مهنَّد سليمان
لابد أن نُقرّ بأن مجموعة سيرة عالية القصصية للكاتبة والشاعرة “محبوبة إخليفة” الصادرة عن دار الفرجاني للنشر والتوزيع تأخذ أبعاد أقل ما يقال عنها بأنها شفّافة وانسيابية سواء على صعيد اللغة أو الأسلوب السردي المختزل والمُكثّف جدًا، اثنتان وأربعين نصا قصصيا مشبّع بمعنى ما يمكن أن أسميه حميمية التأمل فأكثر القصص تجيء بسيطة وبنهايات تكاد تخلو من المفارقة بيد أنها تفتح إزاء ذهن القارئ سبيلا لصفاء الذهن وهدأة التأمل، لا أذكر بأني قد قرأت شيئا قبل هذه المجموعة للكاتبة والشاعرة “محبوبة خليفة” ابنة درنة المتكئة بزهوٍ على جِنان الربيع فدرنة تغطى وبقوة من خلال ميراثها الأدبي والشعري والاجتماعي داخل معظم قصص المجموعة تقريبا فمن خلال غنّاوة العلم والأمثال والنوادر وحِكم الأدب الشفهي والمتداول في الأوساط الاجتماعية المتنوعة بدرنة، وبذا تشكل درنة مكانا حيا تُبنى عليه المجموعة وكأن كل القصص تروي قصة مشتركة واحدة تتداخل في متن السرد، قصة عالية تمتد سيرتها بنفس روائي إلى نحو ثمانية أجزاء تشتبك فيها عالية مع جغرافيا الوطن شرقا وغربا وجنوبا تلك الفتاة التي ولدت من ماء الذهب وخضّبت الشمس خيوط شعرها الفاتن(عالية، صرخت بأعلى صوتي وواصلت، ما أجملك يا صبية وما أجمل سيرتك وسيرتها) ويتجلى للقارئ بأن الكاتبة قدمت سيرة عالية وإذ بها خفقة في قلب أمومة الأرض فتُعَبّد لخطواتها البِكر الطريق لتمضي، حتى اللغة التي وظفتها الكاتبة وهي تسرد سيرة عالية ممشوقة بالسِحر والسَحَر.
جزالة السرد
وبالتالي لا يملك القارئ أمام قصة (تك تك تك يا أم سليمان بغداد ذات ربيع) إلا أن يضع يده على قلبه جراء الدفق الشفيف لذاك الصبيّ -المريض- وتعلّق كفه البضّ بتاريخ الحب لدى أمه كانت الكاتبة عبر هذه القصة تُربّت على روح قارئها كما غنّت الأم في أذن صبيها أغنية فيروز الشهيرة (أحضرت لي كرسيا وجلستُ بجواره يدي في يده وقلبي يجاور قلبه الطري، ويدي الأخرى ممسكة بالكمامة وفمي على أذنه وهو يتملص ويعافر و-تك تك تك يا أم سليمان تك تك تك زوجك وين كان تك تك تك كان بالحقلي عم يزرع خوخ ورمان) لتتحول هذه القصة من المحنة إلى ضوع يلتبس فيه الياسمين بالبخور، النهايات المفتوحة لجُل قصص المجموعة تفتح الشهية لهضم المزيد من الخفة التي تحتملها الروح ويستمرؤها الخيال، ببساطة مرهفة تفتح نوافذ الخيال إن الكاتبة القديرة “محبوبة خليفة” تقدح شرارة جملة من المعاني داخل جوارح القراء بدءا من الحنين وحُنوّ الأمومة وصولا لجزالة القص والسرد المتدفق تماما كشلال درنة الجيّاش بالصفاء والمحبة.
2 تعليقات
ممتنَّة جداً لموقع طيوب العزيز وللشاعر الشاب الأستاذ مهند سليمان
أسعدتني جداً هذه الإضاءة الجميلة على مجموعتي القصصية (سيرة عالية) وأضافت لي. بالتوفيق طيوب وشاعرنا الاستاذ مهند
محبوبة خليفة
نشكر مرورك الكريم أستاذة.