حاورتها : هيام الفرشيشي – تونس
hoferchichi@gmail.com
للشاعرة والقاصة والروائية رزان المغربي طقوس خاصة للكتابة ، فهي لا تتقيد بمكان معين، ولكنّها تفضل الصباح الباكر والخلوة والهدوء، لتبذل أكبر طاقات الخلق . وهي بهذا المعنى امرأة نهارية تحبذ أن تنبعث اليها رائحة القهوة اثناء الكتابة.. وهي حركية أيضا..
كانت تكتب كثيرا أثناء سفرها ، فتحمل معها كراسات كثيرة . لكنها ترتئي الآن أن تمتنع عن الكتابة أثناء السفر حتى تعيش اللحظة بكل جماليتها ، لتكتب فيما بعد عن تجربة السفر والمدن التي زارتها . فتضيف إليها من روحها وخيالها وتحقق بذلك متعة كاملة، متعة الحياة أثناء السفر، ومتعة الكتابة أثناء الرحيل في الحلم والذاكرة وإضافة معنى للحياة .
كيف تشكل لديك الوعي بضرورة الكتابة من منطلق الذاكرة إثر كل سفر؟
إن في الكتابة الآنية أثناء السفر تقسيم لمتعة الكتابة الى نصفين، تماما كرسام يحمل لوحته نحو الطبيعة ليرسمها، أو مصور فوتغرافي يرى الحياة من خلال العدسة دون أن يضيف لها شيئا، ولكن الرسام الحقيقي يعيش الحياة ثم يعود الى اللوحة ليرسم، فيكون تشكيل اللوحة مضافا إليه تفاعله مع الحياة وإعادة خلق فضاءات أخرى يصنعها على لوحاته، فالكتابة والتشكيل خاصيتي الإبداع .
الكتابة لدى رزان المغربي متعة تتحقق بالسفر، بالمشاهدة ، بالتأمل بالامتلاء، بامتلاك ذاكرة زاخرة بالمدن والوجوه والأصوات والصمت ، كيف تفسري لنا هذه المتعة ؟
ـ الكتابة صورة، والكتابة عن الواقع صورة للمبدع إذ يضيف المبدع رؤيته الخاصة لهذا الواقع، فيرتب الصور الواقعية للقصة أو الرواية أثناء الكتابة، ولا ينقلها حرفيا. وأنا «أتلذذ» فعل الكتابة باستخدام أشياء خاصة بي، كراسات مميزة بأحجام ـ مختلفة ـ أقلام جذابة أختارها لأنها تعجبني من الوهلة الاولى .
أكيد أنك تملكين صورة واضحة عن العملية الإبداعية لديك بكل فضاءاتها وطقوسها. حتى من خلال الطاولة التي وضعت عليها اشياء كثيرة.. توحي للناظر إليها بالفوضى التي تجسد أقصى حدود الحرية لدى المبدع .. أين تشع الصورة أكثر في كتابتك، في الشعر، القصة، أم الرواية ؟
ـ في القصة القصيرة، فهي صورة ألتقطت بعدسة التصوير الفورية، لكن مع إضافة الخيال دون إهمال الجانب الفني، القصة القصيرة تلتبس داخلي مع الصورة، فقبل كتابة القصة، أصنع صورة، وأعتمد فنيات التشطير والقطع لأرسم الشخصية وصداها في مشهد مختلف يعبر عن عالمها الداخلي، والصورة في رأيي أقوى من الكلمة بدليل أن للصورة سلطة اللوحة التشكيلية، فعلينا أن نذهب اليها وقد لا نمتلكها الا في حالات نادرة .
هل اعتماد الصورة كقوة عاطفية وتأثيرية في القصة تمرين للذاكرة البصرية ؟
ـ من خلال كتاباتي الصحفية سابقا عن الفن التشكيلي وجدت لما كتبت صدى في القصة التي تعتمد على الذاكرة البصرية وامتلاك ادوات الرسم، ففي مجموعتي الشعرية «الجياد تلتهم البحر» قمت برسم البحر ودلالاته الرمزية.. رسمت أكثر من لوحة بل حاولت ان يسمع القارئ أيضا صوت ارتطام الموج بالصخر. قد وظفت كل قدرات اللغة من أجل تحقيق ازدواجية الصورة والصوت فيشاهد ويتصور (القارئ) .
