الشاعر الليبي مفتاح العماري
طيوب النص

شَاعرٌ بأسرِهِ يمشي على القلبِ

إلى مفتاح العَمَّاري .. شاعرٍ يفرِّقُ بأصابِعِه غيومَ الكآبَةِ .. ويرسمُ بحبرِ قلبِهِ بيتًا للفرحِ.

الشاعر الليبي مفتاح العماري
الشاعر الليبي مفتاح العماري

أَيُّهَا الشَّاعِرُ الطَّاعِنُ في غَيَابَاتِ الوجِعِ لحنًا ظامئًا .. الغائبُ في الحضورِ البليدِ ملاكًا .. المسافرُ في كلِّ اتجاهٍ ولا اتِّجاهٍ .. أَيُّهَا المنبثُّ في ليلِ النُّكرانِ البذيءِ قمرًا ريفيًّا لا يسألُ الغرباءَ عن أحلامِهِم المخبَّأةِ .. ولا يحرجُ العاشقينَ بسؤالِهِم عن تأشيراتٍ لنبضِهِم المهرَّبِ .. أَيُّهَا المنبثقُ من صَحْوِ الأمنيَاتِ فجرًا ذهبيًّا .. المنشقُّ عن صمتِ السَّادِرِيْنَ في عجزِهِم بصخبِ القصَائدِ ، وثوراتِ البراكينِ ..

هل تسمحُ لإدَّعائِنَا الصَّفيقِ أنْ يقفَ لحضورِكَ الجميلِ إِكبارًا .. وأن نصفِّقَ للقصيدَةِ الحسناءِ حينَ تهبُكَ بحرًا ذلولاً تخطرُ عليهِ دونَ زحافٍ .. دونَ نشازٍ .. دونَ عناءٍ .. للمعاني الموقَّرَةِ حينَ تزوِّجُكَ بنتَهَا البكرَ .. وللمحبَّةِ حينَ تهبكَ وطنًا من ضوءٍ ، وأكوانًا من عطرٍ وشعرٍ ونوارسَ ..!؟

لا أحدَ سيسألُكَ لماذا تأخَّرْتَ عن موعدِ الفرحِ .. ولا لماذا أجَّلت عرسَ القصيدةِ الكبيرَ .. ولا أحدَ سيزعمُ أنَّهُ نَازَعَكَ حبَّ الوطنِ .. لا أحدَ سيسألُكَ لماذا تلطمُ خَدَّ بلاهَتِنَا ونحنُ نُصَدِّقُ دعاوى المرضِ بالغيابِ الكذوبِ .. ونؤمنُ أنَّ بإمكانِ الشَّاعِرِ أن يتقاعدَ .. ونزعمُ ببجاحَةِ الظنِّ الأثيمِ أنَّ قلبَهُ يمكنُ أن يشيخَ ..!؟

أَيُّهَا الشَّاعِرُ ، أَيُّهَا المتسكِّعُ في باحةِ القلبِ رسولاً .. ووجهَ حبيبٍ .. وداعيةَ محبَّةِ .. أَيُّهَا المسَافِرُ في خَاصِرَةِ القصيدَةِ لحنًا .. ومعنًى ذهبيًّا .. وبيتًا عصيًّا نافِرًا ..

أَيُّهَا المنحوتُ في رائعةِ العشقِ وشمًا مقدَّسًا .. وترتيلَةَ عشقٍ مُهرَّبةً .. وأيقونَةً سحريَّةً نستدني بها فرحًا كذوبًا لا يجيءُ..!

بأيِّ شيءٍ سُنغرِي قلبَكَ الجرئَ ليعودَ إلى غيِّهِ الطهورِ .. بذكرى أصدقاءٍ لم يعودوا .. أم بحبَّةِ شعرٍ .. أم بنفثةِ عطرٍ ، أم بوجْهِ قصيدةٍ ..!؟

لا شيءَ هنا بإمكانِهِ أن يُغرِي قلبَكَ العزيزَ بالمجيءِ .. ويجرَّ أَنَفَتَهُ البتولَ للذُّوْبَانِ على مصاطبِ البرودِ .. لا شيءَ هنا ، والشِّعْرُ يُغْلِقُ مدائنَ الدَّهْشَةِ على فرحٍ مُصادرٍ ، وَيُلْغِي آخرَ مراسِمِ اللَّهْفَةِ في قلوبِ العاشقينَ ..!؟

كانَ بإمكانِنَا أن نلبسَ للعيدِ أثوابَ اللَّهْفَةِ .. وأن نوهمَ قلوبَنَا الغبيَّةَ بأنَّ ثمَّةَ فرحًا مُرَاودًا ينتظرُ على مداخِلِهَا إذنًا بالوصولِ..

كان بإمكانِنَا أَنْ نرشَّ عطرًا مزيَّفًا على أجسادٍ مهترئةٍ .. وُنَلْصِقَ ابتساماتٍ باهتةً على شَفَاهِ جفَّفَهَا كَذِبُ الأمنياتِ .. وكمَّمَهَا وَجَعُ الحقيقَةِ السَّافِرَةِ .. وأوصدَ أبوابَ حدائقِهَا زيفُ الكلامِ …

كان بإمكانِنَا أنْ نلوِّنَ بالبياضِ المرَاوِغِ بهاتةَ ابتسَامَاتٍ سوَّسَهَا النِّفَاقُ المقيمُ ، ونخرَ أرواحَها سُوْسُ الخداعِ ..

