شخصيات

أول مهندستيْ مواد ليبيتيْن!

م. زينب عبدالسلام بن عثمان      م. إعتدال أحمد حسن بك

م. إعتدال أحمد حسن بك
م. إعتدال أحمد حسن بك

بداية لمن لا يعرف:

أتحدث هنا عن فرع هندسي جديد نسبياً بدأ يتطور منذ خمسينيات القرن الماضي وهو “هندسة المواد”.

حيث يختص بدراسة الخواص النظرية والمخبرية الفيزيائية والكيميائية والحرارية والذرية والكهربية وحتى النانوية لجميع مواد الأرض … التي يعتبرها مهندس المواد موزعة على 3 مجموعات: معادن (وسبائكها) وخزفيات وبوليمرات. هو لا يدرسها فقط من أجل استثمارها خير استثمار في تعمير الدنيا …

بل من أجل تصنيع ما ينقصنا من مواد ضرورية بمواصفات لا تتوفر في المواد الطبيعية نحتاجها لظروف استثنائية غير طبيعية. مثل تلك التي تتحمل الضغوط والحرارة والتآكل والأوزان الهائلة والإشعاعات القاتلة الخارقة إلخ ..

الضرورية للعمل في بيئات الفضاء وأجواء الكواكب الأخرى وفي أعماق البحار وأعماق الأرض وأعماق الجليد .. وفي صناعات الأسلحة والطائرات والسفن والمحطات الكهربية النووية وغيرها.

حيث تتعرض موادها إلى بيئات وظروف استثنائية غير طبيعية تؤثر في قوامها وقدرتها على تَحَمُّلِها.

مهندس المواد من خلال معرفته بتصنيف جميع مواد الأرض ومجموعاتها وتركيباتها الذرية وخواصها الفيزيائية والكيميائية يمكنه أن يصنع سبائك جديدة لم تعرفها البشرية.

لا من خلال الخلط العشوائي كما كان يفعل الأقدمون وإنما بناءاً على دراية تامة بجداول ومعادلات علمية دقيقة يمكنه بالاعتماد عليها إنتاج مواد جديدة حسب الطلب!

مواد جديدة تتحمل الظروف الاستثنائية الجديدة فيهرعون إلى مهندس المواد لينجدهم بها بعلمه وخبرته في أعماقها.

وقد قدم مهندس المواد بالفعل الكثير من المواد المعاصرة نتيجة للسباق الفضائي والحاسوبي والعسكري، منها قطع الحاسوب الدقيقة وأجنحة الطائرات وسبائك الكربون والسيليكون التي تستخدم في بناء مركبات الفضاء وحتى أكفأ مضارب وكرات الجولف!

كما كان لمهندس المواد الفضل في ظهور اللدائن وأشباه الموصلات خصوصاً السيليكون والأنتيمون .. وهو يخوض اليوم في أعماق تطوير الهندسة النانوية التي لا شك في أن مستقبلها كبير واعد.

في سنة 1980 درس أول طلبة ليبيين هذا العِلم عند التحاقهم بأول قسم لدراسة “هندسة المواد” في ليبيا بكلية الهندسة النووية والإلكترونية بجامعة طرابلس تحت إسم “قسم هندسة وعلوم المواد” حينما تأسس، كان 5 من طلاب دفعة 1978 بالكلية هم أول من درس هذا العِلم في بلادنا. غير أن التاريخ قد سجل للمهندسة “إعتدال أحمد حسن بك” لقب “أول طالبة ليبية تدرس هندسة المواد” .. حيث كانت الوحيدة بينهم!

وعائلة حسن بك حسب ما سمعت من بعض الأقارب الطرابلسية هي فرع من عائلة القرمانلي (مثل فرع بك درنة)، فهم أبناء وأحفاد حسن بك القرمانلي الذي كان من الممكن أن يكون حاكم ليبيا بعد أبيه الأمير علي الأول لولا أن اغتاله أخيه يوسف في القصة التي عرفناها من أيام منهج التاريخ في المرحلة الإعدادية، فلماذا اختارت “م. إعتدال” المغامرة بدراسة علم جديد لم يدرسه أحد في ليبيا قبلها وزملائها؟

تقول إنها وزملائها الخمسة الأوائل كانوا بالفعل متخوفين من الدراسة بالقسم لأنه كان مجال جديد في ذلك الوقت، لكن دراستها له جاءت بالضبط استجابة لفضولها هذا نحو المجهول!

