المقالة

دعوهم يحتفلون.. فاحتفالهم لن يعيد “جماهيرتهم”!!

خالد الجربوعي

الرئيس المصري جمال عبد الناصر عندما انتقل الى رحمة الله في سبتمبر 1970 واستلم الحكم بعده انور السادات والذي كان في يوم من الأيام جزء من نظامه واحد من شاركوه ثورته “أو انقلابه” كلا حسب وجهة نظره لما حدث في 1952..  وهو من اختاره ناصر نفسه ليكون نائبا له يستلم الحكم من بعده في حدث ومفاجأة لم يعرف أحد اسبابها حتى اليوم ولا من كشف تفاصيلها التي ربما تكون ذهبت مع اصحابها الأساسيين.. وبعد تسلمه للحكم عمل السادات على التخلص من كل ارث ناصر وحكمه.. فغير النظام السياسي في مصر 180 درجة داخليا وخارجيا.. الامر الذي استغربه البعض في البداية وان تعاملوا معه في النهاية.. بل لم يتوقف الامر عند ذلك بل زج في السجون كل من كان لهم علاقة بعبد الناصر ونظامه ومن بقي داعما له حتى بعد وفاته.. من سياسيين ومثقفين وادباء وصحفيين وحتى فنانين وغيرهم من كل فئات المجتمع المصري او من يشتبه في انه قد ان يكون حاملا لفكر عبد الناصر ولو ظنا.

المهم انه بعد غياب عبد الناصر وانقلاب من جاء بعده على فكره ونظامه انتشر الفكر الناصري والقومي والذي ينتسب الى عبد الناصر بشكل مفرط لا مثيل له ليس داخل مصر لوحدها بل في كل الدول العربية تقريبا.. فتشكلت الاحزاب والجماعات الناصرية والقومية وكل ما يمكن ان ينتسب الى عبد الناصر ويحمل مشروعه القومي حتى في دول كان تناصبه العداء وترفض كل افكاره بل وتدعم كل من حاربه داخل مصر وخارجها.. بل ان ول حتى الى عديد الدول الغير عربية ليتحول الفكر الناصري القومي لدى الكثيرين وفي مقدمتهم انصاره الى عنوان للوطنية والعروبة والانتماء.. وكل من يخالفه او يرفضه يكاد يتحول الى عدو وعميل وغيرها من صفات مشينة حقا وباطلا.. بل حتى زعماء ورؤساء دول عربية اخرى عملت على اتخاذ الفكر الناصر القومي منهجا لها وعملت على ان تكون الخليفة المنتظر ليحل محل من ذهب الى جوار ربه حتى لو كان ذلك عبر الشعارات والتصريحات لا أكثر.. وطبعا كان من بينهم وفي مقدمتهم القذافي نفسه.. والذي اتخذ من مقولة عبد الناصر “القذافي امين القومية العربية” شعارا ومنطلقا له في هذا الامر وكأن ما قاله ناصر لابد ان يكون حقيقة لا مناص منها.

المهم انتشر الفكر الناصري ومؤيديه ربما أكثر حتى مما كان عليه في وجود صاحبه وأصبح مطاردة هؤلاء في كثير من الدول وفي مقدمتها مصر جزء من امن الانظمة العربية التي كانت تخشى من هؤلاء لما لهم من شعبية ومرجعية في تلك المرحلة.. خاصة فترة سبعينات وثمانيات القرن الماضي.. لكن كل هؤلاء فشلوا في تحقيق هدفهم وغايتهم بعودة هذا النظام او حتى استنساخه بشكل حقيقي حتى في الدول التي أرد زعماءها انتهاج هذا الطريق.. لتتوالى الايام والسنوات ويبدأ هذا الفكر واتباعه في الأفول والاندثار والانقسام والتقلص بكل السبل حياة او موتا.. حتى وصل الامر الى ان الكثير من أكبر انصاره ومؤيديه يتحولون الى أكبر ناقديه وناقدي زمنه وعصره.. فمنهم من بعد تبينت له حقائق ما حدث في فترة حكمه وكشفت له امور جعلته يغير مواقفه ودعمه الى اقصى حد.. ومنهم من دخل مع الموجات الجديدة والمتغيرات الدولية داخليا وخارجيا حتى لا يفوته قطار التغيير.. خاصة بعد ان كشف الزمن ان ما يبنى على فرد واحد يذهب معه الى القبر عندما يسقط وينتهي ولا مكان له على ارض الواقع بعد.. ليبقى مجرد تاريخ يروى بين مفتخرا به وناقدا ورافضا له كلا حسب موقفه منه وكيف يراه.