لقد تناول النقاد قصصك ولم يتفطنوا الى موضوع الصورة ، فما الذي اضافه النقد لك؟
لقد أشاد النقاد بحسن اختياري لمواضيع قصصي، وتناول اللغة، واعتماد لعبة المباغتة وكسر أفق انتظار القارئ، ولكن هناك هنات أخذت عليها قد ترتبط بقصصي ذات المواضيع الانسانية الاجتماعية والتي تتطلب تقديم الحدث أو حالة الشخصية، ثم الانصراف الى التدقيق أو التصعيد أو التنامي، فقد كنت أقدم صورة انطباعية دون أن أفككها، كان لديّ ضعف وهو التداعي، وهي مرحلة تخلصت منها في القصة، ولكنها إشارة لدخولي عالم الرواية. وعموما أتمنى أن تقدم قراءات نقدية عن كتبي من طرف نقاد لهم خبرة خاصة وأني أجد نفسي في القصة القصيرة، فقد تطورت أدوات القص لدي، فلكل قصة شكل خاص وكل مضمون يطرح شكلا خاصا .
ماهي العلامات التي تحبذينها في القصة القصيرة في ليبيا وماهي الإشارات المستهجنة لديك ؟
أحبذ في ليبيا تجربة تركية عبد الحفيظ ، فهي تنقل الحدث بلغة اقتصادية وتعلن عن موقفها دون محظورات. هي تعطي للنص القصصي حقه وتطرح مشكلات الواقع دون إشارات حمراء وعندي اعتراض في بعض التجارب القصصية الحالية في ليبيا بسبب الاستخدام المفرط لللغة العامية .
في مجموعتك الشعرية (إشارات حمراء) لوحات نسافر من خلالها الى عوالم الحلم والحب والحياة وعبق الذاكرة فكان الشعر التجربة الأولى لديك لاقتحام عالم الكتابة والنشر. فلم توقفت عن الاصدار الشعري ؟
إن سبب توقفي عن خوض مغامرة الكتابة الشعرية سقوط الشعر وتراجعه، كما أنني أنشد الإضافة والتميز وأجد نفسي أكثر في كتابة القصة. لقد ارتبط الشعر لدي بطفولة الكتابة. وبالتعبير عن دواخلي في بداياتي . ثم اكتشفت أن خيالي أكثر تحليقا في القصة بفضاءاتها الواسعة وبلغتها الشعرية أيضا .
لا يمكن لقارئ مجموعتك الشعرية (إشارات حمراء) أن لا يتفطن لمغامرة شعرية لأنثى تتسم بالجرأة وبدعوة الاخر للمغامرة، فهل تعتبرين نفسك خارجة عن سرب الشاعرات بليبيا ؟
الشعر تجاوز الخطوط الحمراء في التعبير عن المكبوت واللغة الشعرية لا تتقيد بحدود. ولغتي أشبه بالصعلكة.. فعندما تكتب المرأة بجرأة عن العلاقة بعاطفتها أو جسدها شعريا فإن القارئ سيتوجه بالاستنساج بأنها يجب أن تكون خاضت تلك التجربة في الواقع . والمرأة الليبية تتقيد بتقاليد المجتمع في معيشها وهو الظاهر أصلا.
فإذا ما كتبت نصا يكسر المحرمات ستكون هناك علامة استفهام . وسيقول النقاد هذه الحالة مزيفة ويعتقد المجتمع أنها تلقي بنفسها في تهمة هي في غنى عنها ، بالنسبة لي أعتقد أنني لم أكن يوما من الأيام مقموعة بسبب نشأتي الأسرية القائمة على الثقافة والحرية المسؤولة وبسبب زواجي القائم على الصدق في الأحاسيس لذلك أعبر في شعري عن التجارب العاطفية والجسدية دون محظور.