لقد رغبت في التعرف على هذا المجال الجديد بعد أن علمت أهميته الكبيرة. والحق أن كل ليبي يفخر حينما يسمع من “م. اعتدال” تقول إنه رغم جِدة هذا العلم في ليبيا إلا أنه لم تواجهها صعوبات في دراسته حتى تخرجت!

مع أن القدر شاء أن تكون – دون قصد ولا تقصير منها – ثاني ليبية تتحصل على أول بكالوريوس في هندسة المواد، مع أنها أول ليبية درست هذا العلم، لماذا؟

كانت “م. زينب عبدالسلام بن عثمان” زميلتها في دفعة 1978 قد دخلت قسم الهندسة النووية بذات الكلية …

لكنها انتقلت منه فيما بعد إلى قسم هندسة المواد، فاحتسبوا لها المقررات التي درستها في قسم الهندسة النووية كمواد اختيارية … مما ساعدها في أن تسبق “م. اعتدال” في عدد الساعات المنجزة … كما ساعدها ذلك في تنزيل مشروع تخرجها قبل “م. اعتدال”، فتخرَّجت قبلها في 1983 .. مما جعلها تتحصل على لقب “أول مهندسة مواد ليبية”!

عملت “م. زينب بن عثمان” في مركز البحوث النووية، ثم انتقلت لتتولى مختبر الأشعة السينية في قسم هندسة المواد الذي تخرجت منه ولا أدري عما فعلت بها الدنيا بعد ذلك!

أعود إلى “م. اعتدال” .. فقد تحصلت على لقب “ثاني مهندسة مواد ليبية” بجدارة بعد أن تخرجت من بعد تخرج م. زينب في ثالث شهور سنة 1984، ومع ذلك مازالت تحتفظ بلقب “أول مهندسة ليبية تدرس هندسة المواد” !

فور تخرجها عملت بالمكتب الاستشاري الهندسي للمرافق لمدة سنتين، ثم تزوجت من زميلها في الدفعة وفي دراسة هندسة المواد م. عبداللطيف الكمشوشي” (كانت من الزيجات النادرة جداً في الكلية التي يقترن فيها اثنان من زملاء الدراسة!)

ثم مكثت 9 سنوات في البيت دون عمل لتهتم بأسرتها الجديدة، بعدها عادت إلى العمل الأكاديمي حيث عملت بالمركز العالي المهني “الشموخ” حيث درَّست في قسم الهندسة مادة “أعمال الورش” ومادة “حماية البيئة”، كما درَّست في قسم البصريات مادة “علم المواد” و “تقنية الزجاج” .

إلى أن تقاعدت سنة 2020 … وكالعادة .. لا أحد من كبار سياسيينا يعرفها !! وإن عرفها لم نسمع بمن أعطاها منهم قدرها لمكانتها التاريخية في تاريخ الهندسة الليبية.

لذا ربما هذا المنشور هو أول من ينفض الغبار عن سيرة هذه البطلة الليبية الأخرى في صف المهندسات البطلات الليبيات المنسيات وهن أحياء!!

مع أنه كان يجب أن يتولين أعلى المهام والمناصب في مجالاتهن الهندسية .. ولو فخرياً تقديراً لريادتهن!

ولأنه منشور تاريخي أحببت أن تكون صورتها فيه من أيام دراستها الجامعية .. كما عرفتها أنا .. أيام الأحلام الجميلة والآمال الكبيرة بحياة أفضل!!

تسعدني مشاركتكم في المنشور بس الرجاء حفظ حق نسبته إلى كاتبه عبدالحكيم عامر الطويل 25 05 2023.

مقالات ذات علاقة

الثامن والعشرون من أبريل الذكرى الحادية والثلاثون لوفاة ولى عهد المملكة الليبية!

المشرف العام

في ذكرى التي لم تعد وحيدة (2/1)

حواء القمودي

مرضية النعاس.. أول روائية ليبية

أسماء بن سعيد

اترك تعليق