الجزيرة نت – خالد المهير – بنغازي:
لم يكن المصور الليبي طارق الهوني (41 عاما) يعلم أن تصويره للأيام الأولى لثورة ليبيا في فبراير/شباط 2011 سوف يحصد جائزة “الكاميرا الشجاعة” من بين ثمانين فيلما بمهرجان أقامته ليبيا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والمعهد الثقافي الإيطالي في طرابلس. ويرصد فيلم “بداية سقوط العقيد”، وهو الاسم الذي اختاره الهوني لفيلمه، أحداث الثورة في أول أيامها بشوارع وأزقة بنغازي بالقرب من أكبر معقل لأجهزة القذافي الأمنية، وهي كتيبة الفضيل بوعمر التي سقطت بأيدي الثوار في العشرين من فبراير/شباط 2011. ويتابع الفيلم بدقة مشاهد سفك الدماء وارتفاع أعداد القتلى بالرصاص الحي بين المتظاهرين السلميين خلال خمسة أيام متواصلة من الكر والفر بين أجهزة القذافي الأمنية والمتظاهرين بميدان الشجرة ومناطق البركة وساحة التحرير في بنغازي، معقل الثورة الليبية، كما يقولون عنها. ويدافع الفيلم بشدة عن سلمية المظاهرات التي تحولت إلى ثورة عارمة انتهت بمقتل العقيد الراحل معمر القذافي في العشرين من أكتوبر/تشرين الأول 2011. ويفسح الفيلم مجالا لبداية اعتصام المتظاهرين في ساحة الحرية وحملات التطوع بالأغذية والبطاطين والمساعدات الإنسانية ومطعم الحرية الذي كان يقدم الوجبات بدون مقابل، لكنه يغفل لحظة إرسال أول مقاطع مصورة إلى العالم الخارجي. ويبرر الهوني في حديثه للجزيرة نت هذا التجاهل بالقول إن مساحة الفيلم -عشر دقائق- غير كافية لرصد تفاصيل يوميات الثورة، مؤكدا أنه أشار في أكثر من مناسبة إلى رفاقه فاتح مناع وخالد الزنتاني وناصر الهدار ونعيم العشيبي وحملي آغا وكمال حذيفة والشهداء محسن العرج وإبراهيم الحراتي وأحمد الجازوي.
أيام محبة وتفاؤل
ويتذكر المخرج الهوني كيف كانت تلك الأيام، ويقارنها بحاضر الأيام، حيث ارتفعت وتيرة العنف والقتل والاغتيالات. ويقول “كانت أيام محبة وتفاؤل”، لكنه يؤكد أن ما بين سطور صوره الصامتة رسالة إلى كل الأطراف بأن عليها التوقف عن القتل والتفجيرات، والرجوع إلى أيام جمع الإعانات والبطاطين عند ساحة الحرية بجوار محكمة شمال بنغازي. ويوضح أن من بين الصعوبات التي واجهت توثيقه خشية الثوار منه والعكس، ويوضح “كان الثوار يخشون عدستي، وفي الوقت نفسه كانت أجهزة الأمن والشرطة تعتبرني من الثوار”، لكنه مع هذا يؤكد أن الثوار تعرفوا عليه عن قرب، وباتت عدسته “جزءا لا يتجزأ من ثورتهم وتحركاتهم”. ويسرد الهوني للجزيرة نت أكثر المشاهد التي أثرت فيه، ويقول “كنت عند ثلاجة حفظ الأموات بمستشفى الجلاء في بنغازي، واقتربت من أب لأحد المتظاهرين الشهداء، ورأيته بأم عيني يتفاخر بأن ابنه سقط في سبيل تحرير ليبيا من قبضة القذافي، وأن لقاءهم القادم في الجنة”. ويؤكد الهوني أن هذا المشهد لن تنساه ذاكرته، وأنه سيبقى خالدا فيها إلى الأبد، طالبا من الخصوم السياسيين اليوم احترام “شهداء الثورة”.
خارق حارق
ويضيف أنه شاهد شبابا في مقتبل العمر يستقبلون بصدور عارية الرصاص “الخارق الحارق”. ويعتبر فيلمه -الذي جاء في عشر دقائق- لا يكفي لسرد بطولات وأبطال الثورة، مؤكدا أن فيلمه ومادته لا يساويان شيئا أمام التضحيات الكبيرة. ومن بين المشاهد التي تحدث عنها الهوني مجموعة من الشباب سقطوا أمام كاميرته جراء إطلاق المضادات الأرضية عليهم عند باب كتيبة الفضيل بوعمر. ويواصل بالقول إنه رغم مشاهد القتل والترويع والإرهاب إلا أنه شعر بأن ثمة أمل في نجاح الثورة حينما شاهد الجموع تهتف بساحة الحرية أنشودة “سوف نبقى هنا” للمنشد الليبي عادل المشيطي، معتبرا هذه اللحظة فارقة في حياته. ويؤكد فني المونتاج الذي أشرف على الفيلم محمد سلامة في حديثه للجزيرة نت أنه حاول بكل جهده أن يتعرف أي مشاهد في أي بقعة من العالم على الثورة من خلال الصورة بدون كتابة تعليق أو مادة صوتية مصاحبة للصورة، مؤكدا أنه من حسن حظ الثورة الليبية أن يتواجد فيها مصور مثل الهوني صاحب الخبرة الواسعة في التصويرالاحترافي.
جهود فردية
أما المخرج الليبي محمد مخلوف، رئيس لجنة مهرجان الشاشة العربية، فقد أكد للجزيرة نت أنه سعيد بوجود جيل ليبي يوثق أحداث الثورة بجهود فردية بعيدا عن المؤسسة الرسمية. لكنه كان يتمنى من الهوني وضع اسم المصور خالد الزنتاني على لقطته التاريخية “البلدوزر الأصفر وهو يحطم أسوار هيبة القذافي شرقي ليبيا، وهي كتيبة الفضيل بوعمر”. يذكر أن الهوني مصور لقناة الجزيرة في بنغازي، وهو خريج في قسم العلوم السياسية، أنتج ستة أفلام تسجيلية وتوثيقية عن حميد العنيزي و”بنغازي ملح الحكاية” و”صحافة بنغازي في نصف قرن (1919-1969)” وابنه شهيد بوسليم، وفيلم عن والده أبوبكر الهوني، الكاتب والصحفي بجريدة “الحقيقة”، وحاليا يضع اللمسات الأخيرة عن فيلم “حكاية جورب” للروائي الليبي محمد الأصفر.