المقالة

معشر السكون العام

المبروك درباش

من أعمال التشكيلي عبدالرحمن الزوي
من أعمال التشكيلي عبدالرحمن الزوي

لا توجد مؤسسات دينية في الإسلام، والحقيقة إن الإسلام يعتبرها أحد المآخذ، عَلى كُلٍّ من المسيحية واليهودية، في أشكالهما المؤسساتية، وتحوُّر الكنيستين لتصبحا أَكْبَرَ من ناموس ديانتهما. في الإسلام، خلافاً، حتى الجامع لا يُعد مؤسسة دينية، فهو مكان للصلاة الجماعة وليس الفردية، والرأي والحكمة في مُجمل الشرع يحدثان فيه، أي في وقت صلاة الجماعة، ولتكملة ذلك وُجِدَت صلاة الجمعة؛ الصلاة الكبرى، أو الصلاة التّمُّ، والتي يحدث فيها تناول الرأي والفتاوى، ولفترة أطول ولذلك “فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ”.

والإمام في الإسلام هو إمام الصلاة وليس الجامع. فلا هو ذاك القسيس الحاكم بأمر الله في الكنيسة ولا الجامع يملك هكذا سلطات أو حِظاء عند الله. فالكنيسة لا تجمع الناس، بل فقط المُسجلين فيها والمعتمدين لديها. ولهذا، وفي كثير من الإسلام، يكمن عقل الإسلام، وتسكن حكمة الجامع في القرآن.

إن اعتبار دُور الإفتاء والوقف مؤسسات دينية هو مغالطة في العقيدة وتَمثُّل واِحتِذاء نفعي صرف، والقصد منه تحويل الجامع إلى كنيسة، لأن الكنيسة تصنع رجال كنيسة والذين هم بالتالي رجال الدين أو موظفي الله. إنهُ سلوك مبتذل ومكرر لصناعة جاه وسلطان خارج الجامع بشرعية الجامع، ذاك المكان المقهور والمسلوب من جُل وظائفهِ.

ما يحدث اليوم في كثير من المجتمعات الإسلامية هو تحول خجول نحو قسوسة الإمامة، وتَهْمِيش الجامع. إنهُ تشريع بلا شرع ولا شراع. أنهُ انتهازية خرقاء مُغلفة بوشاح عِفّة مزيفة من قبل مشائخ أُميين ذوو قدر هَزِيل حتى من بديهيات المعرفة الإسلامية. وتحت اعتماد “التزكية” غير المُعرفة تلاعباً، أمسوا ينحتون شرعا غير شرع الرسالة المحمدية.

إن مجتمعاتنا تتحول تدريجياً إلى مجتمعات يهودية متطرفة كتلك التي تمنعُ عن الناس كل شيء، وتَحَرِّم كل شيء، وتسطو، هي بدلاً، على كل شيء، بحجة الغيرة على الدين. فالغيرة هي الحُجة وليس المناكفة والصياح واستعمال أدوات الدولة لقمع خيارات الناس. لأنه حينها وبهذا، نتحول نحن معشر السكون العام، إلى مجتمع المَوْز، من الداخل يهودي ومن الخارج مسلم، نتصارخ الله ونعني يَهْوَه.


* يَهْوَهْ: الله في اليهودية، كما ذُكر في التوراة، وتحديدا في سفر الخروج، الإصحاح الثالث، في الآية 15.

مقالات ذات علاقة

سؤال العزلة

عبدالقادر الفيتوري

لمن تؤذن المآذن؟

سعد الأريل

إدهاش بلا تأويل

سالم العبار

اترك تعليق