شخصيات

الأستاذة الفاضلة: سويلمة علي محمد سنان

رائدة التعليم بسوق الجمعة

صلاح الدين الفنادي

الأستاذة الفاضلة: سويلمة علي محمد سنان (الصورة: عن الأستاذ صلاح الدين الفنادي)
الأستاذة الفاضلة: سويلمة علي محمد سنان (الصورة: عن الأستاذ صلاح الدين الفنادي)

أطال الله في عمرها، ومتعها بموفور الصحة والعافية، وأمدها بقوة لتكمل رسالتها التعليمية التي تعشقها بشغف لا يمكن تصوره، وتمارسها الآن مجانا وتطوعا بعد التقاعد.

إنها سيدة (الرياضيات) الأولى، أستاذة الأجيال بسوق الجمعة من البنين والبنات، الأستاذة الفاضلة سويلمة علي سنان.

ولدت السيدة سويلمة، وتربت وأينعت وعملت وتقاعدت بسوق الجمعة (بلد العطاء ونكران الذات)، عشقا وحبا في المكان الذي احتضنها بين ذراعيه، لتسجل رقما به على كونها أول سيدة تمضي عمرا كاملا بالتربية والتعليم، وبلا انقطاع. 

يقال إن الأصول الأولى لأسرتها من مدينة الخمس، ولكنها متأصلة بسوق الجمعة منذ عقود موغلة في القدم.

كان والدها رحمه الله تعالى يعرفه الجميع بالسيد ( علي الخمسي )، وهو من أشهر من مارس مهنة التمريض على عهده، لغة وفنا وإتقانا، حتى أن الناس كانوا ينادونه بـ ( الطبيب علي الخمسي )، تعلم المهنة من الأطباء الإيطاليين وتعمق في إتقانها منهم، وأصبح محل ثقتهم في العمل الطبي، كانت له عيادة طبية خدمية في بيته الذي يقع في أول منطقة السوالم من جهة ميدان سوق الجمعة ( قبل مركز الضمان حاليا )، هذه العيادة مخصصة للأعمال الطبية المساعدة، إلى درجة أنه كان يجري بها العديد من العمليات الجراحية الصغرى، ويكتب لأصحابها الوصفات الطبية الدقيقة وباللغة الأجنبية.

كان يتنقل كطبيب مساعد زائر على دراجة نارية من الحجم الكبير، حاملا معه كل ما يلزم للقيام بواجبه الإنساني، كانت الناس بسوق الجمعة على عهده لا تعرف في مهنة الطب إلا رجلين فقط هما:

1 ــ الممرض / على الخمسي رحمه الله، والد كل من عبد الله، وعبد العزيز سنان.

2 ــ الممرض / علي عريبي شنيب (المعروف بـ علي الجبالي) رحمه الله (والد الأستاذ نوري عريبي).

لقد عملا الاثنان مع خيرة الأطباء الإيطاليين بطرابلس وسوق الجمعة، ومنحوهما شهادات ورسائل تفيد بتأهيلهما لهذه المهنة الإنسانية وعلى نطاق واسع بها.

بدأت السيدة سويلمة دراستها بالصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الابتدائية بمدرسة سوق الجمعة التي كانت تقع أمام المحكمة، والتي صارت فيما بعد (مكتبة عامة)، ومن أشهر من تتلمذت على أيديهن الفاضلات: الأستاذة سكينة العرادي وكانت تقوم بمهام مديرة المدرسة، والأستاذة فطومة باكير، والأستاذة نفيسة ناصوف، والأستاذة حواء الدوكالي.

وبالصف الرابع نقلت لتدرس مع الأولاد بمدرسة سوق الجمعة المركزية، وكان أستاذها في هذا الصف المرحوم الرجل القدير العصامي ( أبوغرارة شهوب الكريكشي )، الذي ترك التعليم عام 1957 م بعد حصوله على الشهادة الثانوية، ليقوم الجيش الليبي بإيفاده في بعثة دراسية خارجية إلى كلية الحقوق جامعة بغداد بالعراق الشقيق، ليكون بعد تخرجه مستشارا قانونيا للجيش الليبي، وقد أمضى بالعراق أربع سنوات ( 1957 / 1961 م ) تحصل خلالها على ليسانس القانون، وعاد إلى البلاد ليعين ضابطا بالجيش الليبي برتبة رئيس ( نقيب )، ويصبح رقمه العسكري [ 313 ]  طيلة خدمته بالجيش، والتي وصل في نهاية مطافها إلى رتبة عقيد، ومنصبه مديرا لإدارة القضاء العسكري بالقوات المسلحة الليبية، ولم تمنعه أعماله وانشغالاته اليومية عن الاستزادة من العلم والتحصيل، حيث تحصل على شهادة الماجستير، وأخر عهدي به قبل وفاته رحمه الله أنه يدرس للدكتوراه، ولا أعلم إن استكملها أم لا.

وعندما نجحت من الصف الرابع، انتقلت إلى مدرسة الظهرة (الشعلة) بمدينة طرابلس لتدرس بها الصفين الخامس والسادس، وبها تتلمذت على أيدي المرحومة الفاضلة الأستاذة لطفيه بن موسى.

أما المرحلة الإعدادية فقد درستها بما يعرف بـ (معهد هايتي) سابقا بوسط مدينة طرابلس ميدان الجزائر، وكانت مديرة المدرسة يومها الأستاذة فاطمة كاره، وهيئة التدريس أغلبها من المعلمين المعارين من مصر.

