المقالة

يمكن أن نسأل الجمهور

 

 

يرى البعض ممن يتداول مشاكل المسرح وقضاياه.. أن من بين الحلول التي على المسرح أن لا يتورع في فعلها -إدا أراد أن يستمر-ومن بينها- أن يفعل كل شيء.

ومع أني مع أن يبقى المسرح ويتواصل وينهض من كبوته إلا أنني لست مع أن يفعل المسرح (كل شيء) ودون رادع.. لأنني أعرف جيداً أن لبعض مروجي هذه (الوصفة) السحرية تجارب تدل وتشير إلى أن كل شيء هذه تعني فيما تعنيه، التخلي عن الكثير من أساسيات ومواصفات المسرح.. والتنازل عن شروطه وثوابته وأسباب وجوده لصالح مواصفات وشروط قطاع أو نشاط آخر يختلف اختلافاً تاماً – ويلي حاجات ومطالب لغرائز “سيارة ” – عن مفهوم المسرح من كونه محاولة سبر أغوار النفس البشرية.. والتعرف على مشاعرها وانفعالاتها أفعالها وردود أفعالها في إطار فني له حقيقته وطقوسه.. لا بحثاً في جيوب الجمهور.. وما يحرك بعض هذه الغرائز الناتئة.

فهذه التجارب أو التدخلات التي تأتي من أجل إنقاذ المسرح ليس بلغة المسرح ومفهوم الدراما.. ومعنى الفرجة وإنما بلغة (البزنس) وما يريد السوق، بمعنى إلغاء وتهميش أي وظيفة اجتماعية أو روحية للمسرح، مع أن الكل يعرف أنه في الأساس احتفال الجماعة ومهرجانها الذي تعيد فيه قراءة سيرتها ومراجعة وضعها الإنساني وموقفها الوجودي.. ومحاولة تقويمه وإعلاء حس الروح العام على الحس الفردي والخاص.

لاشك أن على المسرح أن يرمي بكثير من الحيل والفنون.. وأن يخوض ويغوص لأعماق أكثر جدارة.. للبحث عما يجلب المشاهد.. من تركيز على أصول الحرفة ودرجة الإتقان عند المؤدين والمستغلين على إشاعة هذه الظاهرة ورسوخها – كما عرفناه صغاراً من الجدات والأمهات – ومن ثم الحكائيين والرواة والحفظة.. عند هؤلاء كنا نلحظ مدى التركيز والاهتمام بفن ترغيب المتمتع أو المتلقي.. وإبداء القدرات الخلاقة على تجسيد الأحداث سواء عبر الصوت أو عبر الحركات المصاحبة أو بحسن اختياره لموضوعاته ومدى قربها أو بعدها عنا وعن أحلامنا وآمالنا ذكرياتنا ولخطتنا الراهنة.. على مسرحنا أن يحسن وعيه لجمهوره بدل التعويل على مفاهيم واستنتاجات وأحكام ليست وليدة واقعنا وليس لها نفس درجة حساسية جمهور هذا الواقع وحتى أصحاب رأي الجمهور (يبي هكي) يعرفون كم من مسرحية قدمت نفسها وبجرأة على أنها مسرحية جمهور وأنها تلبي كل مطالبه ثم نكتشف فشلها وأن الجمهور لم يواكبها سوى أسبوع أو عشرة أيام فقط .

لم تزل حركتنا المسرحية تتلمس وجودها وتفاضل من أجل حضورها وفعاليتها.. وعليها لكي تكون أن تعي أن الاقتراب من شروط المسرح التي تجعل منه فناً له شكله ومحتواه المتوائمين والمبنيين على التوازي أو التقاطع أو التلازم من ناحية الماهية والأهمية.. والنظر بشيء من الاهتمام إلى مهنة التمثيل وآفاقها.. والاجتهاد الإخراجي ورؤاه المحفزة والبحث عن المزيد من قنوات التواصل مع الإنسان وواقعه وذاكرته ومعاناته من أجل البقاء أو تحسين شروطه في جانبيها المأساوي أو الهزلي.

إننا نظلم الجمهور -دائماً- حين نصبغ عليه نموذج المشتري السطحي أو الجاهل أو الغافل والباحث فقط عما يسليه من القفشات والآهات أو من يقرأ له جريدة الفضائح.. فهذه الأحكام هي حصيلة دون استبيانات أو تحقيقات تقصيّ مؤكدة.. لأننا لم نصل بعد للوقت الذي يمكن فيه القول بأن لنا جمهوراً مسرحياً له رغائبه ومطالبه وشهواته التي تدفعنا لكي نلبيها في أشكال أخرى من المسرح.

ولكي يكون لنا جمهور مؤثر وفاعل فليس على المسرح إلا المزيد من الإخلاص لمكونات المسرح الأساسية والضرورية وعندها يمكن أن نسأل الجمهور.

مقالات ذات علاقة

قبل أن تقرأ: هذه قاعدة مؤسفة وثمة استثناء !

أحمد الفيتوري

كلاسيك (100/25)

حسن أبوقباعة المجبري

بعد القراءة مباشرة

المشرف العام

اترك تعليق