في أبشا، تلك المدينة البائسة، التي بعد سبع ساعات من الرماية الثقيلة سقطت على بكرة أبيها؛ لم نر غير اسراب طيور تلجأ للسماء، وسحب دخان، وغابة تحترق، وحطام من الاكواخ والصراخ والحيوانات النافقة.
لهذا رغما عني سأخضع فيما بعد لذاكرة نازفة، ما زالت تحتفظ برفات جنود كتيبتي الذين قتلوا بعد ذلك في معركة وادي الدوم؛ بما فيهم رفيقي الطيب: الجندي أول (عطية الجرو).
وها قد مضت قرابة ثلاثين سنة وأنا أحاول الفرار بعيدا عن تلك الصحراء دونما جدوى، تاركا خلفي جثث رفاقي. أنسحب وبخيبة كبيرة خاسرا ومحطما؛ لعلني أتدرب على خوض معارك أخرى تهجس بتحويل الثُكنات إلى حدائق، وتعلّم العزف على العود عوضا عن الكلاشنكوف.
وأيضا الرغبة في التسلل ليلا خارج تاريخي. اجل لي ذاكرة مسمومة وخرقاء، تحمل اكداسا من حطام بيوت، واشجار ميتة وحيوانات وحدائق مهجورة وجثث اصدقاء وقصائد لا يقرأها احد، وموسيقى نازفة في حقيبة كتف.
ديسمبر2015