قدم الأديبة والباحثة شريفة القيادي كاتبة الخاطرة والمقالة والقصة والرواية والسيرة والباحثة الأغزر إنتاجا -في تاريخ الاصدرات النسائية الليبية- في كتابها (رحلة القلم النسائي الليبي-1997م) دراستها التوثيقية والتحليلية التي هي في أصلها رسالتها لنيل الماجستير والتي استغرقت سنتين ونصف السنة في الإلمام بمتنها في جهد رائد مبكر ودؤوب مُثابر (إذا ما علمنا إنها الزوجة والأم) والذي ترصد حضور المرأة فيه منذ حادثتي 1911م و1921 وظلالهما على وضع نساء طرابلس، كما تُعمل بحثا وتنقيبا عن أي شاردة أوواردة تُلقي بالا لأي صدى أوحراك نسائي مُنطلقة من: جريدة طرابلس الغرب، اللواء الطرابلسي، برقة الجديدة، الوطني، فزان، الليبي، الأخبار، الرائد، الطليعة، الحقيقة، البلاغ الجهاد، الفجر الجديد الاسبوع الثقافي، وأعداد مجلات صوت المربي، ليبيا الحديثة، والمرأة الجديدة، (أرجوأن لا أكون قد نسيت جريدة بحثت فيها شريفة) وذلك ما سيُعرف بأساليب الخطاب الصحفي آنذاك…
فشريفة تقدم شواهدها ونماذجها المقتطعة، وأحيانا الكاملة لكل ما يُدلل على ما زخر به المشهد الصحفي والأدبي آنذاك، وفي ذلك أولا: ما يُمثل المُتعـة والإفادة في آن واحد لقُراء وقارئات لم يعاصروا (وفي ظني حتى من عاصروا وأمد الله في أعمارهم سيجدون مُتعة وحميمية) تلك الحقبة النشطة والمُزدهرة لمجمل الدوريات الصحفية بكل أعدادها منذ بواكير أربعينيات القرن المنصرم وحتى منتصف عقد السبعينيات (الفترة الزمنية المبحوث فيها) وثانيا: كونها مرجعية أساسية لكل من يبحث في مرحلة التأسيس والتأصيل (البدايات) إذ عمرت الصحافة بدورياتها المتعددة بالمقالات والزوايا الخاصة بأقلامهم وأقلامهن التي تلح في دعوتها لتوجه النساء الى العلم والعمل للمساهمة في نهضة البلاد (صالحة ظافر، الطاهر برشان، محمد فريد سيالة، ربيعة بن مولاهم، محمد الشويرف،…)…
كما ستوثق شريفة أيضا للآراء المُعارضة والمُخالفة مما يوحي بالمناخ السجالي الذي كان براحه مفتوحا، والذي ستظهر أثناءه وبعده أخبار وإعلانات تأسيس مدارس لتعليم البنات، واختبارات للمعلمات، وولوج فتيات الى الجامعة، ثم ظهور جمعية النهضة بطرابلس أُسوة بسابقتها ببنغازي، وسَتنبري العديد من الكاتبات في مجال المقالة الهادفة لدفع المرأة وتشجيعها: مثل منوبية عكاشة، وبدرية النعاس، ونجية الطرابلسي، رباب أدهم، بهيجة الهادي المشيرقي، آسيا غانم، آسيا عبد العال، ليلى العرادي وغيرهن اللاتي سيواظبن على الكتابة مع الزاوية المخصصة لأخبار ونشاطات جمعية النهضة…
ثم مرحلة بروز الكتابة الأدبية خمسينيات وستينيات القرن الماضي من شعر وقصة ورواية وسيرة، تعرض شريفة لقصص الرائدة زعيمة الباروني، وسيرتي خديجة عبد القادر في مصر (التي نشرتها في كتابها المرأة والريف) ولندن، (التي نشرتها في حلقات 31 بجريدة طرابلس الغرب ولم تصدرها في كتاب) وأشعار كاتبة المقالة كوثر نجم (ستُصدر ديوانيين فجر وغيوم 65م، ونداء المعركة 68م) وصدور مجلة (المرأة 1965م) التي ترأستها السيدة خديجة الجهمي، وقد كانت المُعلمة والشاعرة والكاتبة ومُعدة ومقدمة البرامج الاجتماعية التوعوية.
