حاوره: سمير تلايلف | الجزائر
• الأستاذ والأديب حسين عبروس أهلا بك معنا من خلال هذا الحوار الأدبي، يقال إن أهل مكة أدرى بشعابها، كبداية كيف ترى واقع الأدب العربي عامة والأدب الجزائري خاصة؟
حسين عبروس: مرحبا بك أخي سمير، شعاب مكة يا صديقي متشعبة، منها التي تمر أمام العيون، ومنها ما تمر خلف المتارس، وواقع الثقافة في الجزائر والوطن العربي يتطلب منا الحديث عن تأليف كتاب كبير، رغم ذلك سأقول، هناك أسماء كبيرة موهوبة في الوطن العربي وفي الجزائر، لكن للأسف لم يرافق فيها نقد النص، فكثيرة هي تلك الأسماء المبدعة تعيش في الظل، أو في الفضاء الأزرق، بين نصوص طحلوبية تظن ما تكتبه إبداع في الرواية وفي الشعر وفي أدب الطفل، والكارثة الكبرى أن وزراء الثقافة في الوطن العربي لا يمتلكون خارطة ثقافية دقيقة كي تخرج الثقافة العربية لمنافسة الثقافة عند الغرب، للأسف الثقافة الغربية عنصرية تمنح نوبل لمن يساند الكيان المتصهين.. نأمل أن يلتفت الجميع لعوامل صناعة ثقافة بديلة تعود على أوطاننا بالنفع وبالجميل على المبدع والمثقف في جميع المجالات دون التفصيل.
• مسارك الأدبي طويل ومنتوع لكن الملاحظ أنك في الآونة الأخيرة اتجهت بكتابتك لأدب الطفل، فلماذا اخترت هذا التوجه؟
حسين عبروس: الكتابة للطفل جزء من طفولتي، فأنا لم أتوجّه مؤخرا للكتابة للطفل، ربما أنت لم تتابع رحلتي، فأنا أكتب للطفل منذ أربعة عقود، من 1982 فأول نص كان شعريا، ولي العديد من الأعمال للطفل شعرا ونثرا ودراسة وتنظيرا، ومن يرجع إلى رحلتي في عالم الكتابة يجدني أكتب للكبار وللصغار منذ البداية.. هي تجربة غنية ورحلة ممتعة لأن الطفولة لم تفارقني يوما، والتوجه إلى عالم الصغر دعم ورعاية لثقافة الطفل التي تكاد تكون نادرة في الجزائر.. ولا أستثني كتابة المتطفلين على أدب الطفل، وهي تجربة صعبة وليست سهلة كما يتوهمها البعض.
• ماهي خصوصية أدب الطفل عن غيره من الأجناس الأدبية الأخرى، أو بطريقة وكما ذكرت في نهاية إجابتك، فليس من السهل أن نكتب للطفل، ففيما تكمن صعوبتها؟
حسين عبروس: لكل لون أدبي خصوصية وقواعد فنية، وأدب الطفل يقوم على خصوصية معرفية بثقافة الطفل، من تربية وعلم النفس، وعلوم اللغة وقواعدها، وليس من السهل الكتابة للطفل في غياب موهبة الكتابة، وفي غياب ثقافة شمولية خاصة بعالم الطفل وسلوكياته، ومن لا يمتلك هذه الأمور شط هو متطفل ومحتال يريد الكسب المادي على حساب ثقافة الطفل التي تصنع إنسان الغد رجلا أو امرأة.. ومن يعجز على صناعة الجمال في نفسية الطفل، فأولى له ألا يقترب من هذا العالم البريء.
• جميل، نغوص الآن في عالم الأدب وعوالمه لنتحدث عن الأدب الجزائري وما يدور في ساحته ودهاليزه، بعين الناقد كيف ترى مستوى الإصدارات الأدبية التي تنتج وتعرض موسميًا في المعارض؟
حسين عبروس: الأدب الجزائري على عمومه تجارب فردية متنوعة، والكثير فيه تراكمية لا ترقى إلى مستوى القراءة من حيث المضامين والأساليب الفنية، وكثرة الجرائم اللغوية التي تجتاح القصيدة والنص الروائي، ورغم ذلك فهناك أسماء أدبية جديرة بالتقدير والاحترام من الكبار ومن الشباب، ولكن للأسف النقد عندنا لم يواكب ميلاد النص، وذلك ما جعل الأدب والنقد عندنا ينحاز إلى عالم المحاباة والمجاملات الجهوية والعروشية.
