طيوب عربية

وحطّت طائرة الرئيس

طائرة ورقية؛ من أعمال التشكيلي مرعي التليسي

يحكي التاريخ أن الفرنسين قد ولعوا بشخصية “شارل ديغول” حتّى أصبحوا يعدّونه الأب الروحي للجمهورية الفرنسية الخامسة، ويرجع الكثير من الفرنسيين الفضل له في استقلال بلادهم من الجيوش النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، إذ لم يتوقف وهو في لندن من إطلاق الشعارات التي كانت تلهب قلوب الفرنسيين، وتدفعهم إلى المقاومة. وهو يخاطبهم «أيّها الفرنسيون لقد خسرنا معركة لكننا لم نخسر الحرب، وسوف نناضل حتى نحرّر بلدنا الحبيب من نير الاحتلال الجاثم على صدره».

ويواصل قائلا: «هذه الحرب لا تقتصر على خسارة إقليم في بلادنا، هذه الحرب لم تنته بخسارة معركة فرنسا، هذه الحرب هي حرب عالمية واسعة….. أياً كان ما سيحدث، فإن شعلة المقاومة الفرنسية لا يجب أن تنطفئ، ولن تنطفئ» – شارل ديغول،

– من هذه الكلمات كان أبناء الجزائر يستلهمون الدروس والعبر، وهم يرون “الجنرال” يحمي بلاده من احتلال النازية، ولكنه ينسى بأنّه يحتلّ وطنا، وينكّل بشعب عربي مسلم.

لقد ظلّ الاستعمار الفرنسيّ الغاشم يجثم على أرض الجزائر طيلة أكثر من قرن من الزمن.

وكم توالت جنرالات العدو على العبث بمقدرات وخيرات هذا البلد الطيب، وكم عاش هذا الشعب من ويلات الحرب تشريدا وتعذيبا، وفي المرّة الثامنة من زيارته للجزائر. كان يتهيّب الموقف، وطائرته تحطّ بمطار “زناتة”، وتحديدا في اليوم التاسع من ديسمبر عام 1960.

-كانت المدينة في أبهى زينتها الشوارع، والبنايات، والمطار. الكلّ تعانقها ألوان الرايات والأعلام، وتترجم أنفاسها تلك الشعارات التي كتبت بخطوط زاهية، والتي تقول: “الجزائر فرنسية، الجزائر جزء من فرنسا العظمى”.

-كانت الساعة تشير إلى الحادية عشر وستة وأربعين دقيقة، عندما حطت الطائرة المروحية “كرافيل” للرئيس ” شارل ديغول”، وهو مرفقا بوزير الدولة المكلّف بالشؤون الجزائرية “جوكس” وبصحبتهما العميد رئيس أركان الجيش الفرنسي. ترجّل الرئيس وتوجّه الى المنصة التي أعدت خصيصا له. لكي يلقي خطبته على المواطنين، والسكان من الفرنسيين والأهالي، في تلك اللحظة تسارعت الأحداث، وهو يلقي كلمته.. قائلا: الجزائر فرنسية بحكم الموقع وحكم الدستور، وهذه رايات الوطن ترفرف فوق رؤوس الجميع، وساعتها جاءه الرّد صافعا من بين صفوف الجماهير. الجميع بصوت واحد…تحيا الجزائر…تحيا الجزائر.. الجزائر حرّة مستقلة..

– انزعج الرئيس المحتل وجنوده لسماع تلك الشعارات التي راحت تدوّي المكان. وفجأة استعاد الرئيس توازنه وهدوءه، وهو يقول: أيّها المواطنون أرجو منكم الهدوء، حتى أكمل خطابي ولكم حق الرّد والتعليق.. نحن فرنسا دولة ديمقراطية تعطي حق التعبير والرأي.

– برز من بين صفوف الجماهير أحد الأهالي بكلّ شجاعة يخاطب الرّئيس قائلا:

– سيدي الرئيس.. معذرة.. كم أنتم أغبياء…نعم أغبياء…أقولها ولا أخاف من جنودكم، ولا من المصير الذي سيلحق بي…

– إنكم أغبياء عندما اعتديتم على شعب آمن مستقر في وطنه، وحاولتم ترويضه مثل الخيول البرّية الشاردة، فسلبتم منه حرّيته، وحقه في الحياة.. تحاصرونه من جهة ويحاصره الفقر والجهل والمرض من جهة أخرى، سلبتم أرضه الخصبة وخيراته، وتركتم له الجبال والأراضي البور، واستخدمتم أبناءه عبيدا لكم، يا لكم من أغبياء…في هذا القرن المشؤوم “.فمتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”؟

– لو عرفتم كيف يستعبد الناس، لكنتم معهم عمالا في مزارع هذا الوطن، ولكنتم عادلين معهم في كلّ قضياهم في المحاكم والإدارات، ولو كنتم أذكياء فعلا، لتزوجتم منهم ولم تستبيحوا حرماتهم، وأعراضهم، ولم تستبيحوا نسائهم.، وساعتها تختلط الدماء بينكم وبينهم، ولو كنتم أذكياء فعلا لتركتم لهم حرية حقهم في ممارسات شعائرهم الدينية، وتعلّم لغتهم العربية.. وساعتها تستولون على الوطن بما فيه من خيرات وشعوب.

– وهنا هبّت فوضى عارمت في تلك المظاهرات التي كانت تبشّر بغضب رهيب، واشتعل اللهيب، وطارت طائرة الرئيس، ولكن المظاهرات كانت سيلا جارفا لم توقفه اعتقالات جنود فرنسا، وهنا عمت كل الأحياء والمدن والقرى، وكانت المظاهرة الكبرى في العاصمة الجزائرية التي اهدت للعب نور موعد الاستقلال، رغم كل ما حدت من سيل الدماء ومن اعتقالات… وخرج الجميع يهتفون تحيا الجزائر…حرّة مستقلّة. -ومضى موكب المظاهرات يخترق حواجز المستعمرين في قلب العاصمة في ساحات باب

الودي، وساحة الشهداء والبريد المركزي، وقد تقاطر الشعب من أعالي القصبة، وبانت تباشر الحرية في ذلك اليوم العظيم…

مقالات ذات علاقة

الهندسة المعمارية المعاصرة في العالم الإسلامي

المشرف العام

قصائد فاطمة* ما أجملها لو لم تكن تكذبْ!

فراس حج محمد (فلسطين)

عصفور الجمر الأخضر

آكد الجبوري (العراق)

اترك تعليق