الذكرى الخامسة لرحيل الملحن الليبي عمر الجعفر
الملحن عمر الجعفري في مقابلة مع ملحق كل الفنون
ألحان شجية جعلتنا نعيش الوطنية مع الوطن، ونشعر بنشوة الانتصار والحرية، فالألحان التي يصفق لها القلب لابد أن تصفق لها الايدي، لأنها لها تناغم وعذوبة وتمازج بين التراث والأصالة، وتتجسد لتكون لوحة فنية رائعة، هذه هي ألحان الفنان “عمر الجعفري” الذي كان لملحق كل الفنون هذا اللقاء معه بعد إنجاز أحد أعماله في الملحمة الغنائية “طرابلس عروس البحر والنهر”.
التلحين عالم واسع وكبير يصعب الاستمرار فيه إن لم تكن هناك الموهبة والدراسة والممارسة فما رأيك؟
– أنا دائماً أقول إن هناك فرق بين التلحين والتنغيم.. التلحين هو تصوير لكل جملة موجودة في النص الشعري، وتغير موسيقى في جملة لحنية من الجملة الشعرية، ومن ناحية أخرى يفترض أن يكون لكل ملحن أسلوبه الخاص به، وهناك أسس وقواعد معينة للتلحين، بحيث يكون العمل الفني سواء الأغنية أو الموسيقى التصويرية لها بناء، وهذا البناء يجب أن يكون متكاملاً من البداية إلى النهاية، بالإضافة إلى الموسيقى المصاحبة للأغنية التي تعبر عن ما يدور في النص الشعري. أي أن عالم التلحين من الضروري أن تكون فيه الموهبة والممارسة، ودعمها بالدراسة الاكاديمية لتكون على أسس وقواعد صحيحة.
كملحنين تقع على عاتقكم مسئولية الحفاظ على مستوى الأغنية الليبية وبالذات مع فناني الجيل الجديد. فما هي الخطوات التي تتبعونها في هذه المرحلة؟
– كما أشرت؛ لكل ملحن أسلوب خاص، وتكامل الملحنين واتساع دائرتهم والمجال مفتوح أمامهم للعمل والتلحين، والذي يثمر في النهاية عن أشكال متعددة من الأغاني، سواء الخفيفة منها أو الطربية أو حتى القصائد الشعرية.. وتنوع الملحنين وإنتاجهم الغزير بالتأكيد سيفرز نماذج كثيرة من الأغاني المطلوبة، هذا من جهة.. ومن جهة أخرى أحب أن أطمئن الجمهور بأن الأغنية الليبية، بخير ومطلوبة في الساحة الفنية العربية، والدليل على ذلك إن معظم المطربين الذين حققوا انتشارا خارج الوطن كان بفضل الأغنية الليبية، بالإضافة إلى أسلوب الملحن الليبي المختلف عن غيره، وبذلك يكون دور المستمع هو الذي يختار ما يريد سماعة والانسجام معه.
شاركت في السنوات الماضية في الأعمال الرمضانية من فوازير وأغاني وفقرات موسيقية. فلماذا تراجعت في السنوات الأخيرة؟
– أنا بدأت في المنوعات منذ بدايتها في ليبيا، من خلال برنامج (فكر وأكسب) وكان ذلك في عام (1971)، وكنا نكون مجموعة من الفنانين كأسرة برنامج، منهم: الفنان يوسف الغرياني، وإسماعيل العجيلي، وباسط البدري كمخرج، وأنا وعطية محمد كملحنين، وبعدها بدأت الرحلة مع المنوعات مع الفنان يوسف الغرياني ثم مع الثنائي سعد الجازوي وفتحي كحلول، ثم مع الفنانة خدوجة صبري والثنائي خالد كافو وعبدالباسط أبوقندة. وكل من قدم تلك المنوعات كنا فيها طرفاً في ألحانها باستثناء السنوات الأخيرة، وأنا لا أسعى إلى منتج أو مقدم برنامج، وأطلب منه أن يقدم لي أعمالاً لتحلينها ولو طلب مني تلحين أعمال أجد فيها الكلمة الجيدة والمضمون الهادف سأقبل بذلك ولكن لم يأتي أحد وطلبني للعمل.
