نهى محمد | مصر
رواية “محمد النعاس” التي انهيها في الأيام الأولى من العام الجديد، أسحبها في حقيبتي منذ العام الفائت أقرأ منها ولا اريد ان تنتهي..
رواية جميلة بحق، تفوح منها رائحة العجين والمخبوزات والخيبات، أزمة رجل مختلف في مأزقه الوجودي، متورط فيما تورطنا فيه نحن النساء من قرون، الوقوع تحت سطوة المجتمعات والأحكام القاسية المسبقة والنمط الذي يجب أن يمضي داخله الفرد ليكون سويا ومتسقا مع اللحن العام.
حتى لو كان لحنا لا يلائمه، يكتم أنفاسه ويصيبه بالخرس، لا شيء مهم إلا أن تحرك شفتيك لتبدو مثل الجوقة الكبيرة التي تحيطك.
رجل خذلته رجولته في الفترة التي قضاها في العسكرية، فشل في المحافظة على إرث والده، وعلى الحفاظ على خميرته التي يصنع بها خبزه، وعلى مخبزه، وعلى حريمه –نساء الدار، الأم وأخواته الأربعة الأكبر منه.
” ميلاد ” وقصة حبه الكبيرة، ما جرى بينه وبين ” زينب “، التي توجست من وجودها في روايته، في عالم الرواية كله، كرهتها رغم حبه الكبير لها وتضحياته المتكررة من أجلها.
حبه الذي شككت فيه معه، ووجوده كله الذي ظل يتلاعب بي داخل أجواء الكتابة، صوت موسيقى البطل المفضلة ورائحة حشيشة ابن عمه وصورة العجين الهائل وهو يتشكل بيتزا وخبز الشيباتا الإيطالي أو الفوكاشيا أو رغيف الباجيت الفرنسي الذي أحبه جدا والذي تتسع ابتسامتي وتسري في قلبي البهجة بمجرد رؤيتي له معروضا حيث اسمع صوت قرمشته في عقلي وأجرب غموسا مختلفا له على لساني، مجرد رؤيته تبدو طقسا يستحق الاحتفال.
لا اعرف كيف امتلأت رواية “النعاس” بكل هذا الحشد من المشاعر والطاقة الكبيرة، طاقة الارتباك والحيرة والغضب والحب، إلا أن الهالة التي تحيط بميلاد كان هالة ضعف ضخمة تتسرب من الكتابة، تنز دما حقيقا كذلك الذي غطى الصفحات الأخيرة من الحكاية
ككلمة واحدة انتظرتها طوال أكثر من ثلاثمائة صفحة، بحثت عنها حتى تطفئ شيئا من حنقي وغضبي على زينب ولعبتها معه، أردت ان اهمس بها له، لذا شعرت بالانتصار عندما رمي لي سطرا قبل انتهاء الرواية بصفحات، دس فيه الكلمة وأكثر، شكرته من كل قلبي أن ميلاد رأي في النهاية ما كان ظاهرا مثل الشمس
انتصر الكاتب لميلاد، حتى وإن اضاعته الحقيقة وأفسدت خميرته للأبد. لكنه رأي وسمح لنا معه بالرؤية.. رواية جميلة وكاتب حقيقي وكبير قدم عمله الضخم، غمسه بالدقيق والماء وعجنه بيد ممتلئة بالتجربة وحرارة الصدق فكانت رواية ستعيش كثيرا، تلهم قراء الأدب وتسعدهم.