المقالة شخصيات

في ذمَّة الله المفسِّر الأديب الوجيه: عبد اللطيف الشويرف (1350 – 1445هـ)

أربعون العلامة الشيخ عبداللطيف الشويرف؛ توفى في 13 مايو 2024م.

الشيخ عبداللطيف الشويرف والكاتب والشاعر المكي أحمد المستجير
الشيخ عبداللطيف الشويرف والكاتب والشاعر المكي أحمد المستجير

مُذ عَلِمتُ أنَّ العلَّامة عبد اللطيف الشُّويرف، رحمه الله، ممَّن تحمَّلوا مولد «ريحانة الأرواح في مولد خير المِلاح» سَمَاعا كاملا عن مؤلفه؛ الشيخ النبيل والمربِّي الجليل سيدي: علي أمين سيّالة (ت: 1376هـ) شيخ الطريقة القادريَّة بطرابلس؛ طارت نفسي بالخبر فَرَحَا؛

لما يُمثِّله مولد «ريحانة الأرواح» من أهميَّة في بيان معالم الهُويَّة الدينيَّة الليبيَّة، ورمزيَّة في التاريخ الثقافي المعاصر، ولِما يعنيه سماع الريحانة المباركة، من اتصال بسَنَدٍ عالِ، ووصالٍ من شيخ متين.

تواصلتُ مع أستاذي الفاضل د. محمَّد الصَّادق الخازمي، فأرشدني إلى د. محمد عمر بن حسين، حيث كان أحد فاضلَين، أشرفا على إخراج ديوان الشيخ، والاعتناء به، وتربطه بأسرته علاقة طيّبة. فاستحبَّ منّي أن أُجْمِل مُرادي من زيارة الشيخ، برسالة، أذكر فيها مقصد الزيارة، ورفاقي، ليحملها إلى الشيخ الجليل.

ففعلتُ، واخترتُ في رفقتي شيخيَّ الفاضلَيْن الجليلَيْن: المسند المربّي، سيّدي: محمّد سالم المزوغي. والأديب الناقد، سيّدي: د. محمَّد الخازمي. محبَّة فيهما، وتبرُّكا بهما.

جاءت البُشرى بالزيارة عصر الأربعاء، 13 من رجب الحرام لعام 1445هـ (24/01/2024م) فدخلنا منزل الشيخ، فوجدناه جالسا في مربوعته، أنيقا في لباسه كعادته، فسلّمنا عليه، وقبَّلتُ رأسه، ثمَّ أجلسنا، وبالغ في التَرحاب بنا حتى أخجلنا. ولم يتوقف دخول القِرى علينا مُذ دخلنا إلى أن خرجنا. بارك الله في رِفدهم، وأكثر زادهم، وعمَّر دارَهم.

بادرنا الشّيخ -تغمَّده الله برحمته- بالحديث عن بركة الصّلاة على النبيِّ المصطفى ﷺ وعن أثرها في الأبدان وعلى الزمان والمكان؛ حديثَ أهل الذوق والشوق. وليس ذا بغريب عن عالمٍ نشأ بأمداد مشايخ طرابلس العارفين، وفي كنف مُرَبٍّ مثل والده، الذي يخبر عنه أنَّه ما انفكَّ يقرأ بعائلته «الوظيفة الزرُّوقيَّة» كل صباح. ويلزم وردَه من «دلائل الخيرات» كلَّ يوم، إلى توفاه الله.

ثمَّ خصَّ -رحمه الله- بالذكر المولد الذي ننوي سماعه منه وقراءته عليه «ريحانة الأرواح في مولد خير المِلاح» ثمَّ شكرنا -وهو واللهِ أحقُّ بالشُّكر مِنَّا- على قدومنا لقراءة قصّة المولد النبوي الشريف، في بيته الكريم.

وأخبرنا أنَّه سمع المولد من مؤلِّفه -سيّدي علي سيّالة- مِرارا، مع ثناء عاطر عليه، وأنَّه يحرِص على قراءة المولد وإقرائه -طوال عقود- في شهر المولد النبويّ الشريف، في الحفل الذي يُعقَد سنويًّا بمساجد طرابلس، وبمشاركة علمائها وصلحائها ووجهائها. ثم أبدى تحسُّرَه -رحمه الله- على عدم استطاعته ذلك في السنة الأخيرة، فقد ضعُف بصره وثقُل سمعُه.

وقبل أن نشرع في قراءة المولد (ريحانة الأرواح) اعتذر منَّا الشَّيخ الجليل، إذ تتعذّر عليه القراءة لضعف بصره، ولكنَّه حين أمسك الكتاب، شرعَ في قراءة المقدّمة بنفسه، وكُلّنا آذان مُصغية وأفئدة مُبتهجة. ولاحظتُ أنَّ فضيلته حين يصل إلى الشِّعر، يرمقنا بنظره، ويقرأ طَرَفا من الأبيات من حِفظه. ولمَّا توقَّف، طُلِبَ إليَّ أن أكمل السرد قراءة على الشَّيخ، ففعلتُ.

وكان الشَّيخ -طيَّب الله ثراه- في كلّ صفحة تقريبا، يُنبِّهنا على تصحيحات لُغَويَّة وإملائيَّة، وتوجيهاتٍ في رسم الآيات القرآنيَّة، تعليقا على النسخة المطبوعة التي بين يديه.

وحين وصلنا إلى الدعاء، ابتدأتُ في قراءة دعاء الختم، ثم أكمله الشيخ بنفسه حتى نهايته، ونحن نؤمِّن على دعائه، وفي دعائه من التوسُّل والتضرُّع ما تنفطر له الحجارة. قرأ الفاتحة بنا جهرا -برواية قالون- ثمَّ ناولني، عطَّر الله أكنافه، الكتابَ، فأخدته وقبّلته، فصحَّ لنا سماعًا وإجازةً ومناولةً، ولله الحمد.

لقد فقدت الأمَّة الليبيَّة، عالما عَلَمًا، من بقيَّة علماء الديار الليبيَّة. وتعزَّزت الآن المسؤولية الكُبرى، على عاتق من أخذ عنهم، وتلمذ لهم، في الحفاظ على مآثرهم، والدعاء لهم، ومُناهضة من يحاول تشويههم، أو الطعن في مذهبهم وعقيدتهم وسلوكهم.

إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.

ليلة 06 من ذي القعدة لعام 1445هـ

مقالات ذات علاقة

أين ليبيا التي عرفت؟ (37)

المشرف العام

سعيد المحروق ونقد العقل الكروي

سالم العوكلي

أحمد الفقيه… رحيل «خرائط الروح»

المشرف العام

اترك تعليق