وهكذا حتى اصبحت كلمة الناصرية ومعها القومية واصحابها لا وجود ومكان لهم في كل مكان وتحول الرجل وفكره الى ماضي لا مكان له في الحاضر الا كقصص تروى وتاريخ يذكر سلبا او ايجابا.

ذكرت هذا الامر نتيجة ما يحدث اليوم في ليبيا من أنصار او من يسمون أنفسهم أنصار النظام الجماهيري وقائده الغائب والذين لا يريدون الخروج من عباءته رغم كل المتغيرات والاحداث سلبية او ايجابية ومازال.. حيث الكثير منهم يظن انه لابد ان يعود هذا النظام بطريقة او اخرى.. طبعا رغم الاختلاف الكبير بين من كانوا يؤيدون عبد الناصر على اساس فكرية وسياسية الى حد كبير وبين من يؤيدن القذافي والذين لو كشفت حقيقة مواقف الكثير منهم قبل 2011 لوجد جلهم ممن كانوا أكثر الرافضين لنظامه والمنتظرين لسقوطه.. لكن ولأسباب اخر ما يمكن تكون سياسية او فكرية الا لقلة قليلة.. فأن جل هذه المواقف والتأييد ولو ظاهريا تدور في إطار جهوي قبلي مصلحي.. او حتى رفضا لمن جاء بعده او نتيجة لما حدث وتعيشه البلاد حتى اليوم وفشل التغير في تحقيق ما يفترض انه حدث ما حدث من اجله وسيطرة جماعات وافراد لا قيمة لهم ومكانة على المشهد والسلطة في البلاد.. رغم ان التاريخ يخبرنا انه ليس من السهل بناء دولة حقيقة على أنقاض تغير جاء بقوة السلاح وخلفا لنظام منع كل معارضة او عمل ساسي خارج فكره ونظريته الواحدة والوحيدة وفي بيئة يمكن القول انها كانت صحراوية فكريا وسياسيا الى اقصى نتيجة منع كل وجود لفكر مخالف او معارض للفكر الواحد لرأس النظام.

المهم ان من يعلنون اليوم انهم أنصار النظام “الجماهيري” المنتهي عهده ويريدون الاحتفال لتاريخ انقلابه او ثورته كما يطلق عليه هؤلاء في فاتح سبتمبر من كل عام لا اعتقد انه يجب الخوف منهم الى درجة كبير يمكن ان تمنعهم من احياء ذكرى ما يسمونه ثورة زعيمهم بل وسيدهم حيث هناك من يكاد يتحول الى عبد أكثر من اي شيء اخر في دعم الافراد احياء واموات.. وحتى لو فرضنا ان ابنه الطالب للسلطة من بعده سيصل الى ما يصبو اليه فثقوا وتأكدوا انه لن يكون امتداد لطريق والده وان ما كان مع والده ذهب وانتهى الى غير رجعة أي كان القادم لقيادة البلاد من بعده او مهما كانت الاحتفالات بتاريخه التي سيكون الزمن كفيل بإنهائها عاجلا او اجلا.. كما حدث مع غيره عبر التاريخ.. منهم من ذكرت في مقدم الموضوع.

فاتركوهم يحتفلون ويعبرون عن شعورهم كما يحلو لهم ويعيشون لحظات العبودية كما يريدون.. لأنه لا خوف ولا خشية منهم ولا من عودة نظامهم وجماهيريتهم الوهمية التي ذهبت ولا عودة لها ولا اصحابها ابدا مهما فعلوا واحتفلوا وقدسوا زعيمهم الذي ذهب الى جوار ربه..

مقالات ذات علاقة

شريعة الراعي بلغة الخروف

الصادق النيهوم

الإعلام الليبي وأثره في الحرب والسلام

أمين مازن

البداوة والمواطنة

علي الخليفي

اترك تعليق