• هناك من الأدباء من يحاولون كسر الطابوهات من خلال أعمالهم، مثل مواضيع زنا المحارم واستخدام عبارات إغرائية وغرائزية وكأنك تشاهد المشهد بعينك، وهناك بعض الأعمال سحبت من السوق الأدبية الجزائرية لجرأتها، هل أنت مع أو ضد التطرق لهذه المواضيع وهذه المثيرات؟
حسين عبروس: هذه الموجة أوجدها الكثير ممن يظنون أنهم كتابا كبار أمثال رشيد بوجدرة، والأمين الزاوي، وياسمينة خضرة، وحذا حذوهم جيل لا هوية له وظن أن الإباحية هي من تقود إلى العالمية، والحقيقة الكاتب الذي يحترم نفسه يكون عالمًا بشؤون الكتابة ويعرف كيف يتطرق في نصه إلى مثل هذه المواضيع، ولا يتعمدها لتفريغ محموله الكبتي والشبقي في عمل روائي، ويتقيأ كل لوثته النفسية والجنسية أمام القارئ في هذا العالم.
• رواية «حيزية زفرة الغزالة الذبيحة كما روتها حنّا تامو» لوسيني الأعرج أثارت جدلاً واسعاً قبل صدورها، وهذا بسبب الأحداث الجديدة التي كشفها الروائي وسيني، هذه الأخيرة أثارت استياء الكثير من المثقفين ووصفوها بتشويه للتاريخ والواقع، حسين عبروس كيف ترى النبش في قصة حيزية التي صارت من التراث الجمعي لجميع الجزائريين؟
حسين عبروس: من يريد أن يركب موجة العالمية حري به ألا يشوّه تراث وتاريخ الشعوب، وما قام به وسيني هو محاولة تحويل واقع حب عفيف بين رجل وامرأة إلى خرافة مشوّهة، يريد من ورائها إحداث لغط وشوشرة كي تتناوله وسائل الإعلام والوسائط التواصلية، والحقيقة أن التراث الجمعي حق كل المواطنين والمثقفين وليس اختراع واسيني ومن دار في فلكه، مع احترامي الشديد للكاتب.
• الصالون الدولي للكتاب ستنطلق فعالياته في الأيام القليلة القادمة، وبالموازاة مع هذه الفعاليات تقام نشاطات فكرية وأدبية على هامشه، ما رأيك في هذه النشاطات التي يعتبرها البعض أنها تستقطب نفس الوجوه كل سنة؟
حسين عبروس: لا أحب أن يراني القارئ الجزائري والعربي ناقم على كل شيء، ولكن الصراحة تجبرني على القول بأن الصالون الدولي للكتاب منذ بدايته إلى اليوم، نرى نفس الوجوه به كل عام ويقصى منه الكاتب الذي يحترم نفسه، لا أعلم ماهي المقاييس التي تُختار بها تلك الأسماء، ولعل ذلك يرجع إلى عمل الشللية القبلية والتوجه المتعارف عليه بين أبناء الدشرة والجهة والعرش.. وربما ساهمت فيه بعض دور النشر الطحلوبية، وإذا كان لديهم شجاعة أدبية عليهم أن يكشفوا للقارئ أسماء المشاركين على مدار 26 سنة.. الأسماء هي نفسها مع تبديل وتغيير بين الفريقين من المفرنسين وبعض المعربين والكثير من الاستعراضين اللا ثقافيين وبعض المتطفلين.
حسبنا الله.
• ماذا تقترح حتى يكون المعرض في مستوى تطلعات الجماهير والزوار الذين يتزايد عددهم سنة بعد سنة؟
حسين عبروس: أنا لا أقترح بل أقول لهم تعلموا من معرض فرانكفورت الدولي ومعرض القاهرة ومعارض عالمية أخرى، كي يشعر المواطن الجزائري أنه معني بالكتاب، وأن يكون الكتاب في العاصمة وصداه الحقيقي في بشار وفي وهران وفي تمنراست وفي كل ولايات الوطن، بالمحاضرة بالمداخلة وبالعرض، وليكن المعرض للكتاب وللمحاضرة وللأمسية وللمسابقة الأدبية وللندوات، وليكن المكان مناسبا ومحترما وليس مكان للبيع.. هناك أشياء أخرى يجب أن تقال، لا يجب أن يكون الزائر إما تاجرا يعيد البيع أو متجولا ينتهز فرصة المواعيد المسروقة، وقليل من الزائرين هم أحبة الكتاب. أتمنى أن نجد هذا العام صورة تشرف الكاتب والكتاب والزائر، إضافة إلى الخدمات التي تواكب فترة العرض.
