د. عبدالجواد عباس
لعل ما يميز محمد علي الشويهدي هو تغطيته القصصية لمرحلة الخمسينيات والستينيات التي مرّ بها مجتمع بنغازي بالذات.. العادات والتقاليد ومجمل الحياة اليومية للمجتمع الذي كان في ذلك الوقت. عندما نقرأ لمحمد الشويهدي من قصص تلك الفترة نلمس قابليته الشديدة في تحليل النوازع والأوهام التي كانت تنتاب أفكار جيل تلك الحقبة من عامة الناس وخواصهم في مدينة بنغازي، بوصف يتغلغل ويعمق ويعمق لاستجلاب دقائق الحياة اليومية والعلاقات المتشابكة التي تحكم طبيعة المجتمع الليبي في محيط المدينة حينها.. وأقرب ما يتضح ذلك في مجموعاته القصصية )أحزان اليوم الواحد) أو (أقوال شاهد عيان) أم مجموعته (كحل العين) التي تحتوي إلا على قصتين بتوقيع مجتمع الستينيات وهما (ولْد الشيخ) و(الجُــرْذ).فالشويهدي بهذا قد غطـّى أحداث تلك المرحلة بتفاصيل كثيرة من حياة مجتمع المدينة، ليس الجيل الحالي على دراية بها، فمن خلال قصصه بيّن لنا أحوال مجتمع برمته ؛ مجتمع مدينة بنغازي بالذات، فقد عاش فيه وامتزج به فعرف صفحاته البيضاء والسوداء معا ؛ ويتميز في قصصه الأولى بدقة الملاحظة، فهو يحسب كل كبيرة وصغيرة ويضمنها أسلوبه تمشيا مع التيار الواقعي الذي وجد نفسه فيه، فقد عرفناه قاصا مشاكسا يدخل البيوت وينبش أسرارها، ويصور هواجس الشباب من الجنسين ويكشف خططهم في عشقهم وصراعهم مع الحياة, ومن ثم مراميهم وآمالهم الصغيرة والكبيرة، ويبين لحظات السلوك الإنساني من خداع ونفاق وصدق في: ( أحزان اليوم الواحد ) 1972و(أقـوال شاهـد عـيان) 1976.. وقد طُبعت هاتان المجموعتان القصصيتان مرات عدة. وبما أن قصص (أحزان اليوم الواحد) من بين القصص التي ساهم بها الشويهدي مساهمة كبيرة في تغطية نمط الحياة الاجتماعية في مرحلة الستينيات وكانت أحداثها تدور في مدينة بنغازي فقد استرعى ذلك انتباه الناقد والقاص خليفة حسين مصطفى فعلق عليها بأنها ذات نَفَسٍ واحد، وأن أحداثها حدثت في مكان واحد لا يبرحه فيقول : ” تضم المجموعة خمس عشرة قصة، وكل قصة تكاد أن تكون امتداد للقصة التي سبقتها، ومكملة لها في الشكل والمضمون، وهذا الانطباع الذي نستمده من قصص (أحزان اليوم الواحد) يتبلور ببطء من قصة إلى أخرى، ثم يترسخ ويتعمق فلا يعود مجرد انطباع باهت وإنما يتخذ صورة قناعة حاسمة بأن الكاتب كان يمشي فوق رصيف واحد ” (1) محمد علي الشويهدي مميز في هذه الناحية من تاريخ مدينة بنغازي، وإن كان يشاركه بأنفاس أخرى عن هذه المدينة قاصون آخرون قاموا بتسجيل نمط الحياة فيها، في أزمنة مختلفة أمثال بن عيسى الجروشي في مجموعته القصصية:( الناس والحياة) ورمضان عبدالله بوخيط في (حكايات الماضي القريب) وأحمد محمد العنيزي في (حديث المدينة) وكذلك وهبي البوري ويوسف الدلنسي حتى نقف على أعتاب قاصين آخرين أدلوا بدلوهم بالحديث عن مدينة بنغازي، كخليفة الفاخري ومحمد المسلاتي وسالم الهنداوي وسالم العبار وعبدالرسول العريبي وعبدالله الساعدي المغربي، وكلّ له أسلوبه وذائقته عن هذه المدينة رسمها في أحداث مجموعته القصصية. فضلا عن الشعراء الذين لهم باع فني ّكبير عن تجاربهم بمدينة بنغازي كرفيق المهدوي وحسن السوسي وعلي الفزاني وغيرهم.
هكذا الحديث عن مدينة بنغازي كما رصدتها عين الشويهدي وغيره في حُللٍ مختلفة ما بين العسر واليسر والرضا والغضب والاستعمار والحرية والفقر والغنى وسمو الأخلاق وهبوطها وثنائيات شتى كثيرة من هذا وذاك مرت بهذا المجتمع. ومحمد علي الشويهدي من المجموعة الثانية التي أسست للقصة الليبية، ومن طبقته أحمد إبراهيم الفقيه وكامل حسن المقهور وإبراهيم الكوني وخليفة حسين مصطفى وخليفة التكبالي ويوسف الشريف، حين اعتبرنا أن المجموعة الأولى المؤسسة للقصة الليبية على التوالي هم: وهبي البوري ويوسف الدلنسي وخليفة التليسي وعبدالقادر بوهروس وعبدالله القويري وعلي مصطفى المصراتي.
وإذا بحثنا عن الاتجاه الفني للشويهدي نجد أنه من القاصين الذين يتخذون الواقعية اتجاها لهم؛ فهو يضع المشكلة بين يدي القارئ كما صورتها عدسته دون أن يلزم نفسه بحل معين ودون أي استفزاز للقارئ إلى وعظ أو نصح، فالقصة تقدم نفسها بنفسها ويترك الباقي للمتلقي ليجد الحل حسب ثقافته ومدى إدراكه للخطأ والصواب. وهذه الطريقة ينتهجها كل من: كامل المقهور في (14قصة من مدينتي) ومحمد المسلاتي في (الضجيج) وأحمد إبراهيم الفقيه في (البحر لا ماء فيه).