من أين لي أن أفي عرض هذا الكتاب القيم حقهُ إنتاج صحفي غزير، وأسماء كثيرة وكبيرة، وتفاصيل لاشتغالهن المُؤسس المُتحمس، ومن نماذجهن أيضا: صليحة تربح ومقدرتها الجيدة في تفصيل موضوعاتها (تذكر شريفة أنها كتابات ذات اتجاه فلسفي عميق (والسيدة حميدة البراني من ستكتب في زاوية يوميات (بجريدة الحقيقة) كما سيشغلها كتابةً (الصادق النيهوم) و(رشاد الهوني)، حميدة ذات الروح المتمردة والنفحة الثائرة -حسب رأي شريفة- والتي تعتبرها أيضا كاتبة صريحة وشفافة حين عللت: الحياة الأسرية تريد ذلك، والأزواج أيضا!!، لقارئة تنتقد ظاهرة توقف أقلام ونتاج الكاتبات إثر زواجهن (وتقصد حميدة بعينها )…
سنتعرف على الكاتبة والروائية مرضية النعاس من تلتزم بالكتابة اليومية في جريدة الفجر الجديد عام 1974م إذ تشرف على صفحة الأدب، وزاوية الصباح و(الاستراحة)، وستكون (غزالة) العنوان والمرأة البطلة في مجموعة قصصها الخمسة عشر التي ستقدم شريفة قراءة ناقدة لها…
أيضا القاصة صديقة عريبي ، والشاعرة صبرية عويتي وشقيقتها نادرة عويتي، والمُعلمة والصحفية لطفيه القبائلي وأول مشاركاتها 1958 في جريدة طرابلس الغرب (حيوها) موجهة خطابها الى المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، ثم واصلت نشاطها في أبوابها الثابتة بمجلة المرأة الجديدة منذ 1969م: (من ثقب الباب) و(مواقف عائلية) بالإضافة الى التحقيقات المتنوعة ونشرها القصصي (أماني معلبة)…
فوزية بريون الشاعرة باسمها المستعار (أميمة أحمد) التي تحرض في إحدى مقالاتها (أكتوبر1969م) على أهمية تأمين نقابة أومؤسسة تجمع جهود الكتاب على أساس من الحرية الكاملة والناضجة…
ترى شريفة القيادي ان فترة الستينيات هي فترة التطور والنضج في مسيرة الحركة الفكرية النسائية بتعدد منابر الكتابة وتعدد الأقلام والانتقال من مجرد المقالة الصحفية الى الكتابة الأدبية، كما وتُشيد بلحظات هامة في تاريخ الحركة النضالية الوطنية النسائية أبرزها مشاركة المرأة في المظاهرة المعبرة عن غضبتها لسقوط شهداء يناير1964م، ووقائع المشاركة النسائية في المؤتمر الأول للكتاب والأدباء الليبيين 1968م، والاستفتاء الذي طرحت أسئلته (مجلة المرأة) بعد شهر من قيام الثورة على مجموعة من الكاتبات الليبيات حول تقييم الحركة النسائية ودورها قبل الثورة…
الطريف أن شريفة لم تهمل أقلام القُراء والقارئات وأدخلته في متن بحثها (بعثوا برسالة لمحرر الصفحة مثلا أورد على مقال ولمرة واحدة فقط) ومنهن نورية عبدالسلام، آمال أنور، فاطمة محمد حسين، وغيرهن، كما إستندت في بعض ما وثقت له الى إجابات لأسئلة قاربت 30 سؤالا، وجهتها الى السيدات الرائدات صحفيات وأديبات، وقد أضفت كشهادات مكتوبة مصداقية للبحث، وعززت أيضا من بعض الشواهد والأدلة المستعان بها كوثائق حية، وقد كانت شهادتها الشخصية جزء من أدلة وأسانيد لإثبات المعلومات عن شخصيات نسوية عرفتها عن قرب سنوات الدراسة…
أوأثناء ولوجها للمشهد الثقافي ككاتبة وأديبة منتصف السبعينيات. (رحلة القلم النسائي الليبي) بمتنه الذي قارب ال450 صفحة!، للكاتبة والأديبة شريفة القيادي سفر في عبق الكِتابات البكر ذات الهم والسؤال النهضوي والمعرفي والتي عاركت قولا (وربما صرخت مُجلجلة) وبادرت فعلا بكوننا جزء من هذا العالم قريبه وبعيده، ولنا الحق في أن نكون كما نحلم ونريد، تحية للسيدة شريفة وتحية لأقلامهن التي أرست لجسر راسخ وثابت لعبور ومسيرة من جئن بعدهن.