حسبها مفتاح طويلة جداً فكرر مفتاح

– الو

– معقولة ياخوي نص الليل وتعاكس (طرباق وسكر عليه)

ضحك لكنه تشمت (تستأهل يامفتاح) قالها لنفسه وبسرعة نسى الموضوع واطفا النور ونام..!!

في الصباح شرب قهوته على عجل وخرج، وبصعوبة فتح صندوق سيارته الخلفي ورمى بالرزم المصححة، وانطلق للجامعة وقبل ان يقصد مكتبه سلمها كلها لزملائه، وقرر ان يتوقف عن استلام المزيد، لم يمض يومه كما يحب، وحتى لا يقع في الحرج من باقي الزملاء غادر قبل نهاية الدوام.

ركن سيارته خلف العمارة المجاورة، وشعر بالبهجة وهو يتأبط (دلاعة) ويصعد بها، وزادت بهجته وهو ويفتح الباب بهدوء، مفأجئا والدته حضنها بحنان وقبل راسها بحب وفرحت هي لدخوله بلا أوراق، ولا أوراق بعد اليوم قالها بصوت فيه نبرة تأكيد صدقتها والدته، التي يستعد ليقضى معها مساء جميل ومختلف.

– ما وقفت اتصال وهي تسال الساعة كم تروح ..قالت أمه

– من؟

– ما نعرفش قالت أنا زميلة أستاذ مفتاح

زم مفتاح شفتيه وهو جد مستغرب عمن تكون هذه الزميلة؟؟، ولا يتذكر أن رقمه عند زميلة من الزميلات فمن هي؟ وكيف عرفت رقمه؟ وماذا تريد منه؟ شعر بنوع من الضيق، الذي عكر مزاجه.

علاقة مفتاح بالجنس الخفيف كما يسميهم أكتر من فقيرة، والأسباب كثيرة ولا يفيد عدها، لكن أهمها بحسب مفتاح ما حصل معه في عامه الجامعي الأخير حين أستلطف سكرتيرة رئيس القسم، وتطورت العلاقة بينهما أن صرحت له بأعجابها به مرة، فجاملها رغم أنه لا يبادلها نفس الاعجاب، وكانت المعجبة بمفتاح والمتيمة به كما كان يتصور أو كما صورت له (شينه) لا فرق بينها وبينه في الوسامة، باستثناء اسنانها الأكثر بياضاً من أسنانه، وفمها الأصغر كثيرا من فمه، ماعدا ذلك لن تجد فارق فمفتاح يفوقها في رشاقته وقليل جدا من خفة الدم المعدومة عندها.

في ذلك اليوم زار مفتاح رئيس القسم، ولم تكن في مكتبها فدلف مباشرة لمكتب الرئيس، الذي أستأذنه ليخرج وطلب منه أن ينتظره حتى يعود. وهو داخل المكتب، سمعها تدخل مع زميلة لها، وتحكي عنه، لم تترك شيئا فيه لم تذكره بسوء، مشيته ضحكته وقفته أسنانه، هندامه، ثقل دمه، حتى أذناه طالهما التنذر، عندها تحسسهما وخرج.

– خيرهم (أوذاني ياشينه)

منذ ذلك اليوم، ومفتاح عنده كل النساء ناقصات حكمة وعقل وكلهن عنده غير متزنات وغير جميلات، وفر على نفسه كثير من المتاعب، وأخدها من أقصر طريق ليبتعد عن التفكير فيهن.

لكن هذا اليوم أحس بأن هذا الاتصال غريب، وسأل أمه وعاود السؤال، أمه لم تمل من الإجابة والتكرار، وهي تسال منو هاذي يامفتاح، وهو يؤكد أنه لايعرف ويسال (شن قالتلك يا يام).

– قلت ألو قالتلي هذا منزل الأستاذ قتلها أنعم هو هذا منزل الأستاذ مفتاح قالتلي ممكن تعاوديلي الرقم عاودتلها الرقم

– باهي.. قال مفتاح وهو يتقمص دور مش ليه

– باهي شنو خلاص سكرت وكل شوي تعاود تقول أمتا يروح الأستاذ مفتاح

رن الهاتف.

الهاتف يرن وهو يشير اليها بأن ترد وهي تشير اليه هو إشارات الايادي وكأنها تراهم المهم توجهت الام عدلت من هندامها، ورفعت السماعة

– ألو

– ….

– أيه يابنتي توا بس رجع

مدت له السماعة وهي تهز راسها جذلانة بفرحة لم تسعها وتركته وخرجت المهم أن مفتاح يعيش قصة حب مسموعة متكاملة الأركان، عرف عنها كل ما يريد أو كل ما تريده أن يعرف ألا رقم هاتفها وكيف تحصلت على رقم هاتفه.

مفتاح يقرر في كل مرة أن يقطع علاقته بها، لأنها مترددة دائما في اللقاء به، رغم أنه أحبها بصدق كامل، وحتى قرر أن يخطبها، لكنها تجبره على الاستمرار في العلاقة المسموعة التي ملها حاول أن يعرف رقمها، سأل أصحابه أحدهم نصحه بأن يستبدل جهازه القديم بجهاز ديجتال فيه ميزة أعادة الاتصال ومعرفة الرقم، أمه من جانبها لم تعد راضية على ما يفعله ولدها حتى أنها قالت له مرة.

– يا فتوحة ياوليدي أنت مانك صغير وبنات الناس ماهن لعبة.

ولأنها تتلاعب به وبمشاعره أتخد قراره حاسماً بتركها وقطع الاتصال معها منذ هذه الليلة.

قبل أن يفعل ذلك وعندما تأكدت أنه سيقطع علاقته معها وفي وسط المكالمة الأخيرة سمعها مفتاح تضحك ضحكة مؤذيه وصوت أجش خشن

– سامحني أستاذ مفتاح

– ألو

– كنت (نبصر عليك)

– منو أنت …؟

– أنا اللي كتبتلك رقمي في ورقة الإجابة…. !!!.

في اليوم التالي عاد مفتاح يركل باب شقته برجله وينتظرأمه لتفتح لان رزم أوراق الإجابة التي تحجب صدره وبعض من وجهه تمنعه من فتح الباب بالمفتاح.

مقالات ذات علاقة

ما كتبهُ القادم من أعتاب نفسهُ على مذكرته وما سيحكيهِ لي لاحقًا وهو يفرغُ الكأس في جوفه

محمد المصراتي

ضباب…

أحمد يوسف عقيلة

إحدى عشر قصة قصيرة جدًا

حسين بن قرين درمشاكي

اترك تعليق