المقالة

مشهد سقوط حرف الراء من (الحرب)

الحرب.. للرسام العالمي بابلو بيكاسو
الحرب.. للرسام العالمي بابلو بيكاسو

يونس شعبان الفنادي

(ستنتهي الحربُ

ويتصافحُ القادةُ

وتبقى تلك العجوزُ

تنتظرُ ولدَهَا الشهيدْ

وتلك الفتاةُ

تنتظرُ زوجَها الحبيبْ

وأولئك الأطفالُ

ينتظرون والدَهم البطلْ.

لا أعلمُ مَنْ باع الوطنْ!

لكنَّنِي رأيتُ مَنْ دفعَ الثمنْ.)

فاضت الدموع عندما هاجمني هذا النص الشعري مساء الأمس، ولا يهمني إن كانت نسبته للشاعر “محمود درويش” أو “جبران خليل جبران” أو للشاعر والكاتب الألماني الكبير “برتولد بريخت” أو غيرهم … تذكرته وأنا أشاهد وفد القيادات الأمنية والعسكرية بالمنطقة الشرقية (عبد الرزاق الناظوري، وخيري التميمي، وعمر امراجع، وفرج اقعيم، وأسامة الدرسي، ومراجع العمامي، والمهدي الشريف) وهم يتصافحون ويحضنون نظرائهم من القيادات الأمنية والعسكرية بالمنطقة الغربية (عماد الطرابلسي، وعبدالغني الككلي، ومحمود حمزة، مختار الجحاوي، وعبدالسلام الزوبي، وعمر بوغدادة) ويتجولون معاً في شوارع المدينة القديمة وساحة الشهداء بمدينة طرابلس، بعد أن تحلقوا حول موائد الإفطار وأدوا صلاة المغرب “جماعة” ربما بإمامة الحاج عبدالله باتيلي الممثل الخاص للأمين العام رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.

تداخلت المشاعر بين الفرح والألم، والدمع والابتسام … تسارع شريط الذكريات بمشاهد التخوين والافتراء والتكذيب المتبادلة وصور الخراب والدمار والقتلى … يا الله يا الله.. سنوات تصرمت من أعمار شباب هذا الوطن ومقدرات هائلة تقدر بالمليارات ضاعت هباءً منثوراً، وسنوات زمنية تبخرت في تنمية بلادنا ليبيا.

لقد جسد النص الشعري تماماً الصورة الواقعية التي نعيشها اليوم بكل تفاصيل المعاناة المريرة التي تكبدناها خلال هذه الصراعات السياسية العدائية والمسلحة الدموية من أجل الغنائم والمناصب الشخصية التي كانت تتوارى خلف شعارات “الوطنية” و”الثورية” و”الحرية” و”الديمقراطية” و”الكرامة” و”الوحدة” وغيرها، ودفعنا جراء ذلك الكثير من أرواح الشباب الأبرياء الذين قضوا في الشرق والغرب، وعشرات آلاف المتضررين والنازحين في بقاع ليبيا الواسعة.

مشهد تختلط فيه المشاعر وتتداخل الأحاسيس ولكن جميعها تهفو إلى أمنيات تزرع الأمن والاطمئنان والاستقرار في بلادنا، وترسخ في أفكارنا جميعاً درساً مهماً يقول بأن الحرب لا يمكن أن تكون حلاً للاختلاف، وأن الصراعات بشتى أنواعها لا يحتكم فيها إلى السلاح بل للحوار بالعقل والفكر والرأي السديد.

إن حدث الأمس يجب ألا يمر بصمت في حياتنا العامة والشخصية على حد سواء، لأنه يفجر العديد من الأسئلة القاسية ولكنها تظل ضرورية للتدبر والتفكر فيها، والتعلم منها العديد من الدروس والعبر، لعل أهمها:

كم خسرنا؟

وهو بلا شك ليس سؤالاً واحداً فحسب، بل تتوالد منه أسئلة كثيرة تجلدنا جميعاً في الشرق والغرب والشمال والجنوب وكل ربوع الوطن:

كم خسرنا من أرواحِ شبابٍ في عمر الزهور؟

كم خسرنا من مدنٍ طالها الخراب والدمار؟

كم خسرنا من وقتٍ ضيعناه هدراً في حرب لا رابح فيها بل كلنا خاسرون وبفداحة؟

كم خسرنا من طاقاتٍ وموارد وإمكانياتٍ بشريةٍ وماديةٍ وثروات نفطية مختلفة؟

كم أهدرنا من وقتٍ في مهاترات إعلامية وقتال في ساحات المعارك كان أولى أن نستثمره في تنمية هذا الوطن؟

كم هي الأحزان والمآسي التي مزقت قلوب الأمهات والأرامل والأطفال والشيوخ الأبرياء؟

ثم من أجل ماذا كان كل الذي مضى؟

إن تذكر أوقات الألم وحجم الخسران الرهيب ولحظات القلق ودوي الرصاص وصوت التفجيرات ورائحة الموت وصور المفقودين والقتلى والجرحى والمبتورين تجعلنا نتهف جميعاً: كفى.. كفى.. كفى. فالوطن للجميع.. ومن حقنا أن نحياً معاً في ربوعه متآخين ومتحابين ومتصالحين.

ستنتهي الحرب … ويعم الوئام … ستكفكف الأمهات دموعهن ويتضرعن لرب السماء أن يسكن موتاهن الجنة … ويجعل البلاد جنة لأرواح جديدة تنبض بالحبّ والحياة..

مقالات ذات علاقة

حزب المرابيع

علي الخليفي

ثلاثية التكرار الليبية: نداء الحياة في زمن الكوليرا*

نورالدين خليفة النمر

تقاطعات متلازمة للتفنيص الليبي!!

محمد السنوسي الغزالي

اترك تعليق