ألا ترى رزان المغربي أن الشعر يتسع لمناطق وآفاق وتيمات أخرى ؟
كنت أفهم أن الشعر صوت يعبر عن حالات العاطفة وعن وجدان رزان الإنسانة التي لا تجيد كتابة الشعر المناسباتي ولكنني تجاوزت تلك المرحلة لا من خلال المضمون فحسب بل من خلال مجموعة شعرية مخطوطة كنت قد كتبتها عن المدن التي زرتها . فتلك المدن فضاءات للسفر والرحيل الى الذات، وكونت شكلا فنيا يترجم التطور في معالجاتي الفنية .
لم العودة الى التفاصيل الصغيرة والكثيرة في شعرك ؟ هل هي عودة الى معبد الذاكرة ؟ أم هي تشكيل للحلم من خلال العودة الى الذاكرة ؟
التفاصيل الصغيرة ليس مردها غياب الخيال، بل أراها بالعين الشعرية الحالمة المتأملة أثناء لحظة الكتابة إني أرى اللحظات الهاربة التي تعلق في الذات فأمتلأ بها .
ما هو موقف رزان المغربي من الحداثة الشعرية ؟
الجانب السلبي في هذا الموضوع أن عددا كبيرا من الشعراء يستسهلون الكتابة من منطلق أنها حداثة ، وتكسير الشكل الفني القائم واستخدام مفردات لا يوجد لها أصل في القواميس العربية وتوهمهم أن الشعرية لا تتأتى في النص الا من خلال استخدام مفردات غريبة . لقد أصبح الشعر مغتربا مع نصه أولا ومع واقعه ثانيا .
اقتحمت عالم الرواية من خلال روايتك (الهجرة على مدار الحمل) ، ألا تجدي في كتابة الرواية مغامرة قد لا ترقى الى روايات إبراهيم الكوني مثلا ؟
لابراهيم الكوني عوالم متفردة في الأدب، ليس في العالم العربي فحسب، بل في العالم، وان كان لنصه سلطة فأعتقد انها آتية من تفرده رغم انطلاقه من واقع الصحراء . فقد أضاف الرؤية الفلسفية ، وأبدع في الأسطورة ولم يوظف الأسطورة. فأسطورة (جبل النبر) خيال صرف، أسطورة صنعها وهي أروع ما كتب . في كتاباته نستكشف الأصوات ، الحلم والترميزات ، ولكن أحمد الفقيه تجاوز سلطة الكوني ودخل مجالات أخرى في الرواية عندما تحدث عن علاقة الليبيين مع الآخر في (الثلاثية) وأبدع في موضوع الحلم . أما خليفة حسين مصطفى فقد كتب عن الواقع الليبي وانطلق من التأريخ لمدينة طرابلس بشوارعها وحاراتها إحياء للذاكرة وتجرأ في (ليالي نجمة) أن تكون البطلة من الماخور. إن السر في الرواية الليبية حسن اختيار المكان والزمان. ومن هذا المنطلق خضت تجربة كتابة الرواية.
هل اكتشفت الرواية من خلال الروايات الليبية فحسب ؟
لقد قرأت مبكرا الأدب الروسي والأمريكي وأدب أمريكا اللاتينية ، لقد قرأت لتولستوي وتشيخوف وأعمال كونديرا والإيطالي البارتو مورافيا ، ولم أستطع قراءة الأدب الروسي بعمق نظرا للوصف الطويل والجانب الايديولوجي .. وفي تونس أجد أهم الكتابات الروائية تلك التي لم يكتب عنها النقاد . مثل رواية كمال الزغباني والحبيب السالمي أيضا .
وكيف تقدمين روايتك للقارئ ؟
لقد أتاني الشعر، ولا أعرف كيف ؟ لكنني ذهبت الى الرواية . فتحت الباب ، واقتحمتها من خلال قراءاتي النقدية حول الزمن في الرواية، أهمية المكان، الموضوع الواحد في الرواية، وحاولت البحث عن فكرة أتخصص فيها ففي عالم روايتي، استقيت نماذج من الواقع وبحثت عن الملامح العامة لأقوم بتركيبها على شخص واحد، وعدت الى الوثائق التاريخية وكتب التاريخ، لأتناول موضوع الليبيين المهاجرين الى دمشق اثناء الاستعمار. وهي قصة حب معاصرة ايضا تحكي عن هجرة الحبيب .
_____________________
عن موقع رابطة أدباء الشام