المقالة

الخطاب الاعلامي الليبي والراي العام

الإعلام الموجه (الصورة: عن الشبكة)
الإعلام الموجه (الصورة: عن الشبكة)

الأعلام هو أحد المرتكزات التي قد تساهم في أرساء نظام الديمقراطية وارساء السلام بين افراد المجتمع. وأحيانا قد يساهم الاعلام في تفسخ القيم المجتمعية وتعطيل التحول الديمقراطي.

فالصحفي المهني الذي يمتلك المعرفة والمهارات التي تساعد في نجاح مهتمة، هو الذي يساهم في تعزيز الحوارات الداعمة للقيم المجتمعية والداعمة لعمليات السلام وحقوق الانسان.

والعملية الاعلامية لابد ان ترتكز على المرتكزات الصحفي الادوات (المنهج المضمون الهدف) فهذه المرتكزات لابد أن تعمل علي دفع المجتمع لإرساء وتفسير القيم المجتمعية وان تكون اداة تحفيزية للعمل والابداع. لا ان تكون هذه المرتكزات لنشر مفاهيم وثقافات مدمرة تدعو للعنف والفتنة وتمجيد بعض الشخصيات الجدلية. ونشر بعض المفاهيم الخاطئة التي تهدف الي محاصرة المتلقي.

هنا يلح علينا سؤال نمطي لكنه عميق ما هو الاعلام المثالي الذي نطمح له؟

فكنا نطمح لأعلام يزود المتلقي بالأخبار والمعلومات السليمة عن جل القضايا بأسلوب موضعي حيادي دون تحريف، لخلق مجتمع يمتلك أكبر قدر من المعرفة والوعي والادراك. وبطرق تساهم في تنوير وتكوين الرأي العام الصائب.

وهنا نعرج لمعرفة ماهية الراي العام؟ الراي هو الفكر الذي يتبناه مجموعه كبيرة من البشر حول قضية مصيرية تمس مصالح هذه المجموعة قد تكون هذه المجموعة حزب او تيار سياسي او تكتل مجتمعي يهتم بقضية ما. وتعتمد هذه المجموعة على نشر افكار عبر القنوات الاعلامية والصحفية بهدف التأثير علي أكبر عدد من افراد المجتمع وكذلك تأثير مباشر على اصحاب القرار في الدولة.

فالغاية السامية من المنظومة الاعلامية هو أقناع الجمهور حول قضية ما عن طريق المعلومات والحقائق والأرقام، فالأعلام الذي لا يستند على هذه الاسس لا يقوم على دعائم سليمة ولا يرتكز على قواعد علمية.

ولتكوين الراي العام المستنير لابد من معرفة الجمهور دراسة انماط تفكيرهم وعاداتهم وقيمهم وآرائهم اتجاه بعض العادات والتقاليد. أما الراي العام المصطنع لا يقوم على دراسة الراي العام لكنه يقوم على الدعاية الجوفاء التي تستند على الاكاذيب بهدف تخدير الجماهير وشل تفكيرهم والعبث بها عن طريق القصص الخرافية والاكاذيب. وسيطرة هذه المضامين الاعلامية ماهي الا اداة لاستفزاز الجمهور والسيطرة عليه لتأييد وقبول القضية المعروضة.

ومصطلح الراي العام اختلف العلماء حول تعريف موحد له فعلماء النفس عرفوا الراي العام ظاهرة فردية ويعني تكوين راي الفرد وعلاقة هذه الراي بالقيم والمعتقدات، اما علماء الاجتماع فقد عرفوه بانه ظاهرة اجتماعية وهي نتاج للتفاعل الاجتماعي بين الافراد، اما علماء السياسة فاعتبروا الراي العام ظاهرة جماهيرية وهي تلعب دورا اساسيا في اتخاذ القرارات السياسية. اذن الراي العام هو مجموعة من التصورات الشائعة بين الافراد.

لكن هناك من يخلط بين مفهوم العادات والتقاليد والاعراف وبين الراي العام، وهي مختلفة اختلاف كبير لان العادات والتقاليد هم ما ينتجه العقل البشري ويتناقله الاجيال جيل بين جيل، لكن الراي العام هو صنيعة اعلامية لتغيير مفاهيم معينة لقضية ما سواء بالإيجاب او الرفض، اي موضوع جدلي له مؤيدين يطرحونه للنقاش بوعي لأقناع غيرهم به وله معارضين.

والمرؤ جبل علي انتقاء وتخزين المعلومات التي تتماشي مع آرائه ومعتقداته ويحاول نسيان المعلومات التي تتعارض مع آرائه.

ويساهم الأعلام بشكل كبير في تكوين الراي العام من خلال أجهزته المتنوعة الاذاعات القنوات الصحف وهي وسائل الاتصال بالمتلقي الجمهور، فهذه الوسائل تعمل في أتساق وتكامل على تكوين الراي العام في مختلف القضايا المطروحة –السياسية –الاقتصادية –الاجتماعية –المالية –الحربية. واصبحت مواقع التواصل الاجتماعي الفيس التوتير من أفضل الوسائل وأسرعها انتشارا وأكثر تأثيرا على تشكيل الراي العام.

وكان لها تأثيرا في ثورات الربيع العربي بدايتها كان ايجابيا ثم اصبحت القنوات والمواقع اصبحت تمارس مهامها دون آية ضوابط ودون اعتبار للصالح الوطني نتيجة لغياب الدور الصارم للأنظمة السياسية في هذا الدول، فأصبحت وسائل الاعلام تعمل على تشكيل الراي العام وفق أيدولوجيات اصحابها.

