“القبيلة” هي مظلة اجتماعية لجماعة من الناس تنتمي في الغالب إلى نسب واحد يرجع إلى جد أعلى أو اسم حلف قبلي يعدّ بمثابة جد، وتتكون من عدة بطون وعشائر غالبًا ما يسكن أفراد القبيلة إقليما مشتركًا يعدونه وطنًا لهم، ويتحدثون لهجة مميزة، ولهم ثقافة متجانسة أو تضامن مشترك (أي عصبية) ضد العناصر الخارجية على الأقل.
“الدولة” هي مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد ويخضعون لنظام سياسي معين متفق عليه فيما بينهم يتولى شؤون الدولة، وتشرف الدولة على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية الذي يهدف إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الأفراد فيها، وينقسم العالم إلى مجموعة كبيرة من الدول، وإن اختلفت أشكالها وأنظمتها السياسية.
هذه إحدى تعاريف القبيلة والدولة والفرق بينهما ودور كل واحدة منهما في المجتمع وما يفترض يحدث فعلا حتى لا يحدث بينهما تداخل وصراع لصالح أحدهما على حساب الاخرى وحتى يمكن ان يقف دور كل واحدة منهما عند الحد الذي لا يضر او يتدخل مع دور الاخرى لتتمكن الشعوب من بناء دولة حقيقية تكون المواطنة اساسها بعيدا عن أي تفرقة او تعصب قبلي او جهوي او سيطرة من هذا النوع فيما يمكن للقبيلة ان تحافظ على موروثها الاجتماعي وتمسكها القبلي دون ان تخرج عنه او تمنعه الدولة او ترفضه عندما يكون في حدود معينة ومكانة لا تتجاوز المقبول او تسطع على حساب الدولة المدنية الحقيقية.. لكن في بلادنا للأسف ومنذ عقود تدخلت الامور في بعضها البعض واصبحت لا تفرق بين دور ومكانة القبيلة ودور ومكانة الدولة ومؤسساتها لتتجاوز القبيلة دورها الاجتماعية المفترض والمقبول وتتدخل في دور الدولة العام والسياسي وتحاول ان تكون لها كلمة وصوت في تحديد المسؤوليات وفرض السلطات والتحكم في المؤسسات العامة ولو على حساب القانون والدولة والنظام من خلال شخوص واجسام هلامية كل خلفياتها قبلية وكل همها مصالح جهوية لهذه القبيلة او تلك.. حتى انها مستعدة لرفض أي نظام حكم حقيقي يعمل على المساوة بين ابناء الوطن وعدم التفريق بين انتماءاتهم القبلية الجهوية فتصدر البيانات وترسل البرقيات وتنظم الوقفات باسم هذه القبيلة او تلك من اجل دعم هذا الحاكم او طالب السلطة الذي لابد ان يرد لهذه القبيلة او تلك جميلها بتمكين ابناءها في مواقع المسؤولية والسلطة دون أي مقدرة او كفاءة لتتحول مؤسسات الدولة الى موقع لمنح العطايا والمكافآت واماكن لتقديم الولاءات بين الأطراف الحاكمة والجماعات القبلية التي تقف مع هذا الطرف او ذاك ماضيا حاضرا.. لتكون الدولة ومؤسساتها وقوانينها هي من يدفع الثمن في مثل هذه العلاقة بين الحاكم وصاحب السلطة وداعمي القبلية والقبليين وتدخلاتهم في شؤون الدولة العامة والسياسية.. حتى انك تجد ان اكثر الناس داعمين لحكم الافراد وفي مقدمتهم العسكر هم اصحاب الانتماء القبلي الجهوي على حساب الدولة لان مصالحهم تلتقي في هدف واحد مع الحاكم الواحد وهو تسخير إمكانيات الدولة في خدمة اهداف ومصالح محددة تتوقف عندهم ولا يهمهم بعد ذلك بناء دولة حقيقية او اقامة وطن رغم انهم يفعلون ذلك كما يدعون باسم الوطن ومن اجل المواطن.. والواقع يخبرنا ويقدم لنا احداث ووقائع عكس ذلك تماما دون داعي للدخول في تفاصيل وتسميات واحداث لا اعتقد يجهلها الا جاحد او ناكر او صاحب مصلحة من وراء ذلك.
