حكايات وذكريات: سيرة قلم 6
عندما كنت تلميذا بالمرحلة الابتدائية كانت فرحتي كبيرة بمناسبة شرائي دراجة مستعملة بمبلغ (3) جنيهات.. ورغم أن صديقي البائع الصغير كان قد زاد في ثمنها نصف جنيه تقريبا سامحه الله.. إلا أن فرحتي بها كانت كبيرة جدا.. أكبر من أن توصف.
بقيت تلك الدراجة معي.. وبقيت معها ردحا من الزمن.. أخاف عليها وأحتفظ بها ككنز ثمين.. إلى أن تقادم عهدها وبليت أطرافها وتوقفت لعجزها عن العمل.. وقدمت إلي استقالتها.. إلا أنني رفضتها ولم أوافق لعدم وجود البديل.. وظللت احتفظ بها إلى أن عرض علي أحد الأصدقاء شراء عجلتيها بمبلغ مغر.. (50) قرشا عن كل واحدة.
الدراجة المشتركة:
ورغم علاقتي الطيبة التي تربطني بها.. ولضيق ذات اليد وافقت على الصفقة.. واكتفيت بالاحتفاظ بالهيكل.. الذي ظل في بيتنا لفترة من الزمن.. إلى أن عرض علي ابن أحد الجيران مشاركتي في مشروع دراجة.. وكان ذلك الصديق يدرس معي في نفس الفصل فقلت له مستغربا: كيف.. !!!!
فقال: أنا عندي (العجل).. وأنت عدنك (الهيكل).. معناها نحنا الاثنين عندنا دراجة.. فقلت له موافق.. بشرط (يوم عندي ويوم عندك).. فقال: موافق.
وتوكلنا على الله.. ونجحنا بعد جهد كبير وفي وقت قصير.. في إخراج مشروع دراجتنا المشتركة إلى الوجود.. وسارت الأمور على ما يرام.. حيث كنا نتناوب على استعمالها على فترات متساوية.. مرة عندي.. وأخرى عنده.
الا أن الذي كان يعكر صفو هذه الشراكة هو استئثار صديقي بالدراجة وكأنها ملك له.. فقد كان على سبيل المثال يصر على أن أسلمها له بعد المغرب مباشرة.. لتبيت في بيتهم.. متحججا أن (عجل) الدراجة أكثر أهمية وأكثر تأثرا واستهلاكا من الكهيل.. وكنت على مضض أنفذ طلباته بالخصوص.. مراعاة لعلاقة الشراكة التي تربطنا.. وخوفا مني على نهاية مشروعنا الوليد.. التي تعني عودة (الهيكل) إلى مقره القديم.
دخول أطراف أخرى في الشراكة:
ومما زاد الطين بلة.. وقسم ظهر تلك الشراكة الهيكلية العجلاتية.. هو دخول أمه على الخط.. كانت يرحمها الله تمارس علي نوعا من التسلط كالذي كانت تمارسه على ابنها.. فقد كانت يرحمها الله.. تمنعني من أخذ الدراجة كلما حضرت لأخذها في اليوم المخصص لي.
وكنت وفي غياب ابنها أعاني الأمرين وأنا أحاول أن أشرح لها.. لأقنعها بأن هذه الدراجة مشتركة.. وأن ابنها لا يملك منها سوى العجلتين.. وكانت الأمور في الغالب لا تنتهي على خير.. حيث كنت أعود إلى بيتي بخفي حنين حزينا وغاضبا.
نهاية الشراكة الظالمة:
وذات يوم.. قررت أن أواجه صديقي بما عقدت العزم عليه.. حيث ذهبت إليه بعد المغرب مباشرة.. أي بعد انقضاء اليوم المخصص له.. وطلبت منه تسليم الدراجة لي.. كي أتمكن من استخدامها اليوم التالي بسهولة ويسر ودونما اعتراض من والدته.. لكن الصديق والشريك رفض تسليمها.
وعلا الصوت واحتد النقاش بالخصوص.. إلى أن خرجت أمه.. وكان خروجها كمسك الختام الذي كنت أتمناه.. لأثبت لها حقيقة الشراكة التي لا تعترف بها.
وحينما رفضت هي الأخرى تسليم الدراجة لي.. وطلبت مني الذهاب.. وأمرت إبنها بالدخول إلى البيت.
اشتد غضبي وقلت لهما: (والله ماني ماشي إلا بالهيكل).. ولم يكن أمام صديقي من بد سوى تنفيذ هذا الأمر المؤلم.
وحينما انتهينا من فك (العجلتين).. عدت إلى بيتي أجرجر الهيكل.. مسرورا ومتشفيا من أمه التي صدقت مؤخرا كلامي.. وتأكدت بالفعل أنني شريك إبنها في الدراجة.. ونمت تلك الليلة سعيدا هاني البال.. بعد تخلصي من هذه الشراكة الظالمة.