أَيُّهَا الوالجُ إلى تاريخِ الهوى قمرًا وعصفورًا وشاطئَ أحلامٍ .. سندَّعي أننا اشتقْنَا إليكَ .. وأننا منحنَاكَ قلوبَنَا لتحتملَ بها وجعَكَ الجبَّارَ .. وأننا وَقَفْنَا حَياتَنَا الفارِغَةَ على عمرِكَ المباركِ فَوَهَبْنَا لكَ تلكمُ الأعمارَ الخاويَةَ الآيلَةَ أبدًا للانكفاءِ والانطفاءِ .. وَهَبْنَا لكَ هذهِ الأعمارَ الهشَّةَ الجانحةَ أبدًا للخيانةِ لترتِّقَ بها عمرًا يَلِيْقُ بكَ .. عمرًا يستحقُّهُ شَاعِرٌ بحجمِكَ .. وبمزايا قلبِكَ الأمينِ الحزينِ..

سنزعمُ أَنَّنَا قد وهبناكَ أصابِعَنَا المرتعشَةَ ، وأقلامَنَا الكسلى .. وأوراقَنَا التي أقحطَهَا جدبُ الفراغِ لترصُفَ بها دَربًا آمنًا نحوَ السَّماءِ .. وطريقًا مزهرًا إلى الرَّبيعِ .. ومسلكًا سِرِّيَّا إلى قلوبِ العاشقينَ .. ومسربًا مونقًا إلى قلوبِنَا الجوعى للحبِّ والعطرِ والشعرِ والسلامِ..

سنزعمُ أننا رفضْنَا قُبلاتِ حبيباتِنَا .. وأضرْبَنَا عنِ العشقِ المباحِ.. وأحلْنَا أعيادَنَا السَّمِجَةَ المكرَّرَةَ على التَّقَاعِدِ الإِجبارِيِّ المبكِّرِ.. فقد تأخَّرْنا بِقدرِ مليونِ نبضةِ عشقٍ عن رَكبِ الحبِّ المبجَّلِ .. وَسَقَطْنَا لوحدِنَا في هُوَّةِ عَمَى الجمالِ ..!!

سنتوَّهمُ أننا أمسكْنَا عن تعاطي الفرحِ المغشوشِ لمجرِّدِ أنَّةِ شاعرٍ .. وأننا حَبَسْنَا أنفاسَنَا المجَّانيَّةَ تَضَامُنًا معَ قلبِ شاعرٍ عفيفٍ يتوجَّعُ ..

سنزعمُ أننا أطعَمْنَا الحمَامَاتِ النَّائِحَةَ على شبَّاكِنَا قمحَ قلوبِنا .. وأذكينا غناءَهَا بموسيقا أرواحِنَا الدَّافِقَةِ .. فيما كانت تناشدُنا قلبًا شاعرًا بإمكانِهِ أن يترجمَ نواحَهَا إلى هديلٍ..

سندَّعي أَنَّنَا كلُّنَا أصدقاؤكَ الأوفياءُ الأنقياءُ .. وأننا قرأناكَ ونقرؤكَ بذاتِ الحبِّ الذي تكتبُ بِهِ قصائدَكَ الضوئيَّةَ .. ونتلقَّفُهَا بنفسِ الدِّفْءِ الذي تشحنُ بِهِ تفاصيلَهَا .. وبنفسِ العطرِ الذي يزكمُ أرواحَنَا حينَ نتنفَّسُهَا بهِ فجرَ اللَّهَفِ الجميلِ ..

بأن قلوبَنَا تستوعِبُ موسيقَاكَ الفارِهَةَ .. تغويها موسيقا روحِكَ .. وأنَّ كلماتِكَ المبصرَةَ قد أثَّثتْ جدبَ قلوبِنَا بنجوى بوحِهَا المعطَّرِ .. وأننا استوعبنا وجعَكَ .. وخلعْنَا سرابيلَ فرحِنَا عطفًا على قلبِكَ المحبِّ الكبيرِ ..

من يرتِّبُ وجهَ الحلمِ .. ويلقِّنُ صبواتِنا طَرَائِقَ اليقينِ .. ويشفعُ صلواتِنا بنورِ القبولِ .. وسكينةِ القنوتِ.. ورجاحةِ الدعاءِ المقبولِ..

