همس الذكرى
في ذكرى ميلاد شاعر عرف النور مع مطلع شهر شباب الفصول، شهر خرافي بجمالياته الطاغية عبق الورود والزهور، وأغاريد الطيور ورقّة البهاء، فمنه استمدّ سحر الجمال الذي هو سرّ الإبداع الشعري، هو ذا الشاعر العربي الكبير نزار قباني الذي ملأ الأسماع طيب الكلمات، وثورة المواقف إذا صرخ في وجوه أعداء الحياة.
لقد ولد في دمشق في 21 مارس/ آذار مّن عام 1923، وتوفي في لندن في 30 أبريل/ نبسان من عام 1998، فكان علينا لزاما أن يستحقّ منّا احتفالا كبيرا بيوم مولده في شهر الربيع، بل احتفاليات ليس في مسقط رأسه دمشق، بل كان لا بدّ أن تنتشر في كثير من العواصم العربية والعالم خاصة أن يوم مولده كان مصادفًا دائمًا ليوم الشعر العالمي. حتى اليونسكو، التي تقيم آلاف الأمسيات في هذا اليوم، لم تخصص له احتفالا واحدا في كل عام وهو صاحب الدواوين الشعرية التي تنوّعت في شتى مواضيعها للمرأة والإنسان العربي، وللوطن الكبير أشعار تذوب رقّة وعذوبة تارة، وثورة وغضبا تارة أخرى، شاعر طاف العالم يوشي تفاصيل الحياة بأروع قصائده التي أصبحت أنغاما وألحانا على ألسنة كبار الفنانين في الوطن العربي.
تمرّ هذا العام ذكرى ميلاده المئوية وهو يتلقف نور دمشق، وهواها التاريخي الجميل، هو هذا الشاعر الذي غرّد للحب، وكسّر طقوس التقاليد البالية على مستوى المجتمع العربي التقليدي، وعلى مستوى بناء القصيدة الشعرية الكلاسيكية المتوارثة عن القدامى في مضامينها وفي تفاصيلها وفي فنياتها وجمالياتها، لقد وشّحته عدة جهات بألقاب كثيرة ومثيرة، منها شاعر المرأة، وشاعر الحريّة وشاعر الثورة. لقد خلّد في قصائده عظماء التاريخ العربي والعالمي لمواقفهم منهم سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم وهو القائل:
– ماذا أقول وألـف ألـف قصيـدة
عصماء قبلي … سطـرت أقـلام
مدحوك ما بلغوا برغـم ولائهـم
أسرار مجـدك… فالدنـوُّ لمـامُ
حتى وقفـتُ أمـام قبـرك باكيـاً
فتدفـقَ الإحـسـاس والإلـهـامُ
ودنوت مذهـولا أسيـرا لا أرى
حيـران يلجـم شعـري الإلجـام
وتوالت الصور المضيئة كالـرؤى
وطوى الفـؤاد سكينـة وسـلام
يا ملء روحي وهج حبك في دمي
قبس يضـيء سريرتـي وزمـامُ
أنت الحبيب وأنت من أروى لنـا
حتـى أضـاء قلوبنـا الإٍســلام
حوربت لم تخضع ولم تخش العدى
من يحمه الرحمـن كيـف يضـام
وملأت هذا الكون نورا فاختفـت
صور الظـلام وقوضـت أصنـام
الحزن يملأ يا حبيـب جوارحـي
فالمسلمون عن الطريـق تعامـوا
والقصيدة طويلة، كما مدح عمر بن الخطاب وغيره من عظماء التاريخ القديم والحديث، وكانت دمشق وبغداد وبيروت وفلسطين من أهم المدن العربية الحاضرة بقوة في شعر، أليس من حق هذه العواصم العربية أن تقيم له تمثال اعتراف سنوي في برامجها الثقافية التي تقام هنا وهناك.؟
وهو القائل:
فرشتُ على ثراكِ الطاهر الهدبا… فيا دمشقُ لماذا نبدأ العتبا
حبيبتي أنتِ فاستلقي كأغنية… على ذراعي، ولا تستوضحي السببا
أنتِ النساءُ جميعًا، ما من امرأةٍ… أحببتُ بعدكِ إلا خلتُها كذبا.
إن كلّ ما يقال عن نزار قباني من أقوال على ألسنة المتقولين لا ينقص شيئا من قامته الإبداعية
فليت أبناء الوطن العربي حفظوا ماء وجوه أولئك المبدعين والمفكرين الذين صنعوا صورة الحياة الجميلة التي تفيض بالحب والفخر والمجد والبطولة في تاريخ الوطن العربي الكبير.
لقد مات نزار بعيدا عن وطنه، ولكن صوته ضلّ خالدا على ألسنة كل من أم كلثوم: غنّت له قصيدتين هما: ” أصبح عندي الآن بندقيّة، رسالة عاجلة إليك “. عبد الحليم: غنّى قصيدتين أيضاً هما:” رسالة من تحت الماء، وقارئة الفنجان “. نجاة: غنّت له:” ماذا أقول له، كم أهواك، أسألك الرّحيلا “. فايزة أحمد: قصيدة واحدة هي:” رسالة من امرأة “. فيروز: غنّت له: ” وشاية، ولا تسألوني ما اسمه حبيبي “. ماجدة الرّومي: 3 قصائد هي:” بيروت يا ستّ الدّنيا، مع الجريدة، وكلمات “. كاظم السّاهر: 4 قصائد هي:” إنّي خيّرتك فاختاري، زيديني عشقاً، علّمني حبّك، مدرسة الحبّ “. أصالة: غنّت له قصيدة ” اغضب “.
هو هذا نزار كلما قلنا في ذكراه لا نوفيه حقه.. رحمه الله بجميل رحماته.