• هل أنت مع تنقل المعرض في طبعات أخرى إلى ولايات أخرى، أم مع بقائه في العاصمة؟
حسين عبروس: المعرض في الأصل يجب أن يكون في العاصمة، ومن المفروض أن تكون له فروعا في الولايات كي تخفف على المواطن أعباء السفر، وتكون المداخلات والمشاركات بالحضور أو عبر الزووم، لكل دولة عاصمتها التي تحتضن التظاهرات الثقافية والفنية الكبرى.
• تحدثنا عن المعرض، حدثنا الآن عن أعمالك التي سيجدها القارئ في الصالون؟؟؟
حسين عبروس: هذه السنة ستكون لي مع الطفل فرصة للقصة التاريخية التي تواكب ستينية استقلال الجزائر، سيجد القارئ الصغير سبع قصص منها: الشمس الأبدية – شهيد يتحدى – شهيد لم يمت – الركض خارج الدائرة، وهذا في المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، وسيكون يوم 26 أكتوبر بيع بالتوقيع، كما سيجد القارئ في دار الأوطان ثلاثة قصص وهي: أسطورة ثورية – المعلّم والجلّاد – صقر الجبل الأبيض. أتمنى أن تروق للقارئ الصغير وكل المهتمين ومن الكتّاب والقرّاء والمربين..
إن شاء الله ستزداد فرحتي بالحضور دائما للقاء الأصدقاء والقرّاء.
• لاحظنا أنك متابع لسلسلة الحوارات التي ننشرها يوميا، بصراحة ما رأيك في هذا الفضاء الذي خصصناه لكم معاشر الادباء؟ وماهي الأسماء التي شدت انتباهك وستحاول اقتناء أعمالها؟
حسين عبروس: هذا الفضاء مساحة ود طيبة تمنح القارئ الفرصة لمعرفة تلك الأسماء الشابة علر الوطن وعبر التواصل الاجتماعي، وهو أيضا نافذة تؤرخ لتجارب أصحابها في المستقبل، أخي سمير أنت مشكور على جميل جهدك الإعلامي. لعل متابعتي تلزمني ثقافيًا بأن أقرأ لبعض من حاورتهم كي أكتشفهم لأن الغالبية هم أسماء صوتها خافت في عالم الكتابة، ويسعدني أن أكتشف اسما يبهرني بأسلوبه ومضمون ما يكتبه. تحياتي لهم جميعا.
• في ظل الأحداث الأليمة التي تحدث عند أهلنا في غــزة، ماهي رسالتك لأهلنا هناك؟
حسين عبروس: ما يحدث في فلسطين محنة كبيرة وإجرام وحشي متواصل منذ أكثر من سبعين عام، ولكن تكالب الغرب ضد فلسطين ودعمهم اللا مشروط لليهود يقابله صمت الأنظمة العربية وتخاذلها، ولم يبق لنا إلا الكلمة والتضامن بما نملك ولكن نصرالله آت…آت.. سيظل الأحرار في هذا العالم يدينون مواقع المجرمين في العالم، وأقول الكلمة وحدها لا تكفي، بل تناصرها عدة السلاح النّد بالنّد.. وبذلك يكون التعادل في المعركة، ويكون حتما النصر لأصحاب القضية، رحم الله شهداء غزة وكل فلسطين وعجل بشفاء الجرحى والمصابين.. وسنظل نكتب للتاريخ بأنّ أمة العرب ستعود من جديد بأجيال قادمة لا تعرف الخيبة ولا الانهزام.
• وصلنا لنهاية حوارنا، الأستاذ حسين عبروس نشكرك على هذا الحوار، قبل مغادرتنا نترك لك كلمة الختام.
حسين عبروس: لا تحسب ما قلته هو الخاتمة، فعندي اعتراف مذهل في الجلسة القادمة، ما سأقوله هو على الكاتب والمبدع مهما بلغ شأنه أن يعيد حساباته مع الكلمة التي تصنع المدهش الجميل، وألا يغترّ بما يكتب، ولتكن الكلمة رصاص المقاوم، وبلسم الجريح ونبض العاشق الولهان، ومرشد الحيران كي يهتدي إلى منارة النجاة، وألا تكون بهرجة وهرطقة المتنسرين والمتطفلين على عالم الكتابة.
تحياتي ومحبتي لك أخي سمير ولكل المتابعين والقرّاء على صفحتي المتواضعة.