المقالة

بعد القراءة مباشرة

خالد الجربوعي

ما أجمل تلك اللحظة التي يعيشها الانسان في الخيال والاحلام وخاصة اذا كان ذلك الحلم وتلك اللحظة وهو يقرأ احدى القصص او الروايات ويتابعها بكل احاسيسه ومشاعره ليتصور أحيانا انه هو بطل تلك الرواية او القصة او احدى شخوصها وان كان الانسان بصفته وطبعه يحب ان يكون هو بطل كل المواقف في الواقع فما بالك بالخيال و هو ملك نفسه ألا يتصور في تلك اللحظة انه يستطيع ان يكون البطل فلماذا يختار احدى الاخرين في هذه الحالة غير ذلك البطل الذى تدور احداث تلك الرواية او القصة حوله ففي تلك اللحظة تتحطم كل القيود وتتفتح كل الأبواب ولا يبقى في الأفق أي سحاب او غيوم تعكر صفو ذلك الانسان لأنه يرى نفسه وهو يتحرك على صفحات بيضاء ممتلئة بخطوط وحروف سوداء ترصد له حركاته و سكناته وكل تصرفاته .

ويزداد تلهفه لمعرفة مصيره عبر تلك الصفحات وما ستؤول إليه نهايته وهل ستكون كما يتصورها هو في خياله الامر الذى يغريه أحيانا بتصورات اخرى مسبقة عن النهاية المرجوة في نهاية تلك الأوراق ويتفاجأ بين الحين و الحين ان حدسه يخونه وان كل خطوة يتوقعها تأتى مخالفة لما هي مسطرة على الورق ولكن يبقى شعوره باللذة في ذلك وبانه يسير في اتجاه مرسوم لا يستطيع تغييره بقدر ما يستطيع تصور نفسه بانه هو ذلك الانسان الذى يلتمس طريقه عبر صفحات ذلك الكتاب او تلك المجلة التي بيده في تلك اللحظة  

وحتى وان حاول تركها للحظات قبل نهايتها فان تفكيره سيبقى مشدودا ناحيتها ولا يستطيع العودة الى واقعه بسرعة لأنه يتلهف في تلك اللحظات على معرفة مصيره ونهايته كما صوره على تلك الأوراق فينتهز كل فرصة للعودة الى تلك الرواية او القصة ليزداد خياله افقا وحلمه تألقا وهو يقترب من نهاية تلك اللحظة والتي يتمنى في بعض الأحيان ان لا تنتهى ليبقى اسيرا لتلك اللحظة التي تشعره بالقوة و البطولة رغم كل ما قد يكون بها من مواقف ليست كما يجب ان يكون أحيانا ولكنه يبقى محبا لها و يعيشها بكل حواسه وعواطفه وتفكيره حتى ينسى أحيانا ما يحيط به على ارض الواقع ولا يعود يفكر في شيء غير تلك الكلمات التي تتلهف عليها عيناه ويتابعها عقله كلمة بكلمة وحرفا بحرف وما ان يقترب من النهاية حتى يشعر في لحظة من اللحظات ان نهايته قد اقتربت وانه سيفقد نفسه بعد لحظات و سينتهى كما ينتهى كل شيء الا انه عندما تنتهى تلك الأوراق ويقف عند آخر كلماتها سيجد نفسه سعيدا وأنه ليس هو من كان يتجول على بيض تلك الصفحات وليس له أي علاقة بذلك وهو مجرد خيال واحلام انتهت في لحظة من اللحظات الجميلة و المميزة في لحظات حياته و خاصة اذا كان يعيش واقعا مضربا وغير مستقرا واقعا يجعله يفكر في كل خطوة قبل ان يخطوها ويتراجع اكثر من مرة قبل ان يكمل طريقه وذلك لما يحمله من تذمر في نفسه و نفس الاخرين في أحيان كثيرة وهذا هو ما يجعله يعيش لحظة القراءة بكل عمق و ينسى الواقع ليعيش في ظل ما يقرأ وحتى وان كان ما يحدث على تلك الصفحات لا ينتمى الى عصره  وانما الى عصر قد يكون بعيدا عنه ولم يره يوما بل عصر من قبل حتى ان يولد و يخرج الى هذه الحياة و لكن تبقى تلك اللحظة عابرة مهما حاول إطالة الوقت الذى يستمتع فيه بذلك لآنه مهما بقى في تلك اللحظات و مهما طال فيها فلابد له من العودة الى واقعه مهما كان مرا أن الواقع يبقى هو الأساس الحقيقي لمعرفة حقيقة الانسان و جوهره و كيف يواجه كل الصعاب التي تمر به ليجد لها الحلول التي يريدها و الاعمال التي يجب ان يقوم بها متحديا لكل ما يحدث له على ارض الواقع وليس حياة مفروضة عليه لا يستطيع ان يغير فيها شيئا مهما حاول ان يندمج من خلالها مع ما يحدث لها ليصطدم في نهايتها انه كان في حلم ويعيش خيالا أراد من خلاله الابتعاد ولو قليلا عن واقع سيعود  اكثر قوة واكثر حبا و التصاقا بعد تلك اللحظة ليحاول ان يضيف ما أحبه في تلك الأوراق على واقعه و يبعد عنه مالم يرده من خلال ما قرأه على تلك الصفحات فالواقع هو حياتنا وهو أساس نجاحنا وأما الحلم و الخيال فهو الدافع للعمل و النجاح و تحقيق الامل …                     

مقالات ذات علاقة

حكاية عن كاتب لم يثرثر

محمد عقيلة العمامي

فضيلة الكلام

عادل بشير الصاري

هل نحن نثق في الإيطاليين أكثر؟

المشرف العام

اترك تعليق