يوسف الغزال
رجل من صعاليك المغرب أو هو مجهول الأصل يتجول في شوارع المدينة، طويل القامة، شديد السواد، يحبه الجميع الصغار والكبار، كأنه أبو الناس كلهم، (بوك عمر) الجميع ينادونه بهذا الاسم فهو رجل غريب الهيئة مجهول الهوية، لا عائلة له، ولا أقارب، يعيش لوحده وينام لوحده، يمشي منتصب القامة كأنه ملك، زاهد في كل شيء، لا أحد يعرف هل هو أخرس أو أنه زاهد حتى في الكلام.
يجتهد الناس في تأصيله بروايات مختلفة، منهم من يقول أنه صعلوك من فقراء الساقية الحمراء كان في طريقه للحج، توقف في مصراتة بسبب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، ولعله يواصل المشوار عندما تناديه مكة وتأذن له بالحج، وتسمع رواية أخرى مغرقة في الخيال، تقول إن امرأة حبشية جاءت في قافلة رقيق تزوجها جن كافر فأنجبت (بوك عمر) ولهذا هو لا يصلي لا يحب المقابر، ويختفي من حين إلى حين، حيث يسافر لأهله في كاف الجنون، تقاسيم وجهه تبدو حادة صارمة توحي لك بأنه يعرف كل شيء ولهذا لا حاجة للثرثرة، يكره النساء، يترك لها الطريق عندما تصادفه مرأة، ولا يأكل من طعام النساء، كان يحفر حفرة ويردم فيها الطعام الذي بعثت به إحدى نساء الجيران، له فلسفة العيش بأقل مجهود، بوك عمر كائن صحراوي جاف لا يحب الماء ولا النساء، ولا يغسل وجهه ويرى أن غسل الجسم بالماء مضر بالصحة وهو سبب البرد والكحة، لا يخلع ملابسه ولا يغسلها كل ما يفعله عندما يتصدق عليه أحد الأغنياء بثوب جديد يلبس الثوب الجديد فوق القديم، ولا أحد يعرف كم ثوب على ثوب يلبس هذا الجسد الصامت، أبوك عمر يطبخ ثلاثة أيام في الاسبوع الاحد والثلاثاء والخميس ايام السوق فقط يخرج لفندق الخضرة وعلى كتفه خرجه المصنوع من الشعر الماعز، يمشي حافي ويحمل قبقابه الخشبي على كتفه، رجل غرائبي ويمسك طنجرة سوداء في يده، يلف على بعض تجار الخضرة، هذا يرمي في الطنجرة حبات طماطم والثاني بصلة ورأس فلفل والثالث حبة بطاطا او ربطة معدنوس ثم يقصد (المجزرة) ليقدم الجزار له قطعة شحم أو عظم، ثم يمر على سوق الزيت بقطرة واحدة أو إثنين من الزيت يكتفي طنجرة ابوك عمر.
جميع التجار والفلاحين في خدمة أبوك عمر، وهو لا يكلف نفسه حتى تقديم الامتنان لهم، يمر على كوشة الخباز الإيطالي(بوتشي) يقدم له رغيفه المعتاد، كان حتى الطليان يتصدقون على المحتاجين، يعود مرفوع الرأس ابو عمر إلى سكنه (براكة) بناها له أحد الأغنياء من الزنك، خلع بابها وجعله سرير ينام عليه فهو لا يحب الأبواب والاماكن المغلقة، يعود بوك عمر بالقدر من السوق مليان من جميع أنواع الخضروات، الصبية تجري خلفه ينادونه، لعله يلتفت إليهم أو يتكلم معهم، ولكن أبوك عمر يمضي في طريقه دون أن يلتفت، وتتأكد حقيقة يعرفها الجميع من أهل المدينة أن أبوك عمر لا يلتفت للوراء، يصل البراكة يشعل النار في الموقد وهو عبارة عن ثلاثة حجرات سوداء يضع عليها القدر المليان بما جمعه من السوق دون غسل وبدون إضافة الماء فهو لا يحب الماء، وينام حتى تطفئ النار وتبرد الطنجرة فهو لا يحب أكل الحامي يقوم ويأكل وجبته الوحيدة، يأكل ويترك الباقي ليوم الغد، ورغم بؤس هذه الطبخة، انتشرت بين التجار في دكاكينهم، وصار لها صيت كبير يطبخون طبيخة خضرة بدون ماء تسمى (طبيخة بوك عمر) والحق لها رائحة مميزة.
غاب بوك عمر عن الانظار، لا أحد يعرف أين ذهب؟ بعد عام قال بعض الحجاج أنهم رأوه في جبل عرفات، طال غيابه ولم يعد هذه المرة، قامت البلدية بحملات تنظيف، هدمت براكة ابوك عمر، وأصبحت مدينة بلا ذاكرة، والناس مازالت تنتظر عودة ابوك عمر.