ووسائل الاعلام بليبيا تعددت القنوات الاعلامية الخاصة بعد عام 2011 م وغيبت دور القنوات العامة، واصبحت كل قناة تعمل لتأثير على الجمهور واقناعه برؤية ملاك هذا القناة وتعمل على تعميق ايديولوجيتها السياسية، وتحاول بث المواد الاعلامية المضللة على منافسيها ودحض افكارهم واطروحاتهم السياسية والاقتصادية وغيرها.

مما لا شك فيه ان الاعلام في ليبيا أصبح متنوع ومنقسم الي عده اجندات كل منه يسعي الي تحقيق اهدافه سواء كانت أهداف هادفة او غير ذلك حسب النوايا، وتفشت ظاهرة التشوية والتضليل التي تهدف للوصول الي عقول المتلقي والسيطرة عليه وتلميع شخصيات وضرب واقصاء الشخصيات الأخرى واتخذوا وسائل منظمة ومنهجية ادارية منظمة لفبركة المعلومات التي تقود المتلقي الي تصديق هذه المعلومات ويميل المتلقي لتصديقها. وهنا نؤكد على قول الفيلسوف الفرنسي جوستان لوبون في كتابة سيكولوجية الجماهير (الجماهير تحركها العاطفة ولا تؤمن بالمنطق)

اصبحت القنوات الاعلامية الليبية الخاصة المستقلة وبعض القنوات العامة سلاح فتاك واداة لتضليل الراي العام وأصبح اعلام تحريضي لصالح بعض المتصدرين المشهد السياسي والعسكري، بل أصبحوا اداة طيعة لأعداء الوطن من الدول المتكالبة على خيرات الوطن الداعمة للفوضى.

وأصبح الخطاب الاعلامي يغلب عليه النزعة العنصرية والجهوية، ويغلب عليه عدم تقبل الراي الاخر والتحريض الفتنه وتأجج روح العداء بين ابنائها مما دفع البلاد في حرب اهلية ادت الي فقدان الشباب وانهيار الاقتصاد والدمار وفقدان الامن والامان، ووقع المتلقي في حيرة من امره بين الحقيقة والتضليل وابتعد احيانا عن التفكير السليم نتيجة لهيمنة اصحاب الايديولوجيات القادرة. وأصبح المتلقي ينزلق الي تتبع الاحداث المتكررة ولا يخضع هذه الاحداث للتمحيص والمنطق وانما يكتفي بالأحداث ونتائجها التي تنشر في وسائل التواصل، صارت العقول تقبل الاخبار الكاذبة رغم المعرفة المسبقة بان هذه الاخبار كاذبة.

ونخلص ان الاعلام الليبي اعلام مؤدلج يقوده اصحاب اجندات داخلية وخارجية، بعضها مضلل ويجاهر بالتضليل والتشويه ويستهدف المتلقي بكل الوسائل، وهو جزء اصيل في منظومة الصراع والتجاذب السياسي، بل نري اعلام متلون يغير مواقفه حسب المسار الذي يخدم مصلحة اصحابه، ونري قنوات تفتقر الي ادني مقومات المعرفة الحقيقية. وهنا يتضح للقاري الخطاب الاعلامي المضلل من ورائه وما تأثيره على الراي العام.

 السؤال الملح ما هو الاعلام الذي نرغبه؟

كل الظروف والمساعي المؤدلجة سعت على سيطرة الخطاب الاعلامي التحريضي. لذلك الكل يتطلع لأعلام نبيل خاضع للمعايير الدولية يدعو لوحدة التراب الليبي ويقدم كل القضايا بمهنية معرفية تحترم خصوصية المكون الاجتماعي الليبي، خطاب اعلامي يعزز السلام الوطني ويعزز تحول المسار الديمقراطي في ليبيا اعلام يضع مصلحة المواطن والوطن فوق كل المصالح، اعلام يعزز مبدأ الشفافية.

اعلام يرتكز على ميثاق شرف فلابد على الاعلامي النزيه ان يتوخى الصدق والتحري والتمحيص في المعلومة وتقديمها بحيادية تامة وان يبتعد عن الآراء الشخصية والتكهنات الغير مدلله بدلائل واثبات موثق، بل عليه في الاخبار ذات الطبيعة الميدانية لابد ان يجمع مادته من الحدث مباشرة من عين المكان وان يجمع الآراء من مختلف الاجناس من شهود العيان. لابد ان يثبت مصدقيه المصدر.

والاهم في هذا الفترة الحرجة قبيل الانتخابات على الاعلامي المنتمي فكريا لاي نشاط سياسي في أحد الاحزاب او التيارات السياسية ان يقدم مادته الاعلامية بنزاهة وشفافية وحيادية تامة، وخاصة الان هناك العديد من المترشحين لخوض الاستحقاق الانتخابي والدعاية لبرامجهم الانتخابية مما يتطلب التعاقد مع قنوات اعلامية.

فعلي الاعلامي ان يقدم المادة بلغة معتدلة محايدة بعيدة عن التهويل والمبالغة، وعدم نشر أي معلومة من شأنها التقليل من باقي المتنافسين او بأسلوب يمس كرامتهم، وان يكون منصف مع الجميع، فمن حق المتلقي ان يعرف الحقيقة كاملة عن المترشحين اثناء الحملة الدعائية ويوم الاقتراع وبعده.

في الختام

نأمل تغيير جدري في المنظومة الاعلامية الليبية تتماشي مع معايير المهنية الاعلامية وتتماشي مع القيم المحلية، اعلام نزيه اعلام محايد خاضع للقوانين والتشريعات المنظمة المحلية والدولية.

22-11-2021

مقالات ذات علاقة

عمر أبو القاسم الككلي

بشير زعبية

  الزمن الأُسي

أحمد معيوف

في الكتابة وما نكتب

يوسف الشريف

اترك تعليق