الصديق بودوارة
” لا تكبر .. إنه فخ ” ..
حاولت الكتب أن تحذرك. ..
لكن نومك اللذيذ في حضن أمك منعك من الإنتباه .
” لا تكبر .. إنه فخ ” ..
كنت تسمع الصوت وأنت تمسك جيداً بيد أبيك الرائع الطيب الوسيم ..
وهو يقودك إلى المدرسة في يومك الأول. ..
للأمانة .. كنت تبكي وتخبط برجليك الأرض رافضاً الذهاب ..
وكان يبتسم لك كعادته متجهاً بك إلى “مدرسة الزهراء الابتدائية”..
حيث فصلك الأول مع معلمتك .. الأولى أيضاً .
” لا تكبر .. إنه فخ ” ..
ولكنك كبرت ..
بخلت عليك الكتب بالمزيد من النصيحة ..
لكنك كبرت.
وبخلت عليك النساء بالمزيد من الحنان ..
لكنك كبرت.
وبخلت عليك الدنيا بالمزيد من المال ..
لكنك كبرت.
وبخل عليك الوقت بالمزيد من الرفاق ..
لكنك كبرت .
وبخل عليك العمر بالمزيد من العمر ..
لكنك كبرت .
” لا تكبر .. إنه فخ ” ..
لكنك كبرت. .
ووجدت الدنيا وقد فقدت عقلها ..
صارت تعطي الأنذال مواعيدها. .
وتسلم قلبها للصوص بلا حساب ..
وتتكرم بالعمر الطويل على أشباه البشر ..
بينما تسارع بمواراة خيرة أهلها تحت التراب.
” لا تكبر .. إنه فخ ” ..
لكنك كبرت. .
مصيبتك أنك كبرت بفم مغلق. .
في زمن لا حق فيه إلا لمن يفتح فمه .
وبلسان مرتبك ..
في زمن لا مستقبل فيه إلا لكلاب الفصاحة ..
وبعينين ملونتين ..
في زمن كل ما يملأ عيون أهله لون الرماد .
” لا تكبر .. إنه فخ “
لكنك كبرت ..
حيث كلمة الحق أصبحت نكتة.
وحيث السرقة في وسط النهار. .
وحيث طيبة القلب فعل فاضح تحاسب عليه القوانين .. وتضحك على وجه صاحبه الوجوه .
” لا تكبر .. إنه فخ “
لكنك كبرت ..
حيث الحياة حقل ألغام من مخلفات الحرب ..
وحيث اللقمة تنتزع من فم الضجيج ..
وحيث النوم ..
أصبح مفتاح الفرج .