وقد التحقت بالمرحلة الثانوية بمدرسة طرابلس الثانوية للبنات بشارع النصر، على أيام مديرتها القدوة والمثل الأستاذة رباب عبد السلام أدهم (المتخرجة من الجامعة الأمريكية ببيروت بدولة لبنان عام 1961 م)، وكان أغلب المعلمين بهذه المرحلة من الإخوة المصريين.

وكانت ترغب في الدراسة في مجال الطب بعد حصولها على الشهادة الثانوية القسم العلمي، ولكنها نسبت إلى مجال الصيدلة، وبأمر من والدها انتقلت إلى معهد جميلة الإزمرلي للمعلمات بطرابلس، لتدرس السنتين الثالثة والرابعة علمي (رياضيات وعلوم)، وكانت مديرة المعهد يومها السيدة الفاضلة الأستاذة زهرة الفلاح، كما أنها تذكر بالفخر الأستاذ محمد البنا معلم الرياضيات، والأستاذ صفاء معلم الكيمياء اللذين تتلمذت على أيديهما بالمعهد وفي مجال التخصص.

وبنهاية العام الدراسي 1972 / 1973 م تخرجت من المعهد حاصلة على إجازة التدريس الخاصة شعبة العلوم والرياضيات، وتعينت مباشرة بمدرسة سوق الجمعة الابتدائية الإعدادية المجاورة لمدرسة أم المؤمنين الثانوية حاليا ( لم يتم إنشائها بعد )، وكانت تعرف بمدرسة السلام، وهي اليوم ذات الفصول الجاهزة والتي أصبحت من مكونات للبلدية )، وكانت مديرة المدرسة في ذلك الوقت المرحومة الفاضلة زهرة الأمين عمر شنشن وهي من طرابلس، والتي يعرفها أغلب سكان سوق الجمعة، وملتحقة بالتعليم منذ عام 1960 م، هذا بالإضافة إلى سكرتيرة المدرسة السيدة نعيمة البخاري، والزميلات المعلمات، لطفيه توفيق علوم، ونعيمة السبعي لغة إنجليزية، ومنى الشريف لغة انجليزية، وغيرهن.

وفي عام 1975 م رأى المسؤولون بالتعليم تخفيف الكثافة من الطالبات بالمرحلة الإعدادية عن هذه المدرسة بعد الشروع في افتتاح المرحلة الثانوية بها، فتم افتتاح مدرسة بن صالح (أبوبكر التهامي اليوم)، بعد نقل الأولاد منها، لتكون مدرسة ابتدائية إعدادية للبنات، وتم اختيار الأستاذة سويلمة سنان لتكون مديرة لهذه المدرسة الجديدة حتى عام 1978 م عندما تركت الإدارة لظروفها.

عادت إلى التدريس عام 1978 م، ونقلت إلى مدرسة جامع التركي الإعدادية للبنات (النهضة حاليا)، ولكنها لم تستمر بها سوى ستة أشهر لبعدها عن سكنها، وبأمر والدها اضطرت للانتقال إلى مدرسة عبد الله الجطيلي الإعدادية للبنات، وقد استمرت في التدريس بها حتى عام 1995 م، وكان مديرها في تلك الفترة الأستاذ أبوبكر الغاوي كاره.

وفي عام 1995 م نقلت بناء على موافقتها مديرة للدورة المسائية بمدرسة العهد الجديد أيام مديرها الأستاذ الفاضل والمربي الناجح الأستاذ العجيلي عبد القادر حليم، وقد استمرت بهذه المدرسة والمهمة إلى عام 2003 م، عندما حط بها الرحال في أخر محطات العمل الوظيفي والعطاء والإبداع بمدرسة عمرو بن العاص الابتدائية الإعدادية، حيث استمرت في تدريس مادة الرياضيات بالمرحلة الإعدادية، إلى أن شملها التقاعد عام 2011 م، وللأسف جاءها التقاعد مع وفاة زوجها فكان الحدث ذا تأثير عميق في نفسيتها بعد هذا الجهد والعطاء المتميز.

وخلال هذه الرحلة الطويلة، نجدها لم تفارق تدريس مادة الرياضيات بالصف التاسع من مرحلة التعليم الأساسي حتى عندما كانت تقوم بأعباء الإدارة وغيرها من المهام في الفترات الصباحية والمسائية، واليوم نراها متطوعة في إحدى المدارس الخاصة (مدرسة الضياء لصاحبتها الفاضلة الأستاذة آمنة علي القصبي)، وبدون مقابل تدرس المادة عشقا وحبا، ومن أقوالها المأثورة التي تحرص على تكرارها دائما (إنني أشعر بالحياة عندما استنشق رائحة الطباشير، ولا أحب أن أفارقها وأعتزل عنها، لأن في ذلك موتي المحقق).

حفظها الله تعالى بحفظه، وأسدل عليها رداء الستر والصحة والعافية، وأسبغ عليها نعمه ظاهرة وباطنة، إنه سميع مجيب.

مقالات ذات علاقة

محمد الزواوي.. مفجِّر ثورة الكاريكاتير الليبية

أسماء بن سعيد

الشاعر امحمد قنانه الزيداني

عبدالقادر الفيتوري

في البدء كان الارتحال: رحّالة ليبية منسية

فاطمة غندور

اترك تعليق