هناك من قال بأنك كنت الداعم الأول للفنان الشاب أيمن الأعتر منذ الطفولة فما رأيك؟
– أولاً الفنان أيمن الاعتر “موهوب” منذ الصغر واستمعت إليه في أغنية (وطنا) من كلمات الشاعر (عبدالله منصور) وألحان الفنان (خليفة الزليطني)، ومنها شعرت بأن هذا الصوت سيكون له مستقبل ومنها توالت الأحداث بعد أغنية (وطنا)، وكانت هناك مشكلة بين (شطري اليمن) وكان الشاعر عبدالله منصور كتب أغنية عن اليمن يدعوا اليمنيين إلى الوحدة وقمت بتلحين هذا العمل واخترت له (أيمن الأعتر) من كثرة إعجابي به، ومنذ ذلك الوقت وأنا مهتم به، وقدمت له العديد من الأعمال منها أغنية للانتفاضة بعنـــوان (وين الأمة) وملحق عن الانتفاضة الثانية بعنوان (ماهي إرادة) والتي غناها أيمن صحبة مجموعة من الأصوات النسائية، بالإضافة إلى أغنية (منتصراً) مع الفنانة أميرة، وكذلك ملحمة وطنية لأيمن الأعتر والشاب الجيلاني وناصر المزداوي وسالمين الزروق، وأيضاً قدمته في عمل عن الاتحاد الافريقي مع الفنانة أميرة، وكان من كلمات الشاعر الكبير (أمحمد الغول) هذا الشاعر الذي أوجه له تحية حب وتقدير من خلال هذا اللقاء.. وكان التعاون بيني وبين أيمن مستمراً لأنني آمنت بموهبته وبصوته الذي شعرت منذ البداية بأنه سيكون له بريق ووجوه في الساحة الفنية المحلية والعربية، وبعدها قدمت له أول عمل عاطفي بعنوان (يا بعاد الدار) من كلمات (محمد الفيتوري)، ومن ثم أصبح الاتصال بيني وبينه يومياً للترتيب للمرحلة المقبلة وهي مرحلة الانتشار خارج الوطن.. وكانت إذاعة الجماهيرية تقدم برنامج (استراحة الجمعة) وكنت ضيفاً فيه وناقشت من خلاله الأستاذ (إلياس الرحباني) قبل إعلان نتائج برنامج (سوبر ستار) بأربع أسابيع، وطلبت منه أن يختبر أيمن في إمكانية الصوت وقام بامتحانه وأعجب بصوته، وكان له تأثير على أن أيمن يستحق هذه المرتبة ولقب (سوبر ستار العرب) وأتمنى لأيمن ولكل الفنانين التوفيق والنجاح.
هذه الألحان الشجية التي أتحفتنا بها طيلة هذه السنوات فأنت من الرعيل الذين جعلوا للأغنية الليبية مكاناً ومعنى وسط هذا الزخم الفني، هل تم تكريمك على ما قدمته؟
– أقولها وللأسف الشديد لم يتم تكريمي ولكن تكريمي جاء من قبل المستمعين وباستمرار وكل مستمع يسألني عن آخر أعمالي أو يعجب بآخر عمل قدمته وهذا أعتبره تكريم بالنسبة لي .
شاركت كعضو لجنة تحكيم في العديد من المهرجانات والمسابقات الفنية فحدثنا عنها؟
– كنت عضو لجنة تحكيم في مهرجان الأغنية الليبية في دورته الرابعة، ورئيس لجنة التحكيم في المهرجان الأول للمواهب تحت شعار (نجم الأولى)، والذي أقيم بالتعاون مع اللجنة الشعبية للثقافة والإعلام بشعبية طرابلس ونادي الأولى العائلي، وأتمنى أن تستمر مثل هذه المهرجانات التي تفرز أصواتا وملحنين وشعراء وعازفين من الشباب، وتنمي الذوق العام عند المستمع، بالإضافة إلى العديد من المسابقات الفنية والمهرجانات المحلية الأخرى، التي كنت فيها أحد أعضاء لجنة التحكيم وفرز النتائج.