ووراء كل ذلك اصبح الانتماء الى قبيلة او قبائل بذاتها يمنحك كل الامتيازات ويوفر لك كل المتطلبات فيما الانتماء لغيرها قد يحرمك حتى من ابسط حقوقك الاساسية لسبب او اخر.. واليوم وبكل اسف ارتفع منسوب هذا التدخل واصبح التعصب القبلي والجهوي يقود الكثير من الاحداث ويدعم طرفا ضد اخر بل ويتحول الى سلاح في يد الاطراف لقتال غيرها من القبائل والجماعات الاخرى في المجتمع حتى تحولت بعض الحروب والموجهات التي في اساسها هي حروب سلطة وثروة الى حروب قبلية لان من يتصدر مشهدها ويقودها هم من ينتمون الى قبيلة او اخرى فنسبت اليهم الاحداث واصبح الدفاع عن افعالهم من قبل اهلهم والقبائل التي ينتمون اليها حقا وباطلا ولو على حساب البلاد والعباد التي تتحول في هذه الحالة الى خصم بل وعدو من اجل نصرة فرد او افراد من هذه القبيلة او تلك لانهم يطلبون مصلحة او سلطة ولا يجدون وسيلة لذلك الا استغلا ل ابناء قبليتهم او من يقف معهم في تحقيق ذلك من قبائل وجماعات جهوية اخرى بل حتى من يرتكبون الجرائم الجنائية ويفعلون ما لا يصدق من افعال وجرائم تتوجب العقاب والمحاسبة ضد الاخرين عام وخاص يصبح الاختفاء داخل مدنهم وقبائلهم امر طبيعي لتكون حامية لهم من كل مطالبة ومحاسبة ممكنة بل قد تفتح من اجلهم الجبهات ان تم القبض عليهم حتى وهم يرتبكون جرائمهم ويقبض عليهم بالجرم المشهود فتقفل المؤسسات وتصدر البيانات وتوقف الاعمال من اجل س او ص لأنه تم القبض عليه ويراد معاقبته على افعاله فيتحول الى بطل قبلي لا يجب تركه ولابد من نصرته باي ثمن مهما كانت اعماله وجرائمه.
دون ان ننسى الاشارة الى الاجسام القبلية التي اصبحت تخرج لنا كل يوم ومن كل الجهات وتحت كل التسميات طالبة ان يكون له دور ومكان في الشأن العام والتدخل في الامور السياسية والعمل على منع المؤسسات الرسمية من القيام بدوها الذي تريد ان تكون هي صاحبة الكلمة فيه دون غيرها فاصبح عندنا.. مجلس اعلى للقبائل الليبية.. شيوخ قبيلة.. مجلس لقبائل ليبيا.. مجلس اعيان وحكماء “لا نعلم من منحهم شرف الحكمة والمعينة” وباي مواصفات تم اختيارهم حتى اصبح الامر يتم في المدن الحضرية المختلطة والتي يفترض انها اول من يدعم الدولة ومؤسساتها ويمنع مثل هذه الهرطقات والاجسام الهلامية الفارغة الباحثة عن دور ومكان على حساب الدولة ومؤسساتها لا اكثر وغيرها من اجسام وتسميات قبلية ما انزل الله بها من سلطان.. يتصدر اصحابها ومن يشكلونه المشهد في ليبيا ويزحمون كل الاطراف الاخرى من اجل كسب موقع لهم في البلاد وامامهم تغيب كل مظاهر السياسة الحقيقة وهي الاحزاب فلا وجود لحزب ولا يستطيع احد ان يتقدم العمل السياسي والترشح لأي انتخابات يمكن ان تجري في البلاد الا على خلفية قبلية جهوية لا غير لتفقد الاحزاب والجماعات السياسية دورها ومكانتها امام الدور القبلي.
فيتقدم المترشحون حسب مدنهم ومناطقهم التي ينتمون اليها ويتحولون الى باحثين عن مصالحها المحدودة على حساب بقية الوطن ويعملون على خدمة من انتخبهم من مدن وقبائل لا حسب احزاب وتيارات سياسية يكون لها وجود ومكان في طول البلاد وعرضها فيصبح خدمة كل البلاد وطلب ولاء كل الاماكن والمدن هدفا لها فتحاول العمل على خدمة كل البلاد والعباد دون تمييز او تعصب قبلي او جهوي نعيشه اليوم بامتياز.
