المقالة

ليبيات مبدعات.. أصوات وصمت

 

منذ ثلاث سنوات أعددت للنشر في مجلة الفصول الأربعة (ببليوجرافية كتابات المرأة الليبية الإبداعية) لرصد الإنتاج الكمي المطبوع في أوعية الكتب, بداية بالقصص القومي للكاتبة (زعيمة الباروني) عام 1958 ف وانتهاءً بآخر إصدار لكاتبة ليبية, وطول هذا الوقت وأنا أتساءل عن أسباب التأخر في نشرها.. دونما اقتناع مني بما سمعت من أعذار خاصة لقلة الأدوات الببليوجرافية التوثيقية التي يمكننا الاعتماد عليها في الدراسات والأبحاث المتخصصة ومازلت انتظر ومازلت أضيف لها ما يجدّ من عناوين عقب كل عام يمر..

وبالرغم من الفارق الزمني الطويل الذي يمثل الحدود الزمنية لنشر كتابات الليبية المبدعة, إلا أن المحصلة جاءت مخيبة لقلة العناوين التي قاربت الخمسين عنواناً فقط تبعثرت ما بين القصة والشعر والخاطرة وقصص الأطفال ثم الرواية وأخيراً الزجل, هذا الحصاد الضئيل بعث الأسى في نفسي خاصة إذا ما قورن في نسبته المئوية بالإنتاج الإبداعي الوطني ككل.

لا أنكر بأنني ابتهج كلما قرأت نصاً إبداعياً لكاتب ما.. وأبتهج أكثر بالكاتبة خاصة وأن للكثير من الكاتبات إنتاج مبعثر في الدوريات المختلفة ولم تصدر لهن كتب بعد, سواء اللاتي توقفن عن الكتابة أو اللاتي يتغيبن ويظهرن كل حين.

إلا أن الاتجاه إلى النشر الخاص في السنوات الأخيرة, أحدث مفاجأة بظهور عناوين جديدة لكاتبات شابات ظهرن على حين غفلة في الساحة الثقافية بكتب تتوجها أسماء لم نقرأ لها من قبل, ولم نلحظ نصوصها في الزوايا والصفحات الثقافية, ولا حضور متلقٍ أو فاعل لها في الندوات والأمسيات الأدبية.

ففي المناسبات الثقافية كثيراً ما ألتقي بالكاتبات المنشغلات بالثقافة وهمومها, أو بالمتذوقات المتلقيات للإبداع بصوره المختلفة وتربطني بهن صداقات لطيفة بالرغم من حرصي الشديد على متابعة كل ما ينشر إلا أنني أعترف بقراءتي لكاتبات لا أعرف كيانهن (المادي )مثل:

دلال عبد الصمد, حليمة السعيطي, بدرية الأشهب, أم كلثوم النعاس, نجاة المدني البخاري.

وهي أصوات ظهرت فجأة وقوبلت بالصمت ولم أقرأ أية دراسة تناولت أياً من عناوينها عدا التعريف بقصص (الطيف الأخضر) لـ”أم كلثوم النعاس” للأستاذ/حسين المالكي في العدد السابق, وقد حاورته -خاطئة- صورة للمطربة أم كلثوم?! وبتقديم ديوان (نقطة ضعف) لـ”بدرية الأشهب” من الأستاذ/لطفي عبد اللطيف.. في برنامجه المسموع, ولم تنل “هدى السراري” في ديوانها المماثل (أثواب الحزن) غير إعلان عنه وعن حفل توقيعه!.

كما ناب أقارب “نجاة المدني” بنشر تهنئه بصدور كتابها (ثقوب في الجدار الصدئ) عبر صحيفة العرب منذ عام مضى, بينما تلقت “عفاف عبد المحسن” بعض الـ(وشوشات) المرحبة بديوانها الصغير.

وكل هذا لا يدعو للغرابة.. فقد طالت اللامبالاة كتاب (بسمة نسيان) ل”دلال عبد الصمد” و(لا شيء سوى الحلم ) لـ”مريم سلامة” منذ مطلع التسعينيات حتى اليوم..

فمن المتعارف عليه أنه قد يتطوع قلم ما بالمجاملة المتمثلة في مصافحة أولى لمطبوع جديد كاحتفاء إلا أنه لا يكفي لإظهار جماليات النص وإبداعاته أو كشف مواطن القوة والضعف فيه, كما أن الصمت الطويل, غالباً ما يعني (الإهمال) مما يؤثر سلباً في الكاتب أو الكاتبة, سواء بالتوقف عن الكتابة والنشر معاً, أو بالاندفاع في مواصلة الإنتاج المتواضع, وبقدر ما يعد النشر الخاص نعمة للكاتبة المثابرة أو الشديدة الإلحاح أو التي ملّت الانتظار الطويل لمخطوطاتها، بقدر ما هو نقمة للكاتبة المبتدئة التي تخطو متعثرة نحو عالمها الإبداعي بخطوات قد تندم عليها في وقت لاحق, إذ يفتح باب النشر غير المسؤول دونما ضوابط ولا مراجعة لغوية ونحوية, ودون تقييم جاد يشمل العمل الإبداعي الأول خاصة, ويحوطه بالرعاية والعناية الحقة .

لقد حظيت كاتبات الجيل الأول بنصيب وافر من الدراسات والقراءات الجادة لكتابتهن مثل (مرضية النعاس, شريفة القيادي, نادرة العويتي, فوزية شلابي) أما كاتبات الجيل الثاني مثل (عائشة المغربي وخديجة الصادق وزاهية ومريم سلامة) فهن ذوات حظ قليل فيما كتب عن تجربتهن الإبداعية, إلا أنه بالمقارنة يبدو عظيماً إلى جانب هذا الصمت الاستفزازي لكاتبات اليوم اللاتي ظهرن فجأة كزهرات برية, يتمتعن بشجاعة نادرة مخالفة تماماً لكاتبات جيل سابق متقتر أكثر مما ينبغي فيما ينشر, متعثر في حذره المبالغ فيه, ومتخوف من إصدار كتابه الأول، متعللاً بعلّه يكتب ما هو أفضل مما كتب!.

كل هذا يطرح سؤالاً حول حجم الخطأ أو الصواب في القفز من الأوراق الخاصة إلى كتاب مطبوع, ومن التقصير المتعمد للإنتاج المتواضع ومن التجاهل لسماع أصوات تغرد لا تلقي غير صمت صدى.

________________________________________________

صحيفة الجماهيرية.. العدد:3997.. التاريخ:16-17/05/2003

مقالات ذات علاقة

بعد أن تصمت مدافع كورونا

صالح السنوسي

حكاية عن كاتب لم يثرثر

محمد عقيلة العمامي

الراكبون على أكتاف الموتى

المشرف العام

اترك تعليق