ماذا عن دعم رابطة الفنانين لكم كملحنين؟
– رابطة الفنانين تقف مع الفنان وأجهزة الإعلام تعطى المجال أمام الفنان، ولكن هذا الدور الذي تقوم به أجهزة الإعلام يفترض أن تقدمه رابطة الفنانين، ونتمنى أن يكون دورها مثل هذه الأجهزة الإعلامية، لأن الفنان يحتاج إلى وقفة جادة ومد يد العون له، ليعطي فناً أصيلاً نابعاً من الأعماق لنشر الكلمة واللحن الليبي إلى مختلف الدول العربية.
آخر أعمالك كان ملحمة غنائية (طرابلس عروس البحر والنهر) من كلمات الشاعر علي جبريل ومن ألحانك حدثنا عن هذه الملحمة؟
– أنا كلفت بتلحين ملحمة (طرابلس عروس البهر والنهر)، هذه الملحمة التي تحكى تاريخ طرابلس وتاريخ انجازات ثورة الفاتح وقدمت في هذه الملحمة العديد من الوجوه الجديدة ولأول مرة وبعد انقطاع طويل للفنان (محمود كريم) في أجمل اللوحات بالإضافة إلى الفنان (محمد رشيد) ومجموعة من الأصوات النسائية إلى جانب الأطفال.. وهذا العمل منذ قراءتي للنص تجاوبت معه ووجدت نفسي أمام شاعر موهوب يختار مفرداته بكل أناقه واقتدار رغم أن العمل طويل ويحتوي على (15) لوحة فنية ولم أحاول تغيير مفردة واحدة فيه وذلك نتيجة الصدق الموجود في هذا العمل، وأقولها بكل فخر أن هذا العمل من أفضل الأعمال التي قدمتها في حياتي واستعنت فيه بأكبر فرقة موجودة وتم تسجيله في قاعة حديثة هي قاعة (طرابلس للتسجيلات) للفنان محمد حسن والعمل من توزيع الفنان (الشارف العربي) وهو يعتبر من أقدم الموزعين على الساحة المحلية والعربية، بالإضافة إلى أنني من خلال هذا العمل حاولت تصوير الكلمة من ناحية اللحن ومدته ساعة وعشر دقائق، وعندما أستمع إليه وأنا الملحن أشعر بأنني أستمع إلى دقائق فأنا أعتز بهذا العمل وأتمنى من اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام والهيئة العامة لإذاعات الجماهيرية العظمى بتصويره والاهتمام به لكي ينتشر داخل وخارج الجماهيرية لأنه يعتبر عملاً شاملاً يتكلم عن إنجازات ثورة الفاتح ومراحلها وما صنعته لأجل الشعب والجماهير الليبية وما حققته من مكاسب .
لمن لحنت من فنانين عرب؟
– لحنت لمجموعة كبيرة من الفنانين منهم الفنانة الراحلة “ذكرى محمد” وسوسن الحمامي وأمل عرفة، وجوليا بطرس، ومهى البدري، بالإضافة إلى الأصوات الرجالية منهم الفنان مدحت صالح وعادل المغمول، وعلي الحجار وغيرهم.
كلمة أخيرة؟
أوجه تحية إلى الاخوة باللجنة الشعبية العامة للثقافة والاعلام والاخوة القائمين على إذاعة الجماهيرية العظمى والكوادر المهتمة بالفن والفنانين وأقول لهم بارك الله فيكم وسدد الله خطاكم لأن الفنان بدون دعم لا يمكن أن يتقدم في الحركة الفنية وأشكر القائمين على احتفالية طرابلس عاصمة الثقافة الاسلامية وأشكر صحيفة الجماهيرية وأخص ملحق ( كل الفنون ) الذي هو دائماً متواجد حيث يوجد الفنان.
المصدر: منتدى سماعي للطرب الأصيل.