دون ان ننسى تقسيم المناصب الذي يتم على اساس جهوي وقبلية قبل كل شيء فيتم تحويل عديد المؤسسات الى مؤسسات قبلية حسب من يديرها ويتحكم في سلطتها فتتحول قبلة لأبناء مدينته وقبيلته لتكون لهم الاولوية في العمل واخذ المكان والمكانة في تلك المؤسسة بعيدا عن كل كفاءة او اهمية لوجودهم المهم انهم من ابناء قبيلة من يدير المؤسسة بل ويملكها تقريبا لتصبح حصة من حقه وحق ابناء قبيلته قبل غيرهم كما يطلب البعض بل ويمارس هذا الدور بامتياز في جل مؤسسة الدولة في البلاد
وكل هذه الافعال ليست بجديدة علينا بل هي احدى مورثات النظام السابق الذي كان يستغل بعضا من القبائل في تثبيت حكمه على حساب اخرى لتكون لها المكانة والامتيازات دون غيرها وان كان ذلك يتم تحت سقف محدد ودور مرسوم لا يخرج عنه احد عكس ما يحدث اليوم حيث ازدادت الامور سوءا وتحولت القبائل هي من تتصدر المشهد اكثر من ذي قبل وهي من تتحكم في مصير البلاد والعباد حسب دورها ومكانتها وقوتها الحالية لتختفي امامها مؤسسات الدولة وتصبح مجرد وسيلة في يدها للضغط والحصول على المكاسب والمصالح الجهوية المحدودة بل وصل الامر الى ان يكون للقبائل وفود وجماعات تسافر خارج البلاد وتلتقي اصحاب السلطة والمسؤولين في دولا اخرى لتناقش معها الامور السياسية والشأن العام في البلاد دون ان تكون لها أي صفة رسمية الا دورها القبلي الجهوي بامتياز حتى وصل بأحد رؤساء الدول التي تم زيارتها من قبل هذه الوفود القبلية بطلب ان يتم كتابة دستور للبلاد من قبل القبائل الليبية لا عبر مؤسسات رسمية متخصصة كما يحدث في غيرها في سابقة لا اعتقد ان له وجود في أي دولة اخرى من دول العالم لترسل وفودا بهذه التسميات لتجتمع برؤساء ومسؤولي تلك الدول بحجة البحث عن حلول متناسية انها بمثل هذه الأفعال تعرقل كل الحلول وتزيد في منسوبة الازمة وتشابكها.
إن ما يحدث في ليبيا من تدخل قبلي على حساب الدولة ينهي كل عدالة ومساوة وفكرة قيام دولة ديمقراطية حقيقية اساسها القانون والعدالة والمواطنة لا غير كما بقية دول العالم فرغم اننا اصبحنا نعيش القرن الواحد والعشرين قرن العلم والتكنولوجيا والسرعة والادارة الحديثة والدولة الديمقراطية التي تصون حقوق مواطنيها ولا تفرق بين مواطن واخر الا بما يقدمه من عمل وانتاج ولكلا حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية دولة المواطنة التي لا تفرق بين انتماء جهوي ولا قبلي ولا غيرها حيث تتجه كل الجماعات البشرية الى تكوين دول حديثة تجري الواقع وتسير مع متغيراته نجد اننا في ليبيا نعيش خارج هذا التاريخ وبعيدا عن هذا المنطق الحضاري ففيما نعيد كلاما وتصريحات وشعارات اننا نريد بناء دولة مدنية حديثة يسودها العدل والقانون ولا فرق بين مواطنيها والكفاءة هي المعايير الاساسي للوصول الى المناصب وقيادة البلاد وكل هذا الكلام الذي لا ينتهي نجد انفسنا على الواقع وعند الفعل ان كل ذلك يبقى مجرد كلام نظري لا واقع ولا حقيقة له الى حد كبير لنجد ان الواقع الحقيقي هو استمرار تكريس فكرة القبلية والجهوية والمحاصصة التي لا تقدم الا تمزيق الاوطان ومزيد الفرقة والصراعات وفتح الجبهات لنجد انفسنا لا نبني دولة حديثة كما بقية دول العالم ولا نبقى في جهويتنا وتعصبنا القبلي المقيت فنتحول الى عمل خلطة نشاز لا قيمة لها بين الدولة الحديثة والقبلية المقيتة من خلال تقسم السلطة والمناصب وحتى الثروة بشكل قبيل جهوي اقليمي ولا مكان فيه لا لدولة ولا لمؤسسات حضارية حقيقية دون غيرها.
اننا ونحن نعيش هذا العصر وزمن التكنولوجيا ولاتصال عن بعد و زمن الدولة الوطنية ودولة المواطنة والقانون والمؤسسات في جل دول العالم ما زالنا نبحث عن بناء دولة مؤسسات وقانون شكليا و في نفس الوقت نريد ونعمل واقعيا على ان نبقى تحت سلطة القبيلة وسياستها وتعاملها مع الامور فنزيد الفوضى ونطلب الرعايا والحماية من القبيلة التي تدعمنا عندما نريدها وتحمينا عندما نخطئ لتكون هي الغطاء الحقيقي لكل افعالنا لهذا واجب دعمها وعدم اخراجها من المشهد بكل ثمن ومن كل الاطراف والافراد وهو امر يمنع ان نسمى بلادنا بدولة او نطلق عليه قبيلة ولا يبقى امامنا الا ان ندعوها “بالقبيدولة” لتجمع بين الاثنان في معادلة زائفة فارغة نشاز لا تقدم الا التأخر والتراجع والبقاء خارج العصر والزمن وخارج كل الحسابات.
ولتحيا “القبيدولة” حتى اشعارا اخر.