تجارب

ذكرى صغيرة وعهد كبير..

الروائي عبدالله الغزال
الروائي عبدالله الغزال

كنت شابا يافعا حين حصدت مجموعتي القصصية (السوأة) المركز الأول بجائزة الشارقة للإبداع العربي قبل حوالي عشرين عاما.

كان التنافس على الجائزة شديدا وكنت خائفا مترددا، ولكن ما حفزني على كتابة القصص السبع في المجموعة هو صديقي الحميم عبدالحكيم المالكي. وصديقي إبراهيم صافار.

لقد كانا يشدان من أزري كل يوم ويدفعاني دفعا للمشاركة ويراهنان على فوز ما أكتب.

الحقيقة أن المشاركات في ذلك العام تجاوزت الألف مشاركة من جميع أقطار العربي الكبير، في نهاية الأمر، عبر قناة الشارقة الفضائية سمعت اسمي يتردد بأن مجموعتي قد حصدت المركز الأول، وبعد يومين وصلتني تذكرة ودعوة لاستضافتي وتكريمي ومنحي درع الجائزة وقيمتها المالية.

مضت شهور وأيام، وحين أحضر لي عبدالجكيم المالكي نسخة مطبوعة منها على نفقة وزارة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة، وكان قد ذهب إلى هناك لاستلام جائزة له في النقد كنت مبتهجا على نحو لا يصدق لأن صديقي الأثير حصد جائزة أيضا وأنني سأمسك بين يديّ كتابي الفائز مطبوعا وقد نقش عليه ختم الجائزة الشهيرة.

الطريف في الأمر أن الكاتب الليبي أمين مازن كان مستضافا في برنامج على أثير راديو مصراته في ذلك الوقت. حين سمعت به ركبت سيارتي العتيقة وطرت إلى هناك وفي يدي تلك النسخة الوحيدة وقد أمهرتها بإهداء طويل يتقاطر بالثناء على هذا الأديب الليبي الكبير الذي تستضيفه مدينتي مصراته.

في غرفة البث قابلني أمين مازن بوجه غاضب مربد تختلج عليه قسمات منفرة، وحين تقدمت إليه لأعانقه العناق الليبي وأهديه كتابي أحسست بفزع بأنه يبتعد عني بتكبر وتعالي وأنه لا رغبة له في عناقي. أحسست بشيء يتحطم داخلي وأحسست أن هذا الشخص قد كسر شيئا ثمينا في داخلي دون رحمة.

في الواقع لقد شعرت بإهانة عظيمة وحزن خانق.

قبل أن أغادر غرفة البث رأيته يضع مجموعتي القصصية الثمينة بخشونة شديدة على الطاولة أمامه دون أن تغادر وجهه تلك العلائم الغاضية المتعجرفة، ولم يلتفت لي ولا إلى كتابي الراقد أمامه في صمت وقد انثنى غلافه لتظهر بعض حروف إهدائي له.

خرجت من مبنى الإذاعة أرتعش غضبا وحزنا. مشاعر متشابكة، هي مزيج من الإحساس بالإهانة والإذلال وبقايا بهجتي بفوزي بالجائزة.

منذ ذلك الوقت أخذت على نفسي ميثاقا غليظا أمام نفسي وأمام الرب إذا استطالت بي السنون وأصبحت كاتبا له شأن بأنني لن أخذل كاتبا ناشئا أو صاحب حاجة.

ببساطة لأنني عرفت يقينا معنى أن تكسر شيئا في قلب أحد وقد جاءك بوجه يتهلل فرحا واستبشارا.

مقالات ذات علاقة

ها هنا بدأت الحضارة !

مهنّد سليمان

كتبي.. قرة العين لي

سكينة بن عامر

أول قصيدة يكتبها السنوسي حبيب في السجن : سجن الجديدة يونيو 1976

المشرف العام

اترك تعليق