من يدرِّبُ أذواقَنَا الأميَّةَ على فنِّ التلقِّي .. ويُبَلْسِمُ الجراحَ الصَّارِخَةَ الوجعُ .. وَيُهَدِّئُ من رَوْعِ آلامِنَا المستعرَةِ .. من يستعمرُ قلوبَنَا المتوَاطِئَةَ مَعَ الضَّجَرِ الجسوْرِ .. من يرسمُ للوعدِ المتمنِّعِ وَجهَ التحقِّقِ السَّعِيْدِ .. وَيُنْصِتُ لِنَهْنَهَةِ أعمَاقِنَا تتمارى فيها مَوَاجدُ الأسى العميقِ ..!؟

من يُرَبِّتُ على طفلِ أرواحِنَا حينَ يفزعُ ضَجَرًا من وسوسَةِ القنوطِ الكفورِ .. !؟

من يُهَيِّئُ المساءَ الصَّدِيقَ لجلسَةِ سمرٍ بريئةٍ ، وَيُشْعِلُ لِلْمَوَاعِدِ الزَّاهِيَةِ أَصَابِعَ الدَّهْشَةِ الرؤومِ ..

من يَعِدُ ذَاكِرَةَ النَّهَارِ بِشَمْسٍ مُسَالَمَةٍ تغطِّي سَوْءَةَ اللَّيْلِ الفاجرِ بتوتِ أشعتِهَا الذَّهبيَّةِ .. من غيرُكَ أَيُّهَا الشَّاعِرٌ يتسلَّلُ إلى قلوبِنَا شَاعرًا بأسرِهِ يحبو على القلبِ .. يسري إلى القلوبِ كنسمةِ فرحٍ .. كسهم شوقٍ مخاتلٍ فيُسْدِي إليها قَصَائِدَ النَّهَارِ.. يُعيدُ لقوسِ قزحٍ وَجْهَهُ الملوَّنَ ، وللفراشاتِ رفيفَ أجنحَتِهَا السَّاحِرَ .. وْلِلْمَدَى الباهِتِ لونَهُ القرمزيَّ .. وينسبُ الرَّبِيْعَ الصبيَّ إلى أَحبَّائِهِ العاشقينَ .. يُؤبِّنُ قوافلَ الأسى الدَّاهِمِ بنثارِ حنينٍ عسجديٍّ ، وينعى لِلجراحِ أوجاعَهَا الكَافِرَةَ بأغنيَةٍ جهورٍ .. وللنكرانِ وَجْهَ خَيبتِهِ الآبقَةِ .. ويلطمُ خدَّ الكفرِ السَّادِرِ بغشَاوَةِ الْغِوَايَةِ .. وَيَنْسِفُ ليلَ الغيابِ القمئِ بيقينِ الحضورِ المبجَّلِ.. ويعلنُ بيانَ الفرحِ المستديمِ .. يُعِيْدُ منطقةَ الأَشْيَاءِ .. وَيَسْمَحُ للسَّمَاءِ الصَّدِيقةِ أن تتزنَّرَ كلَّ نبضٍ بحزامِ فتنتِهَا القزحيِّ .. وترذِّذُ الأرضَ بريقِ شهوتِها المقدِّسِ .. ويزوِّجُ المواسِمَ المطيرةَ قلوبَ الشُّعَرَاءِ .. ونزواتِ العاشقين.. وأحلامِ الفراشاتِ ..!

ما أحوجَنَا .. ما أحوجَ الحياةَ والقصائدَ لشاعِرٍ مهيبٍ ينسفُ برؤاهُ غشامَةَ الوجعِ .. ويزجرُ بقلبِهِ الكبيرِ دعاياتِ الذهابِ المضبَّبِ ..

شاعرٍ ينبضُ في قلبهِ ألفُ ربيعٍ .. ويتمرجحُ فيهِ موجٌ جسورٌ وشموسٌ وشطآنٌ .. ينصِّبُ في ساريةِ القلبِ وطنًا من حبٍّ .. من ضوءٍ وعطرٍ وأمنياتٍ ، ويرتدي أسماءَنا جميعًا حينَ ندَّعي أننا نحبُّهُ .. ويصدَّقنا على حينِ كذبةٍ من نيَّاتِنَا المراوغَةِ .. وينسى أن يوشوَشَ نفاقَنَا ببعضِ عتابٍ خجولٍ .. وأن يرشَّ على قلوبِنَا المعطَّلةَ قبسًا من روحِ الياسمينِ .. وجدولاً من ضوءِ الأناشيدِ المقدَّسَةِ ..

 شاعرٌ يأتي بفرَاهةِ الحلمِ .. وشساعةِ الوطنِ .. وطراوةِ الأحلامِ الورديَّةِ .. في انتظارِهِ سَنُعِيدُ تأهيلَ قلوبِنَا لتليقَ بفرحَةِ عودَتِهِ .. وسنعدِّلُ ساعاتِنَا المتوقِّفةَ على توقيتِ قلبِهِ الدقيقِ  .. قبلَ موعدٍ جِدِّيٍّ للخياناتٍ .. قبل مدَّخرٍ مُؤَجَّلٍ للفوَاجِعِ .. قبلَ قيامةِ الرَّمْلِ .. قِيَامَةِ الحيَاةِ .. قِيَامَةِ القصيدَةِ..!

مقالات ذات علاقة

صوت الصمت

عبدالقادر الفيتوري

“نقية” بعد عزلة الجائحة

المشرف العام

من خزانة الأسبوع الثقافي

جمعة الترهوني

اترك تعليق