الإثنين, 7 أبريل 2025
قراءات

فوبيا السارد الطبرقي

المجموعة القصصية (سطوة الكلاب) للقاص عوض الشاعري.
المجموعة القصصية (سطوة الكلاب) للقاص عوض الشاعري.

قرأت نصوص القاص عوض الشاعري قبل أن أعرفه.. وكان ينشر نتاجه الأدبي في المواقع الثقافية عبر شبكة الإنترنت.. وتعرفت على ذلك السارد الطبرقي الذي اتخذ مكانا قصيا شرق البلاد خلال شبكة الإنترنت التي كان لها الفضل في رواج وانتشار انتاج الكتاب والأدباء الليبيين من الشباب الذين ينتمون إلى جيل التسعينيات في وقت كانت فيه المجلات والجرائد الليبية حكرا على مجموعة من الأسماء.. كتب عوض الشاعري نصوصه القصصية بمودة.. لأنه كان يعشق اللغة ويهوى الكتابة السردية وبرز كواحد من كتاب القصة القصيرة الليبية المنتمين إلى جيل التسعينيات.. كنت في ذلك الوقت أنشر نصوصي عبر الإنترنت وألتقي بعوض على الماسنجر.. ونتحدث عن الكتابة والسرد.. تجمعنا هموم جيل واحد من كتاب القصة القصيرة.. التقيت به بعد ذلك في أمسيات قصصية من أبرزها أمسية (الأيام الطبرقية).. وبعد أحداث الثورة والكرامة ونزوحي إلى مدينة طبرق التقينا وأهداني إصداره الأخير الذي يحمل عنوانا استفزازيا هو (سطوة الكلاب).. في هذه المجموعة القصصية يتجه الشاعري لأسطرة الواقع من خلال توظيفه للظاهرة الكلبية في مجموعة من النصوص لكشف الفساد المتفشي في المجتمع نتيجة للنظام القائم على الحكم الفردي الدكتاتوري الذي يعتبر من أبشع الأنظمة المتسلطة على المستوى العالمي.. وحاله في ذلك حال الأدباء والكتاب العرب الذين عانوا من كبت الحريات وتكميم الأفواه فلجأوا إلى الرمز وأسطرة الواقع لإسقاط الفكرة التي يريدون ايصالها للقارئ وفي ذات الوقت يمرون تحت مجهر الرقيب بسلام آمنين.. (الكلاب في مدينتنا لها سطوة عجيبة.. والناس في الغالب يستهويهم عشق كل غريب وعجيب.. ومن عادة بعض أبناء مدينتنا عشق الكلاب والحنين إلى عوالمها.. رغم كل شيء تقريبا.. رغم كل شيء.. حتى وإن كان هذا الشيء منح هذه الكلاب صكوكا على بياض.. للتصرف كما يحلو لها.. دون أي اعتراض من أحد.. خصوصا إذا كان هذا الأحد لا يملك أي كلب قرب باب بيته.. أو مجرد جرو هزيل يجعله في عداد أصحاب الكلاب.. العارفون بأسرارها وقوانينها.. التي سنها حكيم بدوي..).. فالكلاب التي تبث حالة من الخوف في قلوب الناس هي كلاب لها حظوة عند الحاكم.. وهي كلاب النظام التي يسلطها على كل من يعارضه.. وهي كلاب مؤذية وشرسة تعض لأتفه الأسباب وأخرى تنبح من بعيد دون أن تعض.. ونباح الكلاب طوال الليل هو بمثابة تحذيرات لكل من تسول له نفسه المساس بكرسي السلطة وتنبيه له بأن زوار الفجر على أهبة الاستعداد لطرق باب بيته والناس نائمون.. والمعارك الشرسة التي تقع بين الكلاب هي الصراع من أجل المصالح الخاصة ونهب المال العام.. وفوبيا النباح هي حالة الخوف من القادم وما يحمله إلينا من تغيرات نتيجة لتغول أخطبوط الفساد في البلد وكبت الحريات والظلم الذي أدى إلى حالة من الغليان في المدن الليبية.. وما يربط هذه النصوص هو خيط غير مرئي إلا للقارئ الجيد الذي يكتشف ما بين السطور لمجموعة من النصوص القابلة للتأويل على عدة أوجه. وفي نص آخر (ملهاة الرعيان) يعود عوض الشاعري إلى الأمكنة الأولى مهد الطفولة والبداوة ويغرق في حالة من النوستالجيا التي تسكن وجدان الكتاب والمبدعين وتميزهم عن غيرهم.. فالمكان بالنسبة له هو الوتد الذي يشد إليه الذاكرة.. (تستدرجني ذاكرتي على أعتاب الكهولة.. فأرحل معها بتحنان صوب مرافئ الحلم الجميل.. هناك على عتبات طفولتي الموغلة في البداوة.. وأنا أهش على غنمي بعضا من جريد نخلة جدي الوحيدة التي غرسها على شاطئ وادي العين بشط الشواعر.. أراني هناك طفلا بدويا غريرا يمشي بشموخ خلف قطيعه الصغير المختلط من أغنام وعنزات جدتي الحاجة فاطمة الشاعري.. وأنا أتأمل وادي العين الفسيح والأراضي الخضراء المترامية على مد البصر..). في مجموعة (سطوة الكلاب).. تبدأ الحكاية عند الشاعري من مدينة طبرق دار السلام.. من قرية صغيرة اختلطت فيها حكايات الرعاة الذين انشطروا إلى قبيلة من الحكائين وعشيرة من الشعراء.. (ليس ثمة شيء رائج هنا أكثر من الحكايات.. ولا شيء يكسو حدة الضجر في مساءات الشتاء غير قصاص ينسج الحكاية كحاو محترف.. فبلدتنا مشهورة بين القرى منذ تكوينها ب (أم الحكايات)..

مقالات ذات علاقة

يا عَلَم

محبوبة خليفة

تحت مجهر الفنادي

رامز رمضان النويصري

خبز على طاولة الخال ميلاد

المشرف العام

اترك تعليق