(1) الإنسان هذا الكائن الغامض الذي لايجيب على كل الأسئلة المتعلقة به.. إنه على استعداد لتقييم الناس ومحاكمتهم بقوانين من صنعه هو وافتراضاته هو وأحكامه المطلقة ونومه الهادئ بجرائمه التي لايعاقب عليها القانون وهو قرير العين، فكم من نفس عفيفة تبكي على كرامتها وتموت كمدا دون دواء ينجيها من المجانين الذين يرمون حروفهم في الصفحات ثم يمضون يجترون انتصاراتهم الوهمية ومن راءهم أتباع لايعرفون حجم الخسارة الإنسانية للكلمات العابرة..فهذه هي علاقاتنا اليومية نسير فوق الأرض نترك وراءنا مشاعر حائرة ندوس عليها بكل قسوة.وبأقدام همجية لاتعبر إلا عن رعدة داخلية لاتفضي بنا إلى حقائقنا.
(2) اعرف قريبا لي مات بحسرته لأنه كائن رقيق عاش بعيدا عن أجلاف هذه البشرية في عالم يخصه بوحدته وهدوءه.. يذهب في الصباح إلى عمله ويعود عند نهاية الدوام يجد زوجته الرقيقة الجميلة قد أحضرت له الغداء يتناوله ثم يستلقي لقيلولته [رحلت قبله في ربيع عمرها لأنها لم تتمكن من التعاطي مع مجتمع التفنيص].أما هوفحاصره يوماً احد المتشردين الساخرين غيرة من رقته ولأنه يعيش خارج زمنهم، وظل يطارده وهو يتعثر ببذلته الأنيقة وعطوره الشفافة حتى ارتمى لاجئاً خلف صاحب دكان عطور الذي لم يكن كائناً مزيفاً فحماه ، لكن الرجل صعبت عليه نفسه إذ أدرك انه يعيش في غابة من الوحوش فأصيب بأزمة قلبية غادر على أثرها الحياة بينما ذلك القبضاي عاش بعده سنيناً يكذب كثيرا على الناس.. لم يكن قريبي شرساً ولا من نوع القبضايات الذين يملأون الشارع الليبي ببطولاتهم الوهمية الفاقعة..وترك الرجل الجميل أولاده يتامى .من عطفه وقبله عطف أمهم.
(3) عندما تعرف الليبيون إلى الفيس بوك زاد الطين بلة وتناسلت هذه البطولات من رجال لايساوون شيئا في سوق الشهامة والرجولة خاصة عندما تتبع سيرهم الذاتية وحقائقهم المُريعة..لقد احرق نيرون روما مع انه كان جباناً لكنه أوجد حوله المريدون والمبهورين.. لكن ما من احد حوله فكر في تتبع سيرته.ذلك أن الملوك لايمكن تقييم مبلغ شجاعتهم في وسط تنابلة السلطان، فالملك يقتل ويشرد ويضرب بسيف مسرور بشجاعة عندما يجد لعبة الحجاج قد انطلت، لكن هذا الحجاج عندما قلبت له الدنيا ظهر المجن بعد أن ظلم واستكبر وتقوى بسيفه على المسكين الضعيف سعيد ابن جبير.
(4) لذلك أحيانا تحتاج إلى واقي من رصاص الكلمات.. لاتفكر.. ستجد من يقفز عليك في صفحتك بعد ان انتقل القبضايات إلى صفحات التواصل كما يقفز المجنون على عقله.. هي حالة نفسية. ليست بطولة ولا انتصار.. لأنه فيس بوك وكيبورد… وهذا بعض مما أضاع ليبيا… الجحيم الأكبر هو بوم الفقد الأكبر؟؟ فكل فقد بعده لايهم.. ولذلك تماهى بعلاقتك مع هذا الفقد منذ البداية وتعاطى معه بفهم بالغ.. وما يسمى بالصدمة هو كذبة كبيرة نرتاح إليها نفسياً.. ونلجأ لمسبباتها حتى نخفف عنا وطأة القهر.
(5) لذلك ومن وجهة نظري دع من يكذب على الناس ابتدئ من شارعك وحتى آخر العالم دون أن تحاول أن تقف ضد السيل البائس إذ لايوجد على ارض الواقع ما يسمى بالمبادئ والعدالة الإنسانية في مُحيطنا الذي نعيشه. بل.يوجد حصان نمتطيه لنعبر إلى ضفة آخري تحت شعار المبدأ.. فنحن نحتاج إلى تنازلات تبريرية لهذا العبور كي نقنع أنفسنا بأننا على مايرام.ولذلك من العادة أن نحاكم الناس لكننا لانقبل أن يحاكمنا أحد ببنود مبادئ ربما نحن صانعي توثيقاتها.. فعادة تنصب المشانق بذات القانون للآخرين باستثناء المُشرع نفسه!! الذي يفهم اللعبة التي هي من لدن ابتكاراته.حتى ولو تجاوز قوانينه!! فحمورابي لايقبل ان يكون ضحية نظرياته مثلما هو ماركس وانجلز وماوتسي تونغ.. من هنا ترتاح وتطمئن إذا لم تحاكم أحد على خلفية مبادئ حتى ولو كانت تلك المبادئ من تأليفه.
(6) المُحصلة.. اكتشفت أن أجمل ارتباط وأبقى علاقة هي تلك التي تربطك بكائن لايتنفس ولايرفضك ولايحرمك منه إذا احتجت إليه.. ويغطي شغفك دون أن تخاطبه أو يخاطبك.. ذلك الصامت الجميل هو الكتاب… إنها أجمل علاقة وجدانية تنبض بالوجد بين كائن وجماد. فهو أفضل من جليس سوء حتى